مصر: حرب «الإخوان» ضد الإعلام على طريقة مبارك
إنها الحرب، وقد أعلنتها جماعة «الإخوان المسلمين» بكل ما تملك من سلطات، عبر تحريك «ماكينة الدولة» ضد من يكسر هيبتها. وفي تطور لافت، وجهت الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة إنذاراً إلى قنوات «سي بي سي» بإلغاء ترخيصها في حال عدم الالتزام بضوابط العمل داخل المنطقة الإعلامية الحرة، وذلك على خلفية ما اعتبرته خروجاً عن هذه الضوابط في برنامج «البرنامج» الذي يقدمه الإعلامي الساخر باسم يوسف.
وأشارت الهيئة في إنذارها إلى أن تحركها جاء وفقاً للشكاوى والدعاوى القضائية المقدمة ضد مقدم «البرنامج»، المتهم بالتعرض لبعض رموز الدولة والشخصيات العامة، بالاهانة والتهكم والاستهزاء والسخرية. وأضافت إن البرنامج يتضمن «إسفافاً وتطاولاً وتلميحات جنسية وألفاظاً نابية».
وبدورها، أكدت إدارة قناة «سي بي سي» أنها حريصة على الالتزام بالقانون ومواثيق الشرف الإعلامي وشروط التراخيص في كل ما تبثه. وأشارت في بيان إلى أن «الموضوع محل الإنذار أمام القضاء الآن، ولم يتم البت فيه»، مضيفة إن «الاتهامات الموجّهة هي من الأشخاص الذين قدموا بلاغات ضد البرنامج، ولا يعني ذلك إطلاقاً أنها حقائق، فهي مجرد اتهامات لم يبت القضاء في ثبوتها من عدمه، وبالتالي لا يجب اعتبار أن ما يقدم في برنامج البرنامج تنطبق عليه هذه الاتهامات إلى أن يصدر حكم نهائي بشأن تلك البلاغات».
وقال مدير قنوات «سي بي سي» محمد هاني إنه من اللافت أن تعتبر هيئة الاستثمار أن الاتهامات الواردة في البلاغات حقائق، في حين أن الأمر لا يزال محل نظر أمام القضاء ولم يفصل فيه بعد. وأضاف «لو طبقنا هذه القاعدة على كل صحافي أو كاتب، لألغينا تراخيص كل الصحف والقنوات». وحول تصرّف إدارة القناة مع برنامج باسم يوسف، قال هاني إن إدارة القناة تدرس الإنذار الموجّه من هيئة الاستثمار، ولم تتخذ أي موقف حتى الآن من البرنامج.
الهجمة المرتدّة على باسم يوسف جاءت هذه المرّة من الهيئة العامة للاستثمار، وهي هيئة ليس من حقها التدخل في محتوى ما تقدمه القنوات، بل ينصبّ جُل اهتمامها على مراقبة تنفيذ القنوات لبنود العقد المبرم معها، وعدم تغيير الإشارة إلا بالرجوع إليها، فضلاً عن عدم عرض إعلانات تحضّ على الكراهية أو التمييز أو تدعو إلى السحر والشعوذة. وهي بنود موجودة في كل عقود الفضائيات العاملة في مصر.
ولكن هذه المرّة تخلت الهيئة عن دورها لتدخل في قلب صراع السلطة ضد الإعلام، لتكون العصا التي يردّ بها النظام على انتقادات وزارة الخارجية الأميركية مساء أمس الأول، لما تعرض له باسم يوسف ونشطاء آخرون.
تلك التصريحات استفزت جماعة «الإخوان المسلمين» فردت عن طريق ذراعها السياسي حزب «الحرية والعدالة». وجاء في بيان صادر عنه أن «إقدام (الخارجية الأميركية) على التدخل السافر في الشأن الداخلي المصري بخصوص قضية لا تزال قيد التحقيق، ويتم التعامل القانوني معها بالوسائل القانونية الشرعية، يثير علامات استفهام كبيرة عن توجهات الإدارة الأميركية».
وأكد البيان إدانة الحزب المطلقة والشديدة لهذه التصريحات، لأنها لن تحمل تفسيراً في الشارع المصري إلا أنها تمثل ترحيباً أميركياً في ازدراء الشعائر الدينية من قِبل بعض الإعلاميين.
ورفض المتحدّث الإعلامي باسم الجماعة أحمد عارف، التعليق على البيان، قائلاً إن «هذه وجهة نظر الشـعب المصري كله، ولن نســمح بازدراء الدين الإسلامي على شاشات الفضائيات تحت زعم حرية الرأي والتعبير».
وفي المقابل، كشفت رئاسة الجمهورية أنها لن تتراجع عن قرار إزاحة النائب العام السابق عبد المجيد محمود، بل إنها متمسكة بالنائب طلعت عبد الله، الذي عينه الرئيس محمد مرسي. وجاء ذلك في حديث للمستشار القانوني لرئيس الجمهورية محمد فؤاد جاد الله، حيث قال إن «هيئة قضايا الدولة» ستتقدم بطعن على حكم بطلان تعيين النائب العام، موضحاً أن رئاسة الجمهورية لن تطعن على الحكم، إلا أن هناك جهات أخرى ستقوم بتلك المهمة فور استلام حيثياته.
وأضاف جاد الله في تصريحات صحافية، إن النائب العام الحالي سيبقى في منصبه إلى حين صدور حكم نهائي، وحينها ستقرر الرئاسة كيفية التصرف.
ويبدو أن الأزمة لن تنتهي قريباً، في ظل إصرار القضاة على تنفيذ حكم بطلان تعيين عبد الله، وعودة النائب العام السابق.
وناشد مجلس إدارة «نادي مستشاري هيئة قضايا الدولة»، أمس، الجهة المنوطة بالطعن على حكم بطلان تعيين النائب العام، أي «المجلس الأعلى لهيئة قضايا الدولة»، بعدم المضي قدماً في ذلك. ولكن النائب الأول لرئيس الهيئة المستشار البيومي المصري، أكد أنهم لن يلتزموا بتوصية النادي، لافتاً إلى أن اللجنة التي تضمّ كبار مستشاري الهيئة قاربت على الانتهاء من دراسة الحكم، وأن الهيئة ستعلن موقفها النهائي من الطعن في موعد أقصاه السبت المقبل.
الحاصل أن جماعة «الإخوان المسلمين» قررت الحرب على جبهتين، الأولى ملاحقة الإعلاميين والقنوات الفضائية التي تنتقد سلطة الرئيس «الإخواني»، والثانية تحدّي السلطة القضائية وعدم تنفيذ الحكم بإبعاد النائب العام، وهو ما قد يعني أن الغضب لن يتوقف ضد نظام يحرق كل الطرق المؤدية إلى توافق أو تهدئة.
محمد فوزي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد