مصر: ناشطون أقباط يهددون بالتدويل

23-12-2007

مصر: ناشطون أقباط يهددون بالتدويل

جددت أحداث العنف الطائفي التي شهدتها مدينة “إسنا” في صعيد مصر قبل أيام تحركات من يسمون “أقباط المهجر”، وما تطلقه جماعات مشابهة في مصر من اتهامات بحق الدولة، تتعلق بانتهاجها “التمييز بين مواطنيها على أساس طائفي”، حسب قائمة الاتهامات، وأعلن أمس نشطاء أقباط أنهم يتجهون إلى شكوى الحكومة المصرية أمام الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي الأسبوع المقبل بشأن الأحداث الطائفية التي وقعت مؤخرا في مناطق مصرية، وأدت إلى تدمير ممتلكات من الأقباط، وقال الدكتور عوض شفيق المستشار القانوني لمنظمة “الأقباط متحدون لحقوق الإنسان” إن الشكوى تستند إلى الإعلان الصادر عن الأمم المتحدة في ،1981 والخاص بالقضاء على التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد، وأضاف أن الشكوى تتضمن طلب مسؤولية الحماية الواجبة على الدولة في حماية حقوق الإنسان، حيث لا تقوم الدولة بحماية مواطنيها، فيما سيتم الاعتماد في الشكوى المقدمة للاتحاد الأوروبي، حسب شفيق، على اتفاقية الأورو متوسطية في ،2004 واستناداً إلى القرار الخاص بحماية المسيحيين الصادر في منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.

ويهدد نشطاء أقباط بين حين وآخر بتدويل قضية ما يصفونه بتعرضهم للاضطهاد والاعتداء من مسلمين، ويتهمون الحكومة المصرية بغض النظر عن تلك الاعتداءات، وعدم إنصاف ضحاياها من الأقباط، وأيضا بالتورط في اضطهادهم بحرمانهم من مناصب عديدة في الدولة، والتضييق على الأقباط في بناء كنائسهم.

ولا ينكر الدكتور شفيق التفكير المستمر في تدويل قضايا الأقباط، ويقول: ان هناك قاعدة شهيرة ننطلق منها كنشطاء أقباط، وتستند إلى أنه “عندما تغيب الإرادة السياسية تنتصر الإرادة الدولية”، ومن ثم يحق للنشطاء في الداخل والخارج اللجوء إلى حث المجتمع الدولي لإتمام هذه الإرادة وتحديد المسؤولية، ونفى أن تكون هذه الخطوة بمثابة خيانة للوطن، وقال ان هذا الأمر حق للفرد نظرا لمكانته في القانون الدولي، وحق للمنظمات القبطية المدافعة عن حقوق الأقباط، ويضيف: “هناك فرق بين التدخل ومسؤولية الحماية”.

على صعيد متصل، دعت عشر منظمات حقوقية مصرية إلى اتخاذ قرارات حاسمة لمنع تكرار “الأحداث الطائفية” التي تؤرق المجتمع بشكل كبير، وتخطي ما وصفته في بيان مشترك “مرحلة الشجب والاستنكار وإصدار البيانات” إلى مرحلة وضع الحلول الفورية، لأن المجتمع لم يعد قادرا على تحمل تبعات تكرار مثل هذه الأحداث. ورأت المنظمات الموقعة على البيان أن على الأزهر والأوقاف والكنيسة دوراً مهماً في حصار هذه الظاهرة، وفي الوقت نفسه على الحكومة أن تتسلح بالقانون وتطبقه بحزم على كل من يخالف ويعتدي على الآخرين من دون حق، وهو ما ينص عليه قانون الإجراءات الجنائية، وانتقدت تعامل الحكومة مع مثل تلك الأحداث باللجوء إلى عقد جلسات الصلح العرفي وتنحية القانون جانبا، ودعت المنظمات إلى استصدار فتوى تجرم الاعتداء على ممتلكات الغير بصورة حازمة وسريعة، حتى لا تسيء مجموعة من الناس لأي دين كان، وأن تهدئ الكنيسة في الوقت نفسه الضحايا حتى لا يستفزوا إخوانهم المسلمين، ما يجعل حقوقهم تضيع بسبب أي ردود فعل غير مسؤولة.

وأرجعت المنظمات الحوادث الطائفية الأخيرة إلى ما وصفته ب”تراخي” الأجهزة الأمنية عن القيام بواجباتها في حماية أمن المواطنين المصريين وممتلكاتهم، وطالبت بإطلاق نقاش واسع حول كيفية معالجة أزمة أحداث العنف الطائفي التي تشهد تحولا كبيرا بعد اتخاذ أساليب مختلفة، والعمل على تنقية القوانين من أية إشارات تمييزية تفرق بين المصريين بسبب الجنس أو الدين أو النوع، وترسيخ مبدأ المواطنة في الواقع المعيش من خلال تحقيق المساواة لكل المصريين، من خلال الاعتراف بالأعياد المسيحية، كإجازة رسمية في مصر، وهي: “عيد القيامة، عيد الغطاس، أحد الشعانين، خميس العهد، رأس السنة القبطية”، بعد أن قرر الرئيس حسني مبارك في بادرة إيجابية جعل يوم 7 يناير/ كانون الثاني من كل عام إجازة رسمية في مصر احتفالا بعيد الميلاد.

ويقول محللون إن “الملف القبطي” يحتوي على نقاط ساخنة عديدة، في مقدمتها شكوى الأقباط من حرمانهم من مواقع تنفيذية عديدة مثل المحافظين ورؤساء الجامعات، والتضييق عليهم في إقامة دور العبادة، فيما تشير الحكومة المصرية إلى أن قبطيا يشغل منصب المحافظ بالفعل، وأن حقائب وزارية عديدة أسندت إلى أقباط، ولا تخلو تعيينات الأعضاء بالبرلمان من نصيب وافر للأقباط، فيما يستعد البرلمان لمناقشة مشروع قانون بشأن دور العبادة.

وكان أول التشريعات التي تعاملت مع هذا الأمر ما سمي “الخط الهمايوني” الذي أصدره السلطان العثماني عبد المجيد خان في ،1856 وقت أن كانت مصر ولاية تابعة للدولة العثمانية، وفي 1934 صدرت ما تسمى قرارات “العزبي باشا” الذي كان وكيلا لوزارة الداخلية، وتضمنت عشرة شروط، يصفها الأقباط بالمجحفة، بشأن بناء الكنائس، حيث تضمنت اشتراطات تتعلق بالملكية ومكان الكنيسة المراد بناؤها وسط المسلمين أو المسيحيين، وظلت تلك الشروط معمولا بها إلى أن صدر في 1998 قرار جمهوري بتفويض المحافظين بإصدار قرارات خاصة بترميم الكنائس وملحقاتها القائمة وقرار آخر يمنح الجهة الإدارية المختصة بشؤون تنظيم كل محافظة، حق إصدار التراخيص لترميم دور العبادة، وفي ،2005 صدر قرار آخر بتفويض المحافظين بإصدار تراخيص البناء أو إجراء توسعات في الكنيسة، ويطالب نشطاء بإلغاء المواد القانونية والقرارات الجمهورية المنظمة لهذا الشأن، واعتبار أن دور العبادة منشآت عادية بعيدا عن طبيعتها الدينية.

ويثير نشطاء آخرون مسألة التمثيل النيابي والتنفيذي للأقباط في النظام السياسي المصري، ويجد الباحث الدكتور سمير مرقص في دراسة له أن نسبة هذا التمثيل وصلت إلى 7% بين 1924 و،1952 وانخفضت في الوقت الحالي إلى أقل من 2%. وأشار إلى عودة للنظر للأقباط، منذ السبعينات، باعتبارهم “أهل ذمة” وتقسيم الجماعة الوطنية على أساس مسلم وغير مسلم، في ظل المد الإسلامي الذي شهدته تلك الفترة، وقال إن رغبة الأقباط في المشاركة العامة اصطدمت مع شعار “الإسلام هو الحل” الذي رفعته جماعة الإخوان المسلمين في السنوات الأخيرة، وطالب باستعادة “النموذج المصري” الذي عاشته مصر في القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين.

ويرى مرقص أن مشكلة الأقباط ليست مع الإسلام الثقافي، لكنها مع تيار الإسلام السياسي الذي لم يطرح بعد رؤية واضحة في ما يتعلق بقضية المواطنة.

ويحمل الخبير في مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية في الأهرام ضياء رشوان القوى السياسية في مصر مسؤولية التقصير في علاج الأزمة، ويؤكد أهمية إيجاد تواصل بين طرفيها في كل الأوقات بعيدا عن وقت الأزمة فقط، ويرجع أسباب الأحداث التي تندلع بين حين وآخر بين مسلمين ومسيحيين إلى عدة أمور، أهمها الظلم الواقع على الأغلبية الساحقة من الجانبين وتخلي الدولة عن أدوارها.

محي الدين سعيد

المصدر: الخليج

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...