مقامات العجيلي بعد رحيله
إذا كان عبد السلام العجيلي (1918ـــــ 2006) قد اشتهر خلال حياته، سياسياً وقاصّاً وروائياً يستجلي مرحلةً تميزت بأحداثها وأشخاصها، فإنه في «مقامات عبد السلام العجيلي وأشعاره» (دار رياض الريس) الذي يصدر بعد رحيله، يقدّم وجهاً آخر من وجوه العجيلي: إنه وجه الشاعر وكاتب المقامة الذي لا يختلف كثيراً عن «فن الحكاية» الذي اشتهر به الأديب والسياسي السوري.
قد يتساءل القارئ هنا عمّا يجمع «الشعر» و«المقامات» في كتاب واحد، وهو السؤال الذي تنبّه إليه العجيلي، فقدّم جوابين لقارئه: الأول أنّه بدأ بالشعر يوم بدأ الكتابة أصلاً، فكان «الفن» المتقدّم في إنتاجه الأدبي على حد تعبيره، وإن كان قد ابتعد «عن طرائق الشعراء المكرسين أنفسهم» للشعر. فهو يرى أنّ الشعراء صنفان: «صنف يعدّ نفسه شاعراً (...) وصنف التائقين إلى أن يكونوا كباراً ومشاهير في زمنهم وفي الأزمان التي ستلي أزمانهم». أما الصنف الآخر فهم «شعراء المواقف» كما يسميهم، ويعرّفهم بأنهم من لا يكون الشعر الصفة الغالبة لديهم، «لكنهم يملكون الموهبة الفنية والقدرة على التعبير بأسلوب شعري والإحساس المرهف، بما يدفعهم في المواقف التي تثيرهم».
ثم يخلص صاحب «باسمة بين الدموع» إلى اعتبار نفسه «واحداً من شعراء المواقف»، لأنه لا يكتب الشعر ليضم نفسه إلى الشعراء المعروفين بصفتهم شعراء، بل يأتي الشعر عنده حصيلة لتأثراته وانفعالاته واندفاعه «في التعبير عن تلك التأثيرات». أما حصيلة ما كتبه من أشعار خلال رحلة عمره، فجمعها في هذا الكتاب الذي ضمّ أول عمل شعري منشور له «الليالي والنجوم»، ومخطوطاً بعنوان «أهواء»، وما سمّاه «إخوانيات ضاحكة».
الكتاب موزّع شعراً بين الغزل والغناء وما يدعوه العجيلي «ذكريات وطنية»، وإن كان يستمدّ في معظمها معاني من ذلك «العالم الشاسع الأبعاد، المحدود العناصر» الذي تفتحت فيه عيناه على الحياة ـــــ بحسب تعبيره ـــــ ما جعل كتابة الشعر لديه (وهو يسميه نظماً) «همسات بين نفسه ونفسه». هكذا، جاءت أشعاره، كما أرادها، قصائد أنس ومنادمة تصلح للقراءة بين الأصدقاء والأصحاب الذين يستجيبون لها بحثاً عن المعنى الطريف والكلمات التي تترك أصداءها في أسماعهم أكثر من بحثهم عن «الفن الشعري»، وهو مراد «الشاعر» منها أصلاً. أمّا «المقامات» فينزلها منزلة إبداعية خاصة في نتاجه الأدبي، وإن جاءت منسوجة «على المنوال القديم بخيط جديد» على حد تعبيره.
وإذا وصف الكتاب وصفاً شاملاً، نجد أنّ «الطابع الضاحك» غلب على العناصر الأخرى. فهو كتاب من «الأدب الساخر» بامتياز، يقدّم وجهاً آخر من وجوه العجيلي الأدبية، بعدما عرفه القارئ قاصاً متميزاً بموضوعات قصّته وبفن قصّها، كما عرفه كاتب مقالة له طرازه الخاص في ما يكتب.
رامي الأصيل
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد