نوستالجيا سورية

18-05-2008

نوستالجيا سورية

«نوستالجيّا NOSTALGIA».. كلمة ذات منشأ يوناني، أقحمت نفسها كآلاف الكلمات الأخرى في اللغات اللاتينية، وهي تعني ببساطة «ظاهرة او نزعة» الحنين إلى الوطن، والتوق إلى ماضي الإنسان ومنزله وأهله والتشبث بكلّ ما يمت إلى هذه النزعة بصلة.. الإنسان «النوستالجي».. لا يقبل مناقشةً او محاكمة ايّ أمر بمعزل عن العواطف، التي يخبئها في داخله للوطن الصغير والمتوسط والكبير، فهو إذاً إنسان عاطفي أكثر مما هو واقعي، على الرغم من ان للنوستالجية، في عصرنا وفي كلّ العصور فوائدها، التي لا تُعدّ ولا تُحصى!. ولكن، لها أيضاً سلبياتها، خصوصاً إذا ما تمّ إقحام النوستالجية كظاهرة وكنزعة في كلّ شيء، حتى في الاقتصاد والإدارة!..
منذ بعض الوقت، دأب بعض المسؤولين عندنا من وزراء ومعاوني وزراء وسواهم على إطلاق تصريحات غاية في «النوستالجية» وغاية في «النارية» كالقول مثلاً: «إننا أفضل بلد في المنطقة، في (كذا) او أقل بلد في المنطقة -وفي العالم ربما- من حيث كذا«، او كالقول: «يمكن تصنيف سورية في المرتبة الرابعة (الخامسة، السادسة، العاشرة الخ..)، على سلّم الترتيب العالمي، (الاقليمي، العربي الخ..) في (كذا)، ولكن دون معطيات دقيقة ومعتمدة، ودون أية مرجعية، وكأنما الطريقة الوحيدة في استخلاص المؤشرات الاقتصادية عند هؤلاء هي «الرمية من غير رامٍ»!..
آخر ما حرّر في هذا السياق، ما طلع به أحدهم مؤخرا  حين قال: «إن أسعار المواد والسلع المتداولة في سورية هي أرخص الأسعار مقارنةً بالوطن العربي والعالم.. إن سورية هي صين الشرق الأوسط، وهذه الميزة علينا الحفاظ عليها!..».
لن نطيل أكثر في سرد ما قاله  فرسالته مقروءة من عنوانها.. وليسمح لنا بإبداء الملاحظات التالية على ما جاء في تصريحاته:
أولاً: هل يعتقد انه أكثر نوستالجيةً من غيره، وبالتالي سوف «نزعل» لو كانت أسعار المواد والسلع المتداولة في سورية أرخص حقيقةً من أسعار مثيلاتها في البلدان العربية والعالم؟!.
ثانياً: ما هي الحسبة، التي قام بها  للوصول إلى هذه النتيجة «المفرحة جداً» لكل ذي بصر وبصيرة، وبأي لوغاريتمات تمت؟!.
ثالثاً: هل أخذ المسؤول الاقتصادي في حسبانه مسألة «القوة الشرائية»، التي هزّت دول العالم.. لكنها وعلى ما يبدو، لم تحرّك حرفاً مما قاله في تصريحه!.
رابعاً: إن الحديث عن الأسعار المنخفضة يجرّ بالضرورة الحديث عن الحدّ الأدنى للأجور.. فهل يتكرم علينا  ويذكّرنا بموقعنا الاقليمي والعالمي على معدلات الحدّ الأدنى ومتوسط الرواتب والأجور.. علماً بأن هذا لا يقلّل أبداً من قيمة الخطوات الجادة لتحسينها، وبالتالي تحسين مستويات العيش للشرائح الأضعف في المجتمع منذ مطلع الألفية الثالثة حتى اليوم.
إننا نتفق في اعتقادنا بظاهرة ونزعة «نوستالجيا» الموجودة فينا، شئنا أم أبينا، لأننا نريد لبلدنا ان يكون من أفضل البلدان، لكن ما نختلف معه فيه هو شدّة الإفراط بالـ «نوستالجيا» إلى الدرجة، التي يلجأ فيها بعض المسؤولين -عن دراية أحياناً وعن عدم دراية في أحايين أخرى- إلى مخاطبتنا وكأننا أطفال بلا تجربة ولا إمكانية لنا على غربلة ما نسمع ونقرأ ونشاهد!.. خصوصاً إذا كان الأمر متعلقاً بالمعيشة ومتطلباتها!.

د. عيد أبو سكة

المصدر: البعث

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...