هل الجوائز الأدبية هي «علامة الجودة» للكتّاب ؟
على مر العصور شكلت الجوائز الأدبية موضع شكوك وانتقاد وتذمر , وكان يُشار بالبنان إلى تجاوزاتها وإدانة إلى تنازلاتها وسخرية من خياراتها . ويعتبرها الكثيرون مجرد آلة حرب في خدمة شهيات البعض القليل . أما الأدب فلم يستفد من مناوراتها .
وساهمت في التركيز حول بعض العناوين على حساب البعض الآخر . باختصار تسهم الجوائز الأدبية في جذب الانتباه ولكن ليس دوماً نحو الأفضل .
ومع ذلك تكاثرت تلك الجوائز وتولد بعضها من بعض , وفي أغلب الأحيان كانت ضد بعضها البعض , مثلاً في فرنسا جاءت جائزة فيمينا كرد على جائزة غونكور وجائزة ايديم رداً على رينودو، حتى أصبحت الجوائز في فرنسا أشبه بمؤسسة جمهورية , وواصلت مواسم الجوائز إغواء مواسم النشر . وكأن كل شيء بما فيه الشكوك غرضها تحريك آلة خلق الأحاسيس والانطباعات.
وفي بلد يتوق إلى التميّز , مثل فرنسا , يمكن لأي كاتب فرانكفوني أن يزعم أنه حصل على 2000جائزة. وأي كاتب يمكن أن يحلم بالجائزة حتى ولو كان متوسط نسبة إصداراته من الكتب قد تناقص منذ عشرة أعوام . ويبقى السؤال الأساسي المطروح هو : مهما كانت حسنات وسيئات هذه الجوائز , أليس هذا الكرنفال من الظل والنور الذي يحيط بتلك الجوائز يعتبر ورقة رابحة للحياة الأدبية في أي بلد ؟ إنها نوع من التراث المشترك يحمل الفائدة للجميع بمن فيهم غير المكرمين مباشرة .
ولا يثير الإعلان عن الجوائز الأدبية , مثل جائزة أوارد وبوليتزر الأميركيتين أو جائزة البوكر البريطانية هذا الهيجان والفوران كالذي يثيره الإعلان عن جائزة غونكور الفرنسية , نظراً لأنه مشهود لفرنسا أنها مترسخة بصفة ( أمة أدبية ) تقدس أدباؤها . وقد عزز الإعلان عن الجوائز في خريف هذا العام تلك الخاصية , التي ترتكز على أساس جذب الأنظار طقسياً نحو الكتب ومؤلفيهما وناشريها . وهؤلاء ينطلقون في اللعب على المواسم الأدبية , حيث يتناثر مد من الكتب في فرنسا خلال الفترة الممتدة من منتصف آب حتى منتصف تشرين الأول على واجهات وطاولات المكتبات بحيث يمكن أن نقول عنها إنها صناعة حقيقية للكتاب , وحيوية لمهنة النشر . والظاهرتان ترتبطان ببعضهما البعض , الجوائز تتوقف على المواسم وهذه بدورها تتوقف على الجوائز . وضمن سياق اقتصادي صعب , يمكن أن يغير تكريم كتاب ما من مصيره , وفي هذا الصدد تعترف صاحبة دار ميركور في فرنسا قائلة: « هذه الجوائز تضاعف من أرقام المبيعات بالنسبة للدور الصغيرة ». أما مدير دار Seuil فيقول: « تطرح هذه الجوائز في السباق كتباً أكثر قيمة أدبية مقارنة بكتب أفضل المبيعات , ولولا تلك الجوائز ما كانت ستصل هذه الكتب إلى هذه الأرقام من المبيعات » .
وتبدي لجان التحكيم للجوائز الأدبية في فرنسا -الآن - اهتماماً خاصاً ينصب في تشريع اختيارها , نظراً للتهم التي ألصقت بها فيما مضى , فيما يتسم تقاسم الأمكنة بالسرية . ولكن يعترف مدير دار ستوك: « لا شك بوجود ترتيبات ما , حيث يفضل بعض أعضاء اللجنة اختيار كتب لدور نشر كانت قد سبق ونشرت لهم »، وعلى الدوام يتقاسم قالب الحلوى عدد محصور من الضيوف , نفس المجموعة ضمن مضمار السباق ونفس الناشرين الذين يتم تكريمهم ».
إنما تتجاوز مهمة هذه الجوائز الإسقاطات المالية المباشرة , وهذا ما يتفق عليه الجميع . حيث تعطي مؤشرات هي دليل للناشرين الأجانب الباحثين في شراء الكتب (حينما يتعلق الأمر بكاتب غير معروف ولم تترجم أعماله) وكذلك للقراء التائهين بين هذا الكم الكبيرمن الكتب المطروحة . وبما أن أعضاء لجان التحكيم يعتبرون محترفين في القراءة , فإن أذواقهم في هذا الخصوص يعتبر مثل (علامة جودة ) .
ومهما كان فإن هذا النظام يُدخل عامل المتعة على الحياة الأدبية , مثل سيرك متنقل يمر مرة في العام على قرية هادئة . في الواقع , إن الجوائز تبعث وتُحرك الحياة الأدبية , ويصفها أحد الناشرين :« هي لحظة يصبح فيها الكتاب مركزياً , كما لو أن حبنا للكتابة أصبح على نحو مفاجىء يمكن اطلاع الآخرين عليه بطريقة مدهشة .» أي إن كل شيء يتم من أجل إعطاء نكهة للأشياء , حتى ولو كانت اللجنة التي تخوض منافسة حامية فيما بينها تميل شيئاً فشيئاً نحو تمييز الكتاب الذي سجل نسبة عالية من المبيعات لكي تكرس شهرته، الأمر يثير الشكوك خلال نشر قائمة الترشيحات في الأسبوع الذي يسبق الإعلان عن اسم الكتاب الفائز بالجائزة . ويرى باتريك بيسون عضو لجنة رينودو في هذا الإجراء تعذيباً للكاتب والناشر . بينما لا تقاسمه الناشرة سابين ويزبيسر هذا الرأي , التي ترى في تلك القائمة , ولا سيما قائمة جائزة غونكور موجهة للناشرين الأجانب ومثلهم للقراء والمكتبات .
عن لوموند
ترجمة دلال إبراهيم
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد