وظيفة 'الأشياء' في الرواية

10-06-2006

وظيفة 'الأشياء' في الرواية

الرسالة رقم 213 من "حوليات" الآداب والعلوم الاجتماعية لكليات الآداب والعلوم الاجتماعية بالكويت، بعنوان "الأشياء وتشكيلاتها في الرواية العربية".. وهو الموضوع الذي بحث فيه "د.مصطفى إبراهيم الضبع" الناقد والباحث في الجامعات المصرية.. تقع الحولية في 105 صفحة من الحجم المتوسط.

تهدف الدراسة إلى استكشاف "الأشياء" في النص الروائي العربي، ليس بوصفها موضوعا تتضمنه الرواية، وإنما بوصفها تقنية لها أثرها في سياق تشكيل النص على مستوى البناء الفني.

يعد لفظ "الشيء" أو "الأشياء" من الألفاظ النادرة في العربية التي يمكن أن تحل محل ألفاظا أخرى، ومن السهل التعبير بها عن عناصر يعرفها أو لا يعرفها المتلقي. وقد طرح الباحث سؤاله في البداية: إلى أي حد يكون للأشياء هذه الأهمية؟ وهل يمكن دخول النص عبر مفاتيحه الشيئية؟

في البداية، فان الإنسان على علاقة دائمة بالأشياء معبرة عن حالاته المختلفة، وتملأ جغرافية حياته، يشكل بها عالمه الخاص والعام..ومعبرة عن البيئة ، وبعد مماته يتركها أثرا لوجوده الذي كان.

لغويا لا تحتاج قوة دلالتها إلى توضيح، وقال لسان العرب: "والشيء معلوم". ويكتسب اللفظ عموميته من زاوية استعماله للتعبير عن المادي والمعنوي.. "ولا تبخسوا الناس أشياءهم" الشعراء 183. كما لا يكتسب اللفظ عموميته لسبب لغوى فقط، بل للاستعمال المعرفي العام أي في كل العلوم والمعارف.

تعلى النظريات النقدية الحديثة من دور المتلقي للنص الأدبي، وعملية التخيل هي الرابط بين الاثنين (الروائي والمتلقي)..كما أنها الرابط بين الكلمات والأشياء. وفى كل النصوص هناك علامات/أشياء متحررة مثل(صباح، مساء، جلس، وقف، الأسرة..الخ)، وأخرى علامات/أشياء مقيدة مثل تعبيرات (مدفأة مطلية بالفضة، العرش الثلجي..وغيرها) وهى غير متفق عليها ،لذا يقال أنها أشياء لها فعل النص.

يبقى السؤال عن الأشياء في النص الأدبي.. أين يلتقي بها القارئ في النص؟

وقد حددها الباحث في عدد من العناصر.. "عتبات النص" وهى العنوان والإهداء، وهما من معطيات الروائي، ثم لوحة الغلاف. وفى العنوان يحل الشيء بإحدى الصيغتين:الأولى حالة الإفراد حيث يبرز الشيء مفردا صيغة ومعنى مثل روايات(المرايا- الطريق-المسلة- الأسوار..الخ) وغالبا ما يكون الشيء مفردا إلا القليل في صيغة الجمع. أما الحالة الثانية فهي حالة التركيب حيث يبرز الشيء في حالة مركبة، حيث يضاف صيغ الزمان (شبابيك منتصف الليل) أو المكان (زقاق المدق) أو الصيغة الفاعلة وفيها يكون الشيء مضافا إلى إحدى الشخصيات الروائية (قنديل أم هاشم) أو الصيغة الشيئية وفيها ينضاف الشيء لشيء آخر (خرائط للموج) أو صيغة وصفية وفيها يسبق الشيء صيغة تعد وصفا له (الخبز إلحافي) ثم هناك صيغة متعددة الأشياء بالعطف المتعدد، وفيها تتعدد الأشياء (التاج والخنجر والجسد).

أما الإهداء أو التصدير، بهما يتحول الكتاب من نص إلى معنى مهدى، وهو يعد الكلمة الأخيرة للروائي قبل أن يحل السرد محل الروائي. وقد يبرز الكاتب أسباب دافعيه الكتابة أو يطرح التصدير لأشياء لا نعرفها ، كما في "ظل الشمس/طالب الرفاعى" يقول:


إنها الأشياء التي


لا نتوقعها


لا نتخيلها


لا نعرفها"

أو لأشياء نعرفها مثل ما قاله "عبد الرحمن الأبنودى":


شبابيكنا من غير هوا


شبابيكنا من غير ضو


البحر مرصوف بلاط


والأودة وسع النو"

وجاء دور العتبة الثانية "لوحة الغلاف" التي غالبا ما تكون دالة للرواية، وهى على نسقين. الأول هو الثابت مثل رواية "تفاح المجانين" حيث الغلاف رسم لتفاحة.. والنسق الثاني هو المتغير، كما في رواية "الدراويش يعودون إلى المنفى" في طبعتها الأولى الغلاف بلا شئ، وإنما مجموعة ألوان مع شخصين غير محددين الملامح.. بينما في الطباعة الثانية للرواية كان الغلاف لوحة تضم مجموعة من الأشياء من شواهد قبور وأحجار وأشجار وأرض يخرج منها ثلاث أيد حيث الحرية والضياع معا.

من الذي يرى؟

انه السؤال الذي طرحه الباحث وأجاب عنه بقوله: الروائي يبدأ من الواقع ولا ينتهي إليه، فيكون تعدد الأشياء، حيث الأشخاص والصخور والبحر وغيرها، تتماها مع ما نعرف وليست هي في العمل الروائي. من هنا كانت التعددية بحسب عوامل: الموقع، الزمن، الاجتماعي، التلقي.. فالقريب في الرؤية غالبا تمثله صيغة ضمير المتكلم، والبعيد صيغة ضمير الغائب، والمساوية في استخدام صيغة ضمير المخاطب.

وهناك العامل الثالث المؤثر في الأشياء في الرواية..وهو العامل الاجتماعي. فالوضع الإنساني للفرد في مجتمعه، تجعل التعامل من خلال: المتاح والمستحيل.وتقدر سعادته أو تعاسته بدرجة قربه أو ابتعاده عن الأشياء أو امتلاكه لها. كما أن ما يحرك رجل المدينة من الأشياء غير رجل القرية. كما أن السجين لا يرى الأشياء برؤية غير السجين، ومن بأعلى السلم الاجتماعي يرى الأشياء بغير من هم في أول السلم...

"المستويات الوظيفية للأشياء" هو عنوان المبحث الثالث.. وقد حددها الباحث بالمستوى الحقيقي، وهو المستوى الذي يبدأ من الواقع حيث تشير الأشياء إلى أو على..وقد لا ينتبه الإنسان إلى الشيء الساكن أمامه إلا في حالة تواجده في مكان ما وموظف وظيفة أخرى. أو في حالة فقدان الشيء. أو في حالة المباغتة بشيء لم يره من قبل.

أما المستوى الثاني للوظيفة فهو المستوى المجازى، وهو في الرواية على مظهرين: الأول مجرد الحلول في النص، أو الحلول المتحرك حيث للشيء وجود فاعل، كما القول "الذين دهسهم القطار على مدى سنوات" أو "توقف القطار في محطة أولاد الياس"..

ثم المستوى السحري، وهو تجاوز الأشياء لوظيفتها الحقيقية، كما في رواية "هاتف المغيب" تتحرك أشياء الصحراء بوصفها كائنات أسطورية.

ولا يفوت الكاتب البحث في تلك الأشياء التي تتبدى في بعض الأعمال الروائية كدلالة في ذاتها، وموظفة لدلالة أعلى منها، وتصبح هي "الحكاية".. كما الحقيبة في رواية سيد الوكيل "فوق الحياة قليلا"، والحزام في رواية "الحزام" لأحمد أبو همان. وهو ما جعل البحث إضافة نقدية تهم القارئ العادي والمتخصص في فن السرد الروائي.

 

 

المصدر: ميدل إيست أونلاين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...