الملعونون بالسياسة

سائح تائه في البادية صادف سيارة بيك آب تحمل مجموعة مسلحين يطلقون النار ويصيحون: الله.. حرية.. فاستبشر بالنجاة.. توقفت السيارة بمحاذاته وطلب زعيم المجموعة منه أن يرفع يديه قبل أن يسأله: أنت معنا ولاّ مع هدوك (أولئك بالفصحى)؟ تطلع السائح من حوله ولما لم يشاهد أي أثر لـ"هدوك" قال: أنا معكم.. فضحك الزعيم وقال: إي بس نحنا هدوك.. ثم.. طاخ .. أطلق عليه من مسدسه فأرداه قتيلاً، ثم شفّطوا بالبيك آب مبتعدين وهم يهللون ويصرخون: الله.. حرية.. الشعب يريد لبن العصفور.. بعد هنيهة وصل عزرائيل إلى جثة السائح ليقبض روحه.. فسأله: مين هدول اللي قوصوك؟ أجابه السائح وهو ينفض روحه من جسده: شوية سوريين مفكرين حالهم ليبيين...
وللواقع فإن المعتدلين التائهون في بادية الخلاف السوري، واقعون بين دخان "هدول" ونيران هدوك": هؤلاء وأولئك بالفصحى - أي بين أشرار المعارضة وأشرار السلطة  - فلا نفوسهم ابتلت بنصف الحقيقة التي تقولها الوكالات الرسمية، ولا هي هدأت بأكاذيب الفضائيات التهويشية التي تزداد سعاراً كلما هدأت الأوضاع قليلاً في الأراضي السورية، فتفعل كضابط الإيقاع (ضارب الدربكة) الذي يزيد من حماس الرقاصة كلما فَتَر خصرها واسترخت عجيزتها... رغم ذلك فإن الضامن الأساسي لاستمرار الحياة وتواصل العمل هم الأكثرية السورية المعتدلة الموافقة على الإصلاح بدلاً من الفوضى ولسان حالها يقول: فهمنا اللعبة يوم أُكِل الثور الليبي الأسود..

صراع تحت الشمس: تحول غالبية السوريين إلى عائلة من الذئاب، ينام أحدها في مواجهة الآخر ليسمع أنفاسه ويتأكد من أنه لن يغدر به حين يسهو عنه.. فقد فرقتنا السياسة أكثر مما فعلت الأديان، واختفت تصنيفات الخير والشر، وصار المؤيد والمعارض يقيمون الآخر بحسب نقاط الاتفاق السياسي معه، وليس بحسب أخلاقه وأعماله وإيمانه: (الذي يشبهني وطني ومن يخالفني خائن) وهكذا تحول الفريقان المتصارعان إلى خونة ومتآمرين في نظر بعضهما القاصر عن رؤية غير ما تبثه وكالات الإعلام التي غطت أكاذيبها سماء الرب وحجبت رحمته عن عباده الملعونون بالسياسة..

وقال عليه السلام: عند تناهي الشدة يكون الفرج، وعند تضايق حلق البلاء يكون الرخاء.

نبيل صالح