تصويبات قسرية: عن العروبة والبعث وسجن النحو العربي
أسوأ النصوص تلك التي يكتبها النحويون، وأردأ قصيدة هي "ألفية ابن مالك" في النحو، كما أن تشدد "البعث الأموي" في تطويع الناس لعصا النحو العربي عطل حرية التعبير عندهم.. استمعوا إلى تصريحات الإخوانجيين وأعداءهم من المسؤولين البعثيين تلاحظون أن لغتهم السليمة نحوياً سليمة من الأفكار الخلاقة عملياً.. وقد وقع الشعب بين فكي القائمين على سلطة اللغة، مطرقة البعث وسندان الإسلام القرشي ليغرقوا في رمال اللغة المقعرة من: "الطامة الكبرى" إلى "العقبة الكأداء" وباقي العبارات التي كانت تكثر في خطب القمع الآيديولوجي على القطعان العربية المحملة بمحفوظات السلف الصالح الذي يرفض الدفن طالما نسمح له بمشاركتنا حياتنا..
خلال عملي في الإعلام وانخراطي بقضايا المظاليم من المواطنين كنت أقلص زحمة الناس عني بالطلب من أصحاب الشكاوى العادية أن يكتبوا لي شكواهم فينصرفون بلا عودة.. ذلك أن أكره ما كان يواجهه السوري هو خوفه من الأخطاء النحوية والإملائية وعدم القدرة على التعبير بالفصحوية.. فعلى الرغم من اعتبار مادة النحو أساسا حتميا لنجاح الطالب من الأول الابتدائي حتى نيل شهادة الدكتوراه، فإن جميع السوريين يخطئون بالنحو الذي مازالت مسائله عالقة بين النحويين أنفسهم حيث بعضهم يخالف بعضهم الآخر..
إذاً فالنحو كان أحد مقومات الاستبداد السوري الذي عرقل حرية التعبير جزئياً: تصوروا عدد الناس الذين رسبوا سنويا في مادة النحو من تعداد السكان العام، كم عدد الذين ذهب من حياتهم سنة دراسية من أجل العربية؟ لا شك أننا أمام هدر زمني يقدر بأكثر من ربع مليون سنة في السنة وحوالي 10 ملايين سنة منذ الاستقلال إذا اعتبرنا أن إعادة السنة الدراسية تعني ضياع سنة من عمر الفرد طالما أن مادة العربي مادة مرسبة..
وهكذا ولد الانترنت وصار بإمكان المواطنين التعبير عما يريدونه على (الشابكة) بأسماء مستعارة، واكتشفنا أننا نحظى بشعب غني بأفكاره وحريص على عروبته الشامية الشمالية المتحضرة بعكس عرب البداوة الجنوبية .. ومن يتابع تعليقات الإنترنيت سوف يدهش لذكاء مواطنينا وقدرتهم على التعبير بعد (التحرر) من سيف النحو والاستبداد العربي،حيث فرض على السوريين أن يستخدموا لهجة القرشيين القاسية بدلاً من لهجاتهم اللينة والذكية والمعبرة !؟
فبالعودة إلى معاجم العربية سوف نرى أغلب اللهجات السورية، التي أطلق عليها الإسلاميون ومن ثم البعثيين صفة (العامية) احتقاراً لها، أن لديها جذور صحيحة في المعاجم.. وكل مافي الأمر أن لغة قريش منذ "الفتح الإسلامي لبلاد الشام" ما زالت تُستخدم للتعالي على من هم ليسو من قريش طوال 14 قرناً من الاستبداد النحوي وتعقيداته .. مع أن الإمام علي كرم الله وجهه عندما طلب من أبي الأسود الدؤلي وضع علم النحو وتنقيط المصحف بسّط الأمر بالقول: الكلام كله ثلاثة أشياء: اسم وفعل وحرف جاء لمعنى، فالاسم ما أنبأ عن المسمى، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمى، والحرف ما أوجد معنى في غيره..
ومما أذكر أني بدأت حياتي الصحفية في قسم التدقيق اللغوي بجريدة "تشرين" وكان رئيسه حسن قطريب، عالم اللغة و "غوغل" الإعلام السوري قبل اختراع غوغل بعقد من الزمان، فكنا جزءاً من الاستبداد الحزبي دون أن ندرك حيث كان أركان الدولة مطالبين بقراءة زاويته النحوية اليومية "لغتنا الجميلة" خلال متابعة تعريبهم لكل شيء بدءاً بأسماء السوريين مرورا بأسماء المطاعم والدكاكين وحتى الماركات الأجنبية وصولا إلى "الشابكة" اسماً للإنترنيت.. وقد تجاوزنا المعقول حتى صرنا نضع خطوطاً حمراء تحت أخطاء مقالات المحررين ونتدخل في صياغتها قبل نشرها بل وصرنا نضع لهم علامات مع حسم من الراتب على الأخطاء النحوية بموافقة رئيس التحرير، حتى باتوا يرتعبون من مجرد المرور أمامنا ..
لقد احتجنا دائماً في دروس مادة العربي إلى شرح لكلمات النصوص الأدبية، أي استخدام اللغة المعاصرة لفهم لغة النصوص القديمة، وبات أبناءنا اليوم يحتاجون إلى شرحٍ للشرح نظراً لتطور العلم والفكر وحاجتهما إلى لغة مواكبة.. وقد نتفهم موضوع الاختصاص في اللغة بالنسبة للكتاب المحترفين، ولكن ما ذنب عموم الناس الذين لا يحتاجون البلاغة والنحو في حياتهم وأعمالهم اليومية؟!
وما تقدم كان للتأكيد على حق الناس بالخطأ اللغوي كجزء من حرية التعبير، وإذا لم يكن من بد بالتهاون في قوانين النحو مقابل حرية التعبير وبراعة التفكير فإن الأمر محسوم لصالح التطور .. ولولا ذلك لما حصلت على نخبة من المعلقين على نصوصي، حيث أبقيت على أخطائهم النحوية وصححت المطبعية منها لأنها تعبر عنهم كما هم وليس كما يجب أن يكونوا.. ويبدو أن الاحتجاب خلف الأسماء الرمزية قد ساعدهم على الكتابة بحرية لدرجة القول أن المواقع الالكترونية السورية شكلت تمريناً أول على الديمقراطية لدى عامة المواطنين، فأغنت رؤية السياسي والباحث والناقد في قراءته لبنية الخطاب الشعبي السوري.. ولكننا، نزولاً عند رغبة "الرقيب العتيد" المثبت اسمه في نشيدنا الوطني، أضفنا ثبتاً بالأخطاء اللغوية في صفحات منفصلة في كتابنا هذا "المختصر المفيد في حرب الشعب السوري العنيد" للتدليل بأننا نتقن النحو أيضاً إلى جانب قدرتنا على التفكير خارج أنساق قريش السلفية وعنجهية البلاغة البدوية:
لمناسبة إفراج الرقابة عن كتابنا بشرط تصويب الأخطاء النحوية في تعليقات القراء وحذف الكلمات (الخادجة للحياء) من نصوصنا..والله الموفق.
نبيل صالح
الكتاب: المختصر المفيد في حرب الشعب السوري العنيد ـ تدوين نبيل صالح وقراءه ـ 640 صفحة قطع كبير ـ دمشق 2014 ـ متوفر لدى دار الفنون ـ قنوات ـ خلف القصر العدلي: التوزيع في دمشق0946438670 وفي الساحل 0932594243 ـ 1000 ليرة سورية للأفراد 1500 للمؤسسات ـ ريع الكتاب لصالح مؤسسة "دعم " جرحى الحرب .
التعليقات
طالما تحررنا من لغة قريش
أروع خبرية..تحية من القلب
سؤال
أتساءل أستاذ نبيل هل يجب أن
نبيل صالح وقرائه
تحية محبة
أنا لا استبعد أبداً أن يكون
معك حق
المختصر المفيد في حرب الشّعب السّوري العنيد ..نقد وتقريظ.
تدوين الثاني قبل الأول
الأستاذ نبيل،حسب القتيل
الخطف خلفاً ..
لفصاحة عنوان
الأستاذ أمجد طعمه ،
العلم
صباح الخير أستاذ نبيل
ما يستحق ..بعد طول غياب
بعد متابعة طويلة بصمت اعود
مجرد رأي آخر
صباح الخير أستاذ نبيل :أشكرك
سؤال للأستاذ الراوندي
مبارك لسوريا وجودكم يا سادة
إضافة تعليق جديد