«عشاق الغولاغ» رسائل أبقت الستاليني حياً

22-09-2012

«عشاق الغولاغ» رسائل أبقت الستاليني حياً

بالتأكيد لا يشكل الأدب بديلاً من كتاب التاريخ، لكن الأدب يروي لنا في غالب الأحيان، تفاصيل وشهادات مهمة عن هذا التاريخ، لا تستطيع الكتب المختصة أن ترويها، إذ ثمة مساحة كبيرة فيها للإنسان ولتفاصيله الصغيرة التي تشكل جزءاً من هذا المشهد الكبير.
من هذه الكتب التي تحظى مؤخراً «بشهرة ما» كتاب «عشاق الغولاغ، قصة حب وحياة في مخيمات ستالين» للباحث البريطاني أورلاندو فيجيس، وهو مختص بالتاريخ الروسي، وقد صدر مؤخراً في ترجمة فرنسية عن منشورات «برس دو لا سيتيه».
كتاب مراسلات يروي عن ليف ميشتيشنكو، عالم الفيزياء، الذي مثله مثل الملايين من السوفيات الآخرين الذين تمّ إرسالهم إلى مخيمات «العمل وإعادة التأهيل» في سيبيريا بعد الحرب العالمية الثانية. إلا أنه وجد القوة في البقاء على قيد الحياة بسبب حبّ امرأة، راسلها لمدة ثماني سنوات، خلال الاعتقال، قبل أن يلتقي بها بعد أن أُطلق سراحه. بعض هذه الرسائل وهي تبلغ في مجموعها 1500 رسالة تنشر للمرة الأولى في «كتاب وثيقة» أشرف عليه البريطاني فيجيس (المعروف عنه أن جميع الوثائق التي ينشرها جيدة وذات قيمة، على الرغم من أنه في أحيان كثيرة يهاجم أعمال زملائه علناً).
تتبدى قيمة وأهمية هذه الرسائل المنشورة اليوم، بكونها تحمل العديد من الدلالات، أهمها أنها لم تتعرض للرقابة يومها، وقد استطاع «الحبيبان» أن يهرباها بطريقة لم تلفت الانتباه، لذلك تحمل في طياتها الكثير من الأهمية: أولاً على الصعيد التاريخي تشكل الرسائل شهادة حقيقية على طريقة الحكم الستالينية. إذ كان ليف ينتمي إلى أسرة شيوعية ووالده أحد المناضلين البارزين. لكنه أي ليف ذهب إلى الغولاغ بعد أن تمّ أسره العام 1941 من قبل الجيش الألماني لأنه جندي بالجيش الأحمر. وقد طلب منه، يومها، الجنرال السوفياتي فاسلوف، الانضمام إليه بعد أن اقترح على الفيرماخت إسقاط نظام ستالين. إلا أن ليف لم يقبل بذلك أبداً بسبب وطنيته على الرغم من معارضته لسياسة ستالين. بيد أن مشكلته الأساسية كانت تكمن في أنه كان يتكلم الألمانية وهذا دليل «مؤكد» على الخيانة ما سمح للحكومة السسوفياتية بالحكم عليه واعتباره جاسوساً وإرساله إلى مخيم بيتشورا، حيث عرف الجوع والبرد والعمل الشاق.
خلال سنوات اعتقاله، بقي ليف من دون أخبار عن سفيتلانا، وهي عالمة فيزياء شابة كان التقى بها قبل الحرب. وفي هذا المعتقل تبدأ قصة أخرى، حميمية، تجعل من هذا الكتاب وثيقة متفردة. إذ بينما كان معتقلو الغولاغ، في غالبيتهم، يفقدون كل الأخبار عن أقربائهم الذين اعتبروهم في عداد الموتى، يتلقى ليف ذات يوم جواباً عن رسالة من سفيتلانا، وهي رسالة شكلت بداية حقبة طويلة من المراسلات بينهما.
مراسلات مهمة على أكثر من صعيد، إذ لم يسقط أيّ واحد من الشخصين في الباتوس الرومانسي، كما يحدث دائماً في مثل هذه الحالات، بل يرويان لبعضهما البعض تفاصيل حياتهما اليومية، مثلما يرويان الصعوبات الجمة التي لا تحصى والتي يتعرضان لها، كما يرويان أملهما في أن يلتقيا ذات يوم. كانت سفيتلانا صديقة ليف الوحيدة الباقية له في هذا العالم المتصدع، من هنا شكلت له الدعم الوحيد في الحياة. وربما هنا كان السر في هذه الحرب التي تخطت كل أنواع التقلبات التي عرفها العالم.
تجري الأيام ويطلق سراح ليف العام 1954، ليلتقيا ويتزوجا وينجبا أطفالاً، احدهما يدعى نيكيتا يدلي أيضا بشهادته في هذا الكتاب عبر نص يتحدث فيه عن هذه الرغبة التي لا تقاوم في العيش، الرغبة التي «عانى» منها والداه.

(عن لوفيغارو)

إسكندر حبش- السفير


 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...