أزمة السياسة الخارجية الأمريكية ومصاعبها في الشرق الأوسط: دمشق والمنامة نموذجاً
الجمل: تحدث العديد من خبراء الشؤون الدولية والمحللين السياسيين المعنيين بالشؤون الأمريكية واصفين السياسة الخارجية الأمريكية الحالية، بأنها أصبحت أمام واحدة من أكثر المصاعب خطورة، الأمر الذي أدى بالضرورة إلى جعل الدبلوماسية الأمريكية تقف على مفترق الطرق، وتحديداً في منطقة الشرق الأوسط: فما هي حقيقة أزمة السياسة الخارجية الأمريكية الراهنة وما هي طبيعة مصاعب الأداء السلوكي الدبلوماسي الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط وعلى وجه الخصوص إزاء الأحداث والوقائع الجارية؟
* السياسة الخارجية الأمريكية: توجهات الأداء السلوكي المتعاكسة
رصد الخبراء والمحللون السياسيون أداء السياسة الخارجية الأمريكية الجاري حالياً في منطقة الشرق الأوسط، وفي هذا الخصوص برزت أمامهم الأوضاع الآتية:
• مقاربة ملف الاحتجاجات السياسية السورية: سعت واشنطن إلى اعتماد أكثر المواقف السلبية المتشددة ضد دمشق، وإضافة لذلك سعت لجهة القيام بالمزيد من عمليات التعبئة السلبية الفاعلة، وذلك ضمن خمسة محاور أساسية هي:
ـ السعي لفرض العقوبات من طرف واحد على دمشق، وتمثل ذلك في قرارات الإدارة الأمريكية وقرارات الكونغرس الأمريكي الأخيرة.
ـ السعي لتوظيف واستخدام مجلس الأمن الدولي، بما يمكن أن يؤدي إلى تدويل عملية استهداف دمشق وتطوير المواجهة من مجرد مواجهة بين المعارضة الاحتجاجية الداخلية ودمشق إلى مواجهة بين دمشق والمجتمع الدولي.
ـ السعي لتوظيف واستخدام قدرات حلفاء أمريكا الأوروبيين والشرق أوسطيين بما يؤدي إلى تعبئة بيئة إقليمية دولية معادية لدمشق.
ـ السعي لتقديم الدعم العلني والسري لأطراف ورموز المعارضة السورية بشقيها الداخلي والخارجي.
واللافت للنظر أن واشنطن قد سعت إلى تحريك جميع هذه المحاور ضمن استراتيجية مسارات العمل المتزامنة، إضافة إلى أن عملية التصعيد والتعبئة السلبية الفاعلة، ضمن جميع هذه المحاور قد تمت ضمن فترة وجيزة.
• مقاربة ملف الاحتجاجات السياسية البحرينية: سعت واشنطن إلى اعتماد أكثر المواقف الإيجابية تساهلاً إزاء المنامة، وإضافة لذلك، فقد سعت لجهة القيام بالمزيد من عمليات التعبئة الإيجابية الفاعلة، وذلك ضمن خمسة محاور أساسية، هي:
ـ السعي لعدم فرض أي عقوبات من طرف واحد على المنامة، وذلك من خلال تفادي الإدارة الأمريكية إصدار أي قرار يتعلق بالبحرين، وأيضاً تفادى الكونغرس الأمريكي إصدار أي قرار خاص بالبحرين.
ـ السعي لمنع توظيف واستخدام مجلس الأمن الدولي، بما يمكن أن يؤدي لتدويل ملف الأزمة البحرينية، وذلك من أجل احتجاز الأزمة بحيث تكون مجرد أزمة داخلية بين المعارضة الاحتجاجية الداخلية والسلطان البحرينية.
ـ السعي لمنع حلفاء أمريكا الأوروبيين والشرق أوسطيين من القيام بأي عمليات تعبئة يمكن أن تؤدي إلى تشكيل بيئة إقليمية معادية للنظام البحريني.
ـ السعي لتقديم الدعم العلني والسري للنظام البحريني ورموزه إضافة إلى توفير غطاء الحماية للأطراف الدولية والإقليمية التي تقوم بمساعدته.
واللافت للنظر، يتمثل في أن واشنطن قد سعت لتحريك جميع هذه المحاور ضمن استراتيجية مسارات العمل المتزامنة، إضافة إلى القيام بعملية مزدوجة تضمنت السعي من جهة لدعم النظام البحريني ضد المحتجين وفي نفس الوقت من الجهة الأخرى منع الأطراف الأخرى من القيام بدعم المحتجين.
* الدبلوماسية الوقائية الأمريكية في مواجهة السؤال الحرج؟
عند بدء الفعاليات الاحتجاجية في البحرين، بدأ موقف الدبلوماسية الوقائية الأمريكية لجهة التعامل مع ملف الأزمة الاحتجاجية باعتباره أمر يمكن احتواؤه ضمن فترة وجيزة وبالقليل من الجهد، ولكن، وبفعل استمرار الحدث الاحتجاجي البحريني وتراكم ضغوط تداعياته، فقد تحول الأمر وفقاً للتسريبات الأمريكية إلى كابوس حقيقي في أروقة دوائر عملية صنع واتخاذ القرار الدبلوماسي الأمريكي، وإضافة لذلك، تقول التسريبات والمعلومات، بأن موقف واشنطن إزاء دمشق، مقارنة بموقف واشنطن إزاء المنامة، قد أسفرا عن التساؤلات الحرجة الآتية:
• إذا كان خيار السياسة الخارجية الأمريكية هو الوقوف إلى جانب الشعوب، فإن واشنطن لم تلتزم بالوقوف إلى جانب الأغلبية العظمى البحرينية، وبدلاً عن ذلك سعت واشنطن لجهة الوقوف إلى جانب النظام البحريني الحليف لها.
• إذا كان خيار السياسة الخارجية الأمريكية هو الوقوف إلى جانب الأنظمة الحليفة لأمريكا، فلماذا لم تقف واشنطن إلى جانب نظام الرئيس المصري حسني مبارك ونظام الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، اللذان يمثلان أبرز حلفاء واشنطن وإسرائيل في المنطقة.
أما في سوريا، فإن المتغيرات والعناصر الأساسية تتمثل في الآتي:
• النظام في دمشق ليس حليفاً لأمريكا.
• الاحتجاجات السياسية صغيرة الحجم ومحدودة ومتقطعة، وبالتالي فهي لا تتمتع بالسند والدعم الشعبي الكبير الذي شاهده العالم في الاحتجاجات المصرية والتونسية.
وبرغم هذه المتغيرات والعناصر الأساسية الواضحة، فإن واشنطن قد سارعت لجهة مباشرة عمليات التعبئة السلبية الفاعلة ضد دمشق، الأمر الذي لم يضر بمصداقية واشنطن وحسب، وإنما أيضاً بمصداقية المعارضة السورية، لأن هذه العمليات أعطتها حجماً ووزناً أكبر من حجمها ووزنها الحقيقي، الأمر الذي دفع الكثيرين بما في ذلك بعض أنصار هذه الاحتجاجات إلى التشكيك في جدوى الاحتجاجات. إن لم يكن إلى التخلي عن مساندتها.
تقول المعلومات والتسريبات بأن حركة الاحتجاجات السياسية الشرق أوسطية الجارية قد بدأت تلقي بتداعياتها على عملية صنع قرار السياسة الخارجية الأمريكية، وأيضاً على مذهبية سياسة الأمن القومي الأمريكي، وفي هذا الخصوص ينهمك بعض خبراء استراتيجية السياسة الخارجية والأمن القومي الأمريكي في جهود تهدف إلى وضع ثوابت جديدة تقدم الإسناد والدعم لتوجهات السياسة الخارجية الأمريكية، وذلك وفقاً للبنود الآتية:
• عدم ربط أمن المصالح الأمريكية بأمن الأنظمة السياسية الحليفة لأمريكا، وبدلاً عن ذلك، يتوجب البحث عن صيغة تربط بين أمن هذه المصالح وأمن شعوب المنطقة.
• تقليل تقديم المعونات العسكرية التي تدعم الأنظمة السياسية الحليفة لأمريكا، وبدلاً عن ذلك يتوجب التركيز على الدعم الذي يعزز قدرات المجتمع المدني في بلدان الشرق الأوسط.
هذا، ويقول بعض الخبراء بأنه إذا تحقق النجاح في تدقيق هذه المبادئ وضبطها بالمستوى المطلوب، فإن السياسة الخارجية الأمريكية سوف تنجح خلال المراحل المقبلة في تفادي الخسائر المباشرة وغير المباشرة التي عانت منها حالياً بسبب انهيار نظام الرئيس المصري حسني مبارك، وانهيار نظام الرئيس اليمني علي عبد الله صالح الذي بات وشيكاً.
لجهة إنقاذ ما يمكن إنقاذه من مكانة أمريكا في الشرق الأوسط، فقد سعى الخبير الأمريكي أدام هيندس، إلى تحديد ستة خطوات اعتبرها ضرورية لجهة تحقيق الانفراج في العلاقات الأمريكية الشرق أوسطية المتدهورة، والخطوات هي:
• تنظيف صفحة أمريكا من الأخطاء السابقة التي ارتكبتها واشنطن لجهة القيام بدعم نظام حسني مبارك المصري، ونظام زين العابدين بن علي التونسي وغيرهم.
• التعامل باحترام مع الأنظمة الجديدة التي تشكلت في مصر وتونس.
• التخلي عن عمليات الدعم العسكري للحكومات العربية، واستبدال ذلك بعمليات الدعم المدني والإنساني.
• إعادة تعريف وتحديد من هم الذين معنا، ومن هم الذين ضدنا.
• توظيف الانسحاب العسكري الأمريكي من العراق لجهة جعل شعوب الشرق الأوسط تدرك بأن أمريكا تركز على تقليل وجودها العسكري وزيادة دعمها المدني باعتماد دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان كمذهبية لحماية أمن المصالح الأمريكية.
وعلى خلفية هذه النقاط، برز إجماع بين أوساط الخبراء الأمريكيين مفاده أن نفوذ واشنطن في الشرق الأوسط، يجب أن يتم خلال المرحلة القادمة عبر استخدام المزيد من الآليات والوسائط والمفاهيم الجديدة، بما يتضمن أن تسعى واشنطن إلى بناء التحالفات والروابط مع منظمات المجتمع المدني بدلاً عن الحكومات، واعتماد الدبلوماسية العامة بدلاً عن الدبلوماسية الرسمية، والسعي لإعتملد القوة الناعمة (قوة العلاقات العامة) بدلاً عن القوة الخشنة (القوة العسكرية).
الجمل ـ قسم الدراسات والترجمة
التعليقات
معارضون متآمرون
وجهة نظر
إضافة تعليق جديد