أوباما يقطع الأموال عن "ثوّاره" في سورية
الجمل ـ ترجمة وإعداد: محمد صالح الفتيح : خلال الأشهر الماضية، تعرضت العديد من الجماعات المتمردة السورية، والتي كانت مفضلة لدى وكالة المخابرات المركزية الأميركية، إلى توقف في واردات المال والمعدات، أو إلى تخفيض كبير فيها، وذلك حتى عندما كان الرئيس أوباما يتحدث في خطاب حالة الاتحاد عن الأهمية الاستراتيجية للدعم الأميركي للثوار.
يعمل الثوار، الذين كانوا أصحاب حظوة ذات مرة، في حالة من الاضطراب. في بعض الحالات، لم يتم حتى إخبارهم أن الأموال ستتوقف عن التدفق. وفي حالات أخرى، تم تخفيض المساعدة بسبب الأداء القتالي السيء، مما ضاعف من الحالة المعنوية البائسة للمقاتلين على الأرض.
من بعيد تبدو المعارضة، الموافق عليها أميركياً والتي تتلقى جزءاً من تسليحها من الولايات المتحدة، منظمةً واحدةً كبيرة الحجم، ولكن بلا شكل واضح. ولكنها في الحقيقة هي مجموعة من الألوية المتفاوتة الأحجام والمتبدلة الولاءات والتي كبرت في الحجم حول قياداتها المحلية، أو إذا أحببت هذا التعبير، حول أمراء الحرب المحليين. وبينما تتحدث واشنطن حول المعارضة السورية بشكل عام، فإن السؤال المهم بالنسبة للمقاتلين على الأرض وأولئك الذين يدعمونهم هو "معارضون لمن"؟ للرئيس بشار الأسد؟ معارضون لما يسمى بالدولة الإسلامية، المعروفة على نطاق واسع باسم «داعش»؟ أم معارضون لجبهة النصرة المرتبطة بالقاعدة؟
إن غياب الوضوح يشل المسعى بأكمله، ليس فقط بسبب الشكوك العميقة بين جماعات الثوار من أن واشنطن جاهزة لعقد صفقة من نوع ما مع الأسد على المدى القريب أو المتوسط – إن لم تكن قد فعلت ذلك حقاً. فبالنسبة لواشنطن، هناك قلق من أن تكون القوات التي تدعمها عاجزة، أو فاسدة، أو أن تنشق وتنضم إلى «داعش» أو جبهة النصرة ، أو كل ما سبق.
فقد وصل المشرعون الجمهوريون في الولايات المتحدة الغاضبون إلى نقطة الغليان بخصوص استراتيجية إدارة أوباما لمواجهة «داعش»، سواء أكان ذلك بسبب الفشل في فرض منطقة الحظر الجوي فوق سورية، أو انعدام الثقة في مسألة المساعدات، أو خطة البنتاغون الموعودة لتدريب وتجهيز المتمردين السوريين.
يقول السيناتور ليندسي غراهام من جنوب كارولاينا: "تجعل هذه الاستراتيجية «هجوم بيكيت» يبدو كمخطط تم التفكير فيه بإمعان" وذلك في إشارة إلى الهجوم السيء التحضير والعقيم الذي شنته قوات الجنوب على جيتيسبرغ. ويضيف السيناتور "نحن على وشك أن نجهز هؤلاء الأشخاص للموت المحتم".
يقول مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية، ومصادر في المعارضة السورية، أن جبهة النصرة دحرت في تشرين الأول الماضي الميليشيات المدعومة من الولايات المتحدة في محافظة إدلب في شمال غرب سورية. وكنتيجة مباشرة لذلك، تم قطع الامدادات عن أربعة من أصل ستة عشر لواءً مدعوماً أميركياً وتعمل في تلك المنطقة إضافة إلى اسقاط تلك الألوية من قائمة الميليشيات "الموافق" عليها. ومنذ كانون الأول تعرضت الألوية الاثنا عشر الباقية إلى تخفيضات أو قطع للمساعدات الأميركية التي تم التعهد بها.
ويقولون إن المساعدات التي تمر عبر قادة الثوار السوريين لم تكن كافية. وبحسب صحيفة وول ستريت جورنال، فإن أحد القادة أصحاب الحظوة لدى الولايات المتحدة قد حصل على ما يعادل 16 طلقة للمقاتل الواحد مما أجبرهم على التقنين. وفي حين أن المخابرات المركزية الأميركية قد قامت بتدريب 5000 مقاتل في سورية، فإن كثيرين منهم قد اختفوا أو انشقوا.
تقول مصادر من ثوار سورية، تحدثت معنا شريطة عدم الكشف عن هويتها، أن الفرقة السابعة، المرتبطة بجبهة ثوار سورية والموالية للجيش الحر، لم تتلقّ رواتبها من وكالة المخابرات الأميركية منذ شهور، على الرغم من أن وزارة الخارجية الأميركية استمرت بإيصال شحنات الغذاء إلى الفرقة.
أما حركة حزم العلمانية، وهي أكثر الكتائب حظاً لدى الولايات المتحدة وواحدة من الألوية القليلة التي زودت بصواريخ تاو المضادة للدبابات، فقد تعرضت إلى تخفيض حاد في المعونة الشهرية لمقاتليها البالغين قرابة 4000 مقاتل. وهي تتلقى اليوم حوالي 50% من الرواتب التي كانت تتلقاها في السابق. ولقد وصلت شحنات أسلحة مؤخراً ولكن القادة قلقون حول احتمال وصول الشحنات المستقبلية. ولواء الفاروق، وهي ميليشيا شكلها في البداية مقاتلون إسلاميون معتدلون في مدينة حمص، لا يتلقى أي رواتب حالياً.
أخبر مسؤولون في وكالة المخابرات الأميركية قادة الثوار أن عدداً من "الممولين الآخرين" قد أمر بهذه الاقتطاعات في التمويل، أو أن «لانغلي» لم تعد تملك الموارد الكافية. يتذمر أحد قادة الثوار قائلاً "ماذا على المقاتلين أن يفعلوا؟ لديهم عائلات عليهم إطعامها". يقول قائد آخر "إن الفكرة التي تقول إنهم (أي المخابرات الأميركية) لا يملكون المال هي فكرة مهينة. أنا لا أصدق هذا – هذا قرار سياسي."
"إن الإدارة لا تفشل فقط في تقديم موارد تعهدت بتقديمها، ولكنها لا تقوم حتى بالتواصل مع الكتائب التي كانت مرتبطة بها بخصوص هذه الانقطاعات في التمويل" يقول إيفان باريت، وهو مستشار سياسي في تحالف" نحو سورية ديمقراطية"، وهو تحالف جامع للمعارضة السورية الأميركية. ويضيف "هذا يضع حلفاءنا السابقين في وضع ضعيف بشكل لا يصدق، ويضمن بأن جماعات مثل جبهة النصرة ستكون قادرة على استغلال حالة الضعف المفاجئة هذه في الميدان."
تقول إدارة أوباما علناً أن دعمها لألوية الثوار لم يتراجع: تستمر وزارة الخارجية في توزيع المساعدات غير الفتاكة، ويزود البنتاغون الأسلحة، وتدفع وكالة المخابرات المركزية الرواتب للألوية المرتبطة بالمنظمة الجامعة المعروفة باسم الجيش السوري الحر. في حين رفض ناطق باسم وكالة المخابرات المركزية التعليق على هذه السردية.
في السر، يقر المسؤولون الأميركيون أنه قد حدثت بعض التغييرات في التمويل. ولكن مصادر المخابرات الأميركية تصر أن هذا ليس انعكاساً لأي تغيير في استراتيجية وكالة المخابرات المركزية. وتتحدث المصادر عن "إغلاق حالات فردية، كلاً على حدا" وأن هذا نتيجة لانهيار الألوية أو فشلها في التنفيذ. وتشكك هذه المصادر في الادعاءات التي تقول أن هناك انخفاضاً عاماً في مساعدات وكالة المخابرات المركزية، وتقول أنهم لن يتخلوا عن الثوار السوريين ، على الرغم من أن الثوار في شمال البلاد، بالقرب من الحدود التركية، يميلون، بشكل متزايد، إلى التصديق أن هناك انخفاضاً بالفعل (أما أولئك في الجنوب، قرب الحدود الأردنية وقرب دمشق، فقد يبلون بشكل أفضل).
قال مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية لموقع «ذا دايلي بييست» "تملك وكالة المخابرات المركزية الآن أموالاً أكثر مما سبق وأن فطيرة وزارة الخارجية لم تتقلص"، ولكنه يؤكد أنه قد كان هناك بعض حالات التوقف عن التمويل أو تخفيضات في التمويل. وذكر المسؤول "الأداء السيء" لألوية الثوار في إدلب في تشرين الأول الماضي على أنه السبب الرئيسي لذلك.
قال هذا المسؤول بأن هذه الألوية "لم تقاتل بما فيه الكفاية" عندما كانت في مواجهة النصرة. وأن العديد من الألوية المعتدلة فشلت في مساعدة جبهة ثوار سورية، وذلك بشكل رئيسي لأنهم لم يحبوا قائدها الذي كان متهماً على نطاق واسع بالفساد. وقد أغضبت السهولة التي تمكنت فيها جبهة النصرة من تنفيذ هجومها المسؤولين الأميركيين – كما أغضبهم سقوط المعدات المقدمة من الولايات المتحدة في أيدي المجاهدين.
وازداد هذا الغضب عندما قام بعض أفراد جماعات الثوار المدعومة من الولايات المتحدة بالانشقاق والانضمام إلى جبهة النصرة خلال ذلك الهجوم. أقر أحد المسؤولين الأميركيين الكبار أن بعض الألوية كانت "تتقرب من جبهة النصرة أو المتطرفين الآخرين، أكثر من مما كنا نستسيغ".
وفي يوم عيد الميلاد شكلت الجماعات المسلحة تحالفاً للدفاع عن مناطق الثوار المحاصرة في حلب، حيث كانت قوات الجيش العربي السوري قد شنت هجوماً كبيراً لتطويقهم. ولا تضم «الجبهة الشامية»، وهو اسم هذا التحالف القتالي، فصائل سلفية متطرفة من المجموعات المعروفة باسم الجبهة الإسلامية فقط، ولكنها تضم أيضاً ألوية أقل تطرفاً مرتبطة بتنظيم الإخوان المسلمين مثل جيش المجاهدين وحركة نور الدين الزنكي، والتي تلقت أيضاً صواريخ تاو من واشنطن في الماضي.
وعلى الرغم من أن جبهة النصرة لم تدعى للانضمام بشكل رسمي، إلا أنها تنسق مع الجبهة الشامية عبر ما يعرف بغرفة عمليات حلب، وهو مقر قيادة مشترك للفصائل المسلحة. وهذه ترتيبات لا تحبها واشنطن على الإطلاق.
يقول الثوار في حلب أنهم لا يملكون خياراً سوى التعامل مع جبهة النصرة والفصائل الموالية للجبهة الإسلامية والتي تعد من بين أقوى الجماعات المسلحة في المدينة التي دمرتها الحرب. وبدونهم سيكون بإمكان قوات الأسد أن تدحر الثوار.
يسأل أحد القادة في غرفة العمليات "ماذا يتوقع منا الأمريكان أن نفعل؟ جبهة النصرة ذات شعبية هنا. وهذا وقت حرج بالنسبة لنا – فالأسد يضغط بقوة."
بالنسبة للثوار السوريين، تضيف المخاوف حول التغييرات في التمويل من قبل وكالة المخابرات المركزية شكوكاً إلى حالة التشكيك الكبيرة أساساً حول السياسة الأميركية تجاه الحرب في سورية. حالة التشكيك هذه كانت قد ارتفعت بشكل هائل يوم فشلت إدارة أوباما بتطبيق خطها الأحمر ضد استخدام الأسد المزعوم للأسلحة الكيميائية، وحالة التشكيك هذه استمرت فقط بالنمو منذ ذلك الحين.
وعلى الأرض يقول الثوار أنهم يعانون من تناقض إدارة أوباما وأنهم في كثير من الأحيان يتركون لوحدهم، في نسخة سورية من «خليج الخنازير»، ولكنها نسخة أكثر دموية بكثير.
تجمع السوريون في الأسبوع الماضي في المقاهي في بلدة غازي عنتاب على الحدود التركية، على الجانب الآمن من الحدود، يصغون غير مصدقين إلى الناطقة باسم الخارجية الأميركي جين ساكي التي أكدت قائلةً "مازلنا محافظين على الاعتقاد بأن الأسد قد خسر كل الشرعية وأنه يجب أن يغادر". لقد كانت هذه واحدة من العبارات الحازمة القليلة المعادية للأسد التي تصدر عن مسؤول أميركي كبير منذ أسابيع.
ولكن هذا لم يكن ما سمعوه من الرئيس أوباما في خطاب حالة الاتحاد منذ بضعة أيام. فقد ذهبت لغة العام 2013 عندما قال "سيكتشف نظام الأسد قريباً أن قوى التغيير لا يمكن عكسها، وأنه لايمكن الحرمان من الكرامة الإنسانية". بدلاً من ذلك، تحدث أوباما الثلاثاء الماضي عن خطة الإدارة الأميركية لتدريب وتجهيز وبناء قوة تقوم باستهداف «داعش» وتحدث بشكل مبهم عن مساعدة معارضة سورية المعتدلة.
وهؤلاء المعتدلون هم تحديداً أولئك الرجال والنساء على الأرض والذين يشعرون بأنه يتم التخلي عنهم شيئاً فشيئاً.
وبالفعل، بعد أربعة أشهر منذ أن أعلن وزير الخارجية جون كيري خطته لتدريب وتجهيز وحدات الجيش السوري الحر، والبشمركة الكردية، والميليشيات الشيعية العراقية بوصفها قوات مضادة لداعش، يبدو أن المشروع يواجه عقبات كبيرة.
ظهر رجال مجلس الشيوخ الأميركي متجهمي الوجه الأسبوع الماضي بعد جلسة إيجاز سرية حول مهمة التدريب والتجهيز، وبعضهم يتوقع كارثة من خطة البنتاغون التي ستدرب فقط القليل من المقاتلين بشكل بطيء جداً لايكفي لإحداث أي تغيير.
يجادل رجال مجلس الشيوخ الجمهوريون، بأن هذه الخطة، في أحسن الأحوال، لن تعمل. وفي أسوأ الأحوال ستقود إلى مجزرة جماعية للثوار الذين تم تدريبهم.
فعدد المتطوعين اللازم لإحداث "تغيير استراتيجي في القوة مايزال بعيداً بمقدار سنوات" يقول السيناتور ليندسي غراهام ويضيف "إن فكرة تدريب جيش يكون عرضة للذبح من قبل عدوين هي فكرة غير حكيمة من الناحية العسكرية وما إن يتم القضاء على المتطوعين الأوائل سيصبح من الصعب تطويع المزيد".
أما السيناتور جين شاهيين، وهي عضو مجلس شيوخ ديمقراطي خرجت أيضاً من نفس جلسة الإيجاز السرية، فقد رفضت الإفصاح واكتفت بالقول "أعتقد أنه لدينا الكثير للقيام به والكثير من الأسئلة للإجابة عليها".
في سورية، يريد القليل من الثوار المقاتلين أن ينضموا إلى قوة تركز فقط على «داعش». ويحاججون بأن الأسد مسؤول عن عدد أكبر بكثير من القتلى في صفوفهم ومن عائلاتهم الكبيرة، من تنظيم «داعش»، والذي يحاول استقطاب المنشقين من بين صفوف الثوار لأنه يدفع رواتب أكبر بكثير ولأنه قادر على استغلال عدم الثقة في النوايا الأميركية تجاه الثورة السورية.
يقر المسؤولون الأميركيون الآن بالصعوبات في التجنيد من بين صفوف المتمردين، ويعترفون بأن هناك تحدي جدي في العثور على المتطوعين الراغبين بتأجيل حربهم مع نظام الرئيس الأسد. إذاً يأمل المسؤولون الأميركيون الذين يقومون بالتجنيد لصالح مهمة التدريب والتجهيز بأن يصطادوا من بحيرة الثوار المقاتلين في شرق سورية والذين تم حل قطعاتهم وهربوا إلى تركيا عندما أحكم «داعش» قبضته على مدن الرقة ودير الزور. يقول المسؤولون الأميركيون أن القوة المضادة لداعش في سورية ستكون أصغر مما تم تصوره في البداية، ولكنهم يأملون بأن الانتصارات المبكرة على الأرض ستقنع المزيد من الأشخاص بالانضمام.
رابط المقال: http://www.thedailybeast.com/articles/2015/01/27/comic-con-for-football-dads-my-day-with-mike-francesa-s-devoted-fan-cult.html
إضافة تعليق جديد