إجازات الطبقة الوسط السورية تبدأ في الخريف
لم يكن بسام لينتظر هو وأصدقاؤه حتى شهر أيلول (سبتمبر) ليستمتعوا بالعطلة و«الصيف يلفظ أنفاسه الأخيرة «، لولا أملهم بأن يحظوا بأماكن اصطياف تكون قد خفضت «أسعارها الجنونية التي لا تناسب جيوب الطلاب» على حد تعبير بسام. وقررت المجموعة أن تتغيب عن الأيام الأولى من دوام المدرسة للذهاب في رحلة إلى شواطئ اللاذقية.
وعلى رغم أن هؤلاء الشباب مقبلون على الثانوية العامة، لا شيء يثنيهم عن التأخر أكثر سوى توبيخ بعض الأساتذة وتحذيرهم من أن عدم الامتثال للدوام الرسمي الذي سيبدأ وفق قرارات وزارة التربية في التاسع من الشهر المقبل، أمر سيؤثر على أسلوب توزيع المنهج على مدى السنة الدراسية وبالنتيجة على تحصيلهم العلمي.
بسام وأصدقاؤه ليسوا الطلاب الوحيدين الذين يتساهلون في الالتحاق بالموسم الدراسي منذ بدايته، ففي سورية مفهوم الإجازة الصيفية ليس واحداً بل يختلف بين شباب الجامعات والمدارس الثانوية. في الجامعات لا يلتزم طلاب الكليات التي يغلب على موادها الجانب النظري بالدوام بالتاريخ نفسه الذي يلتحق فيه زملاؤهم من ذوي الاختصاصات العملية. فبينما تستعد ماريا ( سنة ثالثة هندسة) لبدء السنة منذ أولى أيامها، تستمر إجازة شريكتها في السكن الجامعي نيرمين (سنة ثالثة أدب انكليزي) أسبوعاً إضافياً أو اكثر تمضيه في قريتها في شمال البلاد. وتقول ماريا: «اعتدت أن أكون في بداية السنة بمفردي في الغرفة، وهذه السنة قد تمضي زميلتي شهر رمضان كاملاً مع عائلتها قبل أن تلتحق بسنتها الجامعية».
في موازاة ذلك، انتشرت ظاهرة في المحافظات السورية لدى الطبقة المتوسطة الآخذة بالانحسار, تتمثل في سفر العائلات في آخر شهر آب (أغسطس)، وبدايات أيلول إلى دمشق أو حلب لقضاء بضعة أيام كإجازة قصيرة يتخللها على الغالب شراء اللوازم المدرسية والثياب. وتقول وصال (16 سنة): «طوال فترة الصيف التي نقضيها في البيت أمام التلفاز نحاول أنا وأخوتي الإصغاء لتوجيهات والدي، وأن نكون مطيعين دائماً لهما، على أمل أن نحظى برحلة قصيرة في نهاية الصيف إلى دمشق أو حلب نشتري خلالها قرطاسية مميزة».
والد منار الذي يعمل موظفاً في الحسكة (حوالى 600 كلم عن دمشق) لا يعارض تغيب أولاده عن الأيام الأولى من الدوام المدرسي ليصطحبهم في رحلة، ويقول: «الغالبية لا تلتزم بالدوام منذ بدايته... هذا أمر أصبح متعارفاً عليه». ويضيف بسخرية واضحة: «بصراحة ننتظر حتى ينهي ذوو الدخل المرتفع سياحتهم، لتبدأ إجازتنا لأيام معدودة بحسب ما بقي من ليرات في الجيب».
على خط مواز، هناك شباب يعملون في القطاع الخاص الذي يعتبر حديث النشأة في سورية ويشتكون من أن الدوام يستمر صيفاً وشتاء ونادراً ما يحصلون على إجازات. وعن ذلك يقول ياسين كلاس وهو إعلامي مهتم بشؤون الإدارة. «الإدارة الناجحة هي التي تحرص على أن يكون عدد ساعات العمل متكافئة مع عدد ساعات الدوام، بحيث تستثمر إمكانات الموظف مع مراعاة الشروط الإنسانية للعمل من حيث الراحة والإجازات، و «من دون أن تضغط عليه».
ويوضح كلاس أن ثقافة احترام الدوام «مغيبة في مجتمعنا»، وأن «الإنتاج ينخفض فيها بينما يرتفع في مجتمعات أخرى كاليابان وألمانيا». ويجد أن التخلص من الممارسات السلبية في العمل ومنها عدم الانضباط في الدوام يكون «بالمتابعة والتخطيط المناسب وفق نوعية العمل وطبيعة العامل». وفي رأيه «نحتاج في مؤسساتنا إلى إداريين ناجحين وليس إلى ضباط دوام».
لينا الجودي
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد