الاحتلال الأمريكي يشرد 4 ملايين عراقي تتحمل سوريا عبء نصفهم
الجمل: قبل مؤتمر جنيف الذي تم عقده خلال اليومين الماضيين بخصوص أوضاع اللاجئين العراقيين، كانت هناك مؤامرة عالمية تهدف إلى التكتم على الأبعاد الإنسانية للأزمة العراقية، وفقط كان العالم يشاهد الانفجارات والاشتباكات العسكرية على التلفزيون ولكنه لا يشاهد أو يسمع شيئاً عن موضوع اللاجئين –هكذا تحدث أمام الصحافة العالمية المندوب السامي للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.
التقديرات الأولية بواسطة المنظمات الدولية، والمنظمات غير الحكومية، ومنظمات حقوق الإنسان تقول بأن عدد اللاجئين العراقيين قد بلغ على الأقل أربعة ملايين، إضافة إلى ملايين النازحين والمشردين داخل العراق، وهي عملية وصفتها بإجماع كل منظمات حقوق الإنسان بأنها ظاهرة اللجوء والنزوح الجماعي الأسوأ منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.
• التصنيفات:
بحسب النموذج التقليدي المتبع لتصنيف تحركات السكان المدنيين خلال فترات الحرب، فإن تحركات العراقيين الحالية تنقسم إلى نوعين:
- الحركة الخارجية: تحرك حوالي أربعة ملايين عراقي إلى خارج العراق، منهم 750 ألفاً في الأردن، والبقية يعتقد أنها في سورية ، مع وجود أعداد قليلة في بقية البلدان العربية، مثل: لبنان، مصر، واليمن... وغيرها.
- الحركة الداخلية: تحرك حوالي ثمانية ملايين عراقي من أماكن إقامتهم وعملهم داخل العراق ونزحوا باتجاه مواطن عشائرهم الأصلية داخل العراق.
• التداعيات والمضاعفات:
تتم حركة اللجوء والنزوح بين نقطتين جغرافيتين- اجتماعيتين، هما نقطة المصدر، ونقطة الاستقبال، وعادة ما تنشأ الكثير من الضغوط والمشاكل المترتبة على هذا الحراك، ويمكن إيجاز ذلك على النحو الآتي:
- بالنسبة لنقطة المصدر: فقدت المناطق العراقية الكثير من قدراتها الاقتصادية بسبب مغادرة العناصر البشرية لها، وبالذات الشرائح الاجتماعية الهامة، الأمر الذي أدى إلى نقص الكفاءات بحيث أصبحت المستشفيات بلا أطباء، والصيدليات بلا صيادلة، والأسواق بلا تجار، والجامعات بلا محاضرين، والمدارس بلا أساتذة.. وقد تسبب ذلك في إصابة الحياة الاقتصادية- الاجتماعية في معظم أنحاء العراق بالشلل والعجز الكامل.
- بالنسبة لنقطة الاستقبال: أدى وصول الأعداد الكبيرة من اللاجئين والنازحين إلى المزيد من المشاكل والمضاعفات التي يمكن استعراضها على النحو الآتي:
في البلدان الخارجية (سوريا والأردن): تسبب عملية اللجوء الجماعي في تصعيد الأزمات والمشاكل الاقتصادية وذلك بسبب صدمة الطلب المتزايد على السلع والخدمات في سوريا والأردن، وقد أدى ذلك إلى ارتفاع الكثير من الأسعار، وبالذات إيجارات المساكن وأسعار السلع الاستهلاكية، كذلك أصبحت المشاكل الاقتصادية تهدد بنشوء الكثير من المشاكل الاجتماعية وذلك بسبب الاحتكاكات التي تنشأ في الحياة اليومية بين سكان البلد الأصليين واللاجئين العراقيين، بسبب اختلاف المفاهيم والقيم الاجتماعية، وحالياً أصبح تصاعد الصراع العراقي يهدد بنقل الكثير من تداعياته إلى بلدان الجوار، وهي ظاهرة ليست مقصورة حصراً على اللاجئين العراقيين، فقد حدثت الكثير من المشاكل بواسطة اللاجئين السودانيين في مصر وأوغندا وكينيا وارتيريا خلال فترة الحرب الأهلية في جنوب السودان، وحدثت الكثير من المشاكل في البلدان الآسيوية والأوروبية بواسطة اللاجئين الفييتناميين خلال فترة الحرب الفييتنامية، وأيضاً في حالة الحرب الأهلية اللبنانية حدثت الكثير من المشاكل بواسطة اللاجئين اللبنانيين في سوريا وأوروبا وغيرها.
حتى الآن لم يقدم المجتمع الدولي المساعدات –ولو بقدر ضئيل- من أجل التخفيف من معاناة اللاجئين العراقيين، ويبدو أن السبب في ذلك يتمثل في عدم اعتراف الولايات المتحدة، وبريطانيا وفرنسا بوجود مشكلة إنسانية في العراق.
إن السبب الرئيسي في الموقف السلبي الأمريكي- البريطاني- الفرنسي، إزاء اللاجئين العراقيين يكمن في أن اعتراف هذه الأطراف بوجود مشكلة إنسانية سوف تترتب عليه عملية تحميلها المسؤولية عن هذه المشكلة بسبب قيام أمريكا وبريطانيا بغزو العراق، إضافة إلى التواطؤ الفرنسي الذي برز لاحقاً في دعم عملية احتلال العراق.
استطاعت الإدارة الأمريكية الضغط على الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي من أجل إغفال وتجاهل الأزمة الإنسانية المحتدمة في العراق، وتغييب ملف اللاجئين والنازحين العراقيين عن أجندة المفوضية العليا للاجئين ومفوضية حقوق الإنسان التابعتين للأمم المتحدة، وكان السفير الأمريكي السابق يهدد باستمرار بقطع المعونات المالية عن المفوضيتين إذا قامتا بفتح ملف الأزمة الإنسانية العراقية، وبرغم نجاح الاستراتيجية الأمريكية في ذلك، إلا أنه كان نجاحاً مؤقتاً، وذلك لأن ضغوط اللاجئين العراقيين على مكاتب وبعثات الأمم المتحدة الإقليمية أدت إلى تزايد التقارير الإنسانية التي تصل إلى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية حول الكارثة الإنسانية ، كذلك أدت تغطية الإعلام الدولي إلى تنوير الرأي العام الأمريكي والعالمي بأبعاد المشكلة، الأمر الذي دفع الإدارة الأمريكية إلى الاتصال مؤخراً بمفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة وإبداء الرغبة في حل هذه المشكلة عن طريق استيعاب جزء من الـ4 ملايين عراقي الموجودين حالياً في سوريا والأردن.. وما كان مثيراً للدهشة هو أن الحكومة الأمريكية قد قررت الموافقة على استضافة 7 آلاف لاجئ عراقي فقط، على أن يتم ترحيلهم خلال الأعوام القادمة. وقد علّق أحد المسؤولين في منظمات اللاجئين قائلاً بأنه يتوقع أن تقوم الحكومة الأمريكية باستقبال نصف هذا العدد، إن وفت بوعدها.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد