الروح العسكرية الأمريكية ( 1-9 )
آلة الحرب ـ الأحلاف ـ القواعد وأعمال العدوان
نقله إلى العربية: محمود شفيق شعبان
الكسييف ـ كروتسكيخ ـ سفيتلوف
الحلقة الأولى
تقديم
"الامبريالية هي الرأسمالية الاحتكارية التي نضجت تماماً في القرن العشرين، والتي تتميز من حيث خصائصها الاقتصادية الاساسية بكرهها للسلم والحرية، وبزيادة دعم الطغمة العسكرية في كل مكان" (ف. إ. لينين. المؤلفات الكاملة، المجلد 37، الصفحة ـ 248).
إن نشاطات الحزب الشيوعي السوفييتي السياسية الخارجية المتعددة الجوانب والموجهة إلى غرض محدد ونشاطات لجنته المركزية اللينينية برئاسة المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب احتلت في السنوات الاخيرة مكاناً مميزاً من حيث الاهمية.
كانت هذه السنوات متخمة بالاعمال الحقيقية الواسعة الموجهة إلى ابعاد خطر الحرب النووية والعمل على مُعافاة الوضع الدولي ووقف عملية سباق التسلح وكانت أيضاً مليئة بالخطب الجادة للدفاع عن حرية واستقلال الشعوب. قال ف. إ. لينين "يجب أن يدرك الشيوعيون أن المستقبل سيكون لهم على كل حال ولذلك فبوسعنا (ويجب علينا) أن نربط الرغبة القوية في النضال الثوري بالحساب العقلي والسليم لتقلبات البرجوازية العنيفة.
وانطلاقاً من التمسك بهذه الوصية اللينينية كشف الحزب الشيوعي السوفييتي والدولة السوفييتية عن الثبات اللينيني الحقيقي وعن الصلابة والمبدئية في الموقف الدولي الصعب بواسطة الرد الحاسم على المزاعم الامبريالية.
وقد أظهر الحزب الشيوعي السوفييتي ولا يزال يظهر مناصرته لقضية السلام بجهوده الملموسة، محققاً في الحياة مبادرات برنامج السلام الإنسانية والسياسية الخارجية المحبة للسلام بعمق وبواسطة المؤتمر السادس والعشرين للحزب الشيوعي السوفييتي المتطور، مغنياً ومُطوراً هذه المبادرات، آخذاً بعين الاعتبار موقف الاتحاد السوفييتي الدولي المعاصر. كان هذا البرنامج موجهاً إلى إخراج التطور الدولي من مآزق التوتر على طريق الانفراج الفعلي لتوطيد سلام وأمن الشعوب وإبعاد خطر الحرب النووية.
وقد ضاعف الحزب الشيوعي السوفييتي في هذا الوضع الحالي المتوتر نشاطه كثيراً لتحقيق سياسة السلام والتعاون.
ويشهد برنامج مقترحات الاتحاد السوفييتي الذاتية فيما يتعلق بقضايا الحزب والسلم الملحة على الروح الإنسانية العالية وعلى ديناميكية سياسية الاتحاد السوفييتي الخارجية: حيث استمر الهجوم السلمي السوفييتي في جميع ميادين النضال من أجل السلام.
طالب الاتحاد السوفييتي بحزم بحظر وتدمير جميع أصناف الاسلحة النووية واقترح تنفيذ مثل هذه الخطوة الهامة بسرعة، كتفريغ أوروبا من الاسلحة النووية ـ الصواريخ المتوسطة المدى والاسلحة التكتيكية.
وأشار إلى الطريق الصحيح للوصول إلى اتفاقية لتحديد وتقليص الأسلحة النووية ذات المدى المتوسط والاستراتيجية وعدم السماح بنشر سباق التسلح في الفضاء الخارجي.
وحول هذه القضايا المركزية وبمبادرة سوفييتية بدأت المحادثات بين الاتحاد السوفييتي وأمريكا في آذار عام 1985.
فالاتحاد السوفييتي أقبل على هذه المحادثات بصورة عملية وبناءة انطلاقاً من أن الولايات المتحدة الامريكية قد أظهرت أيضاً مثل هذا الاقبال الشريف والمسؤول.
وجاء في اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي العام الاستثنائي في آذار 1985 أن الاتحاد السوفييتي يقترح تجميد الترسانات النووية والتوقف عن نشر الصواريخ والوصول خطوة بعد خطوة إلى التقليص الفعلي والكامل للاسلحة المكدسة وليس إلى ابتكار أنظمة جديدة للاسلحة، سواء أكان ذلك في الفضاء أم على اليابسة.
ويقترح الاتحاد السوفييتي أيضاً القيام بالبحث الملموس عن حلول عملية لمثل هذه المسائل كالحظر العام والشامل لتجريب الاسلحة النووية ومنع الاسلحة الكيميائية.
وقد أحدث اقتراح الاتحاد السوفييتي حول تقنين العلاقات بين الدول العظمى التي تمتلك سلاحاً نووياً صدىً مميزاً في العالم.
فبرنامج المبادرات البناءة ـ دليل واضح على أن الدولة الاشتراكية العظمى تحمل بثبات راية السلام والأمن للشعوب.
وفي عام 1917 قال ف. إ. لينين: "من يظن أن تحقيق السلام سهل وأنه يكفي أن نُلمح فقط إلى السلام حتّى تُقدمه البرجوازية لنا على صحن من ذهب، فهو إنسان ساذج تماماً".
لم تفقد هذه الكلمات اللينينية الشهيرة حيويتها حتّى يومنا هذا.
ولابد أن نناضل من أجل السلام ومن أجل قضيتي التقدم والحرية وبمقدار ما تكون ترسانات العدوان الامبريالي فعالة وقوية ومدمرة تُصبح سياسة "القبضة" التي تتمتع بها الروح العسكرية الدولية والرجعية مستهترة وماجنة.
فالامبريالية الدولية التي تتزعمها الولايات المتحدة الامريكية وسعت سباق التسلح الشامل.
وخطوط التجميع في الاتحادات الاحتكارية للمنشآت العسكرية التي تُنتج أكثر صنوف الاسلحة حذاقة ـ بدءاً من الاسلحة العادية إلى أسلحة الابادة الجماعية للناس ـ تعمل بكل امكانياتها.
وكل يوم يخرج من هذه الخطوط صفقات أسلحة جديدة وجديدة. وفي "ورشات" البنتاغون يُواصلون تصنيع وسائط الحرب الاكثر دماراً.
وليس لم تخفض الميزانية العسكرية الامريكية المتضخمة ولو سنتاً واحداً فقط بل وتستمر في التزايد عاماً بعد عام إلى مليارات جديدة من الدولارات.
وتحت ستار الشعارات المحبة للسلام واصلت الادارة الامريكية تطوير سياسة الارهاب الدولي.
وكالسابق فمناطق هذه السياسة هي مناطق العالم الواسعة التي أعلنت عنها واشنطن أنها مجالات "مصالحها الحيوية".
و"على الخطوط الاولى للتهديد العسكري للبشرية تقع الروح العسكرية الامريكية. وقد اكتسبت سياسة الولايات المتحدة طبيعة حربية متميزة وأصبحت العامل السلبي الدائم للعلاقات الدولية ولم تأخذ بالحسبان ما يمكننا فعله" ـ جاء في خطاب السكرتير العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي م. س. غورباتشوف "البطولة الخالدة للشعب السوفييتي" الذي ألقاه في الاجتماع الاحتفالي في قصر المؤتمرات في الكرملن المكرس للذكرى الاربعين لانتصار الشعب السوفييتي في الحرب الوطنية العظمى.
ولكن بقدر ما تنشط الروح العسكرية الامريكية والرجعية في القضايا الدولة بقدر ما تنتقض الشعوب بحزم ضد هذا التوجه المعادي للبشرية. وموجات الاستياء ترتفع وتهيج في جميع القارات.
والحركات المعادية للحرب شملت أوسع طيف للقوى الاجتماعية. ويشارك الشيوعيون الذين يقومون بمهمة المناضلين التاريخية في هذه الخطب بحماس كبير وتوجه محدد من أجل انقاذ البشرية من فظائع الحرب.
وهذا الكتاب المكون من المواد التي طُبعت في الصحافة السوفييتية والاجنبية ومن المصادر الامريكية الرسمية والمراكز العلمية الاجنبية يهدف إلى كشف تلك الاجهزة التي تعمل بواسطتها آلة الروح العسكرية الامريكية الضخمة، أي، قواتها المسلحة، الاحلاف الامبريالية والقواعد العسكرية المزروعة في جميع أنحاء الكرة الارضية، وكذلك فضح سياسة التوسع الامريكي التي أصبحت شعوب العديد من بلدان العالم ضحيتها.
الخطر الرئيسي على السلام وأمن الشعوب ـ آلة الحرب الأمريكية
لقد سعت الفئات المستغلة في جميع العصور إلى الاستفادة القصوى من الاسلحة التي تقع في أيديها؛ وحاولت الانتفاع من التقنية العسكرية أو التوسعية.
والامبريالية الخالية من الإنسانية من ناحية المبدأ بحكم طبيعتها الاستغلالية والتوسعية لم تتورع أبداً عن استخدام أكثر أنواع الاسلحة رعباً.
والحامل الرئيسي للايديولوجيا العسكرية الباغضة للبشر في المرحلة المعاصرة ـ هي الامبريالية الامريكية.
وكما أشارت تجربة العلاقات الدولية، فبعد الحرب العالمية الثانية لجأت الولايات المتحدة الامريكية مراراً إلى استخدام أو إلى التهديد باستخدام القوة المسلحة، أضف إلى ذلك أنها هددت كثيراً باستعمال السلاح النووي.
ومع مجئ ادارة ريغان إلى السلطة تمتعت السياسة الدولية الامريكية بطبيعة خطيرة ومميزة بالنسبة للعالم أجمع.
فسياسة الادارة الامريكية الداخلية والخارجية الحالية تؤكد أن الروح العسكرية قد انغرست في وعي الطبقة الامريكية الحاكمة.
ففي بحث "الثورة العمالية وكاوتسكي المرتد" أشار ف. إ. لينين إلى أن الامبريالية تتميز ببغضها للسلام والحرية وبالتطوير الكبير والكامل للطغمة العسكرية وبالدرجة الأولى بحكم خصائصها الاقتصادية، أي ، الاساسية.
والعمل في الحرب يخضع لتأثير القانون الاقتصادي الاساسي للرأسمالية الذي ظهر في رغبة أصحاب الرأسمال للحصول على الارباح القصوى وتوسيع مناطق توسعها.
وقد أظهر كلاسيكيو الماركسية ـ اللينينية بصورة مقنعة أن الرأسمالي لا يهتم بما تُنتجه مصانعه ما دامت تجلب له أرباحاً.
ويندفع الرأسمال بصورة موضوعية إلى المكان الذي يكون فيه الربح عالياً. "أمن نسبة 10% من الربح والرأسمال موافق على أي استخدام، وعندما تكون نسبة الربح 20% يصبح ناشطاً، وفي حالة الـ 50% من الربح يكون مستعداً بصورة إيجابية للاندفاع بقوة وعندما يكون الربح 100% يدوس جميع المبادئ البشرية.
أما عندما تصبح نسبة الربح 300% فلن تكون هناك جريمة لا يمكنه القيام بها وإن كان هناك خوف من المشنقة".
وأصبح إنتاج الاسلحة وتصريفها العمل المربح للاحتكارات الصناعية الحربية التي استقرت في خزائنها في نهاية المطاف المبالغ الخيالية التي خُصصت في اطار البرامج الحكومية للاهداف العسكرية.
فجميع الارقام القياسية العالمية من حيث حجم الاموال التي خُصصت للنفقات العسكرية تعود إلى البنتاغون أما من حيث كميات الارباح التي تأتي فيها ـ فتعود إلى الاحتكارات الامريكية الصناعية ـ العسكرية.
وتزيد خزينة البنتاغون كثيراً عن الميزانيات العسكرية لحلفاء الولايات المتحدة الامريكية من الناتو جميعاً.
يشكل سكان الولايات المتحدة الأمريكية 5% من مجموع سكان الكرة الارضية أما نفقاتها على الاهداف العسكرية فقد بلغت أكثر من 1/3 ثلث جميع النفقات العسكرية لدول العالم.
إن تخصيص مئات المليارات من الدولارات للعمل العسكري سنوياً تحول، طبقاً لتعبير الدبلوماسي الامريكي المعروف والمؤرخ ج. كينان الدقيق، إلى نوع من تعاطي المخدرات الوطنية ـ الاقتصادية" .
والاتجاه نحو نشر الروح العسكرية المتزايدة، الذي تحقق في نهاية السبعينات في فترة حكم الرئيس جيمي كارتر انتقل إلى ادارة ر. ريغان التي أصبح سباق التسلح بالنسبة لها شاملاً واسترضاءً أو إشباعا للوحدة الصناعية ـ العسكرية الامريكية.
يدخل في حكومة ريغان ممثلو الاحتكارات من 20 فرعاً للاقتصاد، ومرتبطين بصورة وثيقة جداً بالعمل العسكري وبالتوسع الخارجي.
وفي الكتاب الذي صدر عام 1981 في الولايات المتحدة "زمرة ريغان الحاكمة" أشير إلى أنه يوجد في "مئة الرئيس" (يُقصد بذلك الموظفون الراقيون في الادارة) ـ 28 مليونيراً و22 مليونيراً صغاراً.
وهكذا فوزير الخارجية الامريكي السابق أ . هيغ الذي كان ولفترة طويلة رئيس الشركة العملاقة "يونايتيد تيكنولوجيز كربوريشين" (الشركة التكنولوجية المتحدة)، والذي نفذ العديد من التوصيات العسكرية يملك رأسمال يُقدر بـ 1.7 2.1 مليون دولار.
أما وزير الدفاع ك . واينبرغر فقد كان مدير "بيختيل كربوريشين" التي مدت 1000 كم من أنابيب النفط في المملكة العربية السعودية والكثير من المشاريع الاستراتيجية الاخرى قبل تعيينه في منصبه الحالي.
إنه يملك رأسمال خاص يتراوح حجمه بين 2.2 مليون دولار و3.5 مليون دولار.
وتقدر أموال وزير المالية السابق د. ريغان بـ 1.2 ـ 2.4 مليون دولار. أما وزير العدل السابق و. سميث فيملك أسهماً في 21 شركة وقدروا ثروته بـ 5.8 مليون دولار.
وينتمي إلى المليونيريين أيضاً الرئيس ر. ريغان نفسه المرتبط بقوة مع المجموعة الاقليمية الاحتكارية للرأسمال الامريكي للغرب المتطرف الموحد حول ولاية كاليفورنيا التي كان هو مُحافظها.
وطبقاً للمعلومات التي نشرت في الصحافة الامريكية فقد بلغت أرباحه في عام 1982 أكثر من 741 ألف دولار.
وعموماً فقد قدرت ممتلكاته بمليوني دولار. ويعتبر الاصدقاء المقربون للرئيس ومستشاروه: ي. تيلر ("أب" القنبلة الهيدروجينية الامريكية) ود. غري، و. سايمون (وزير المالية السابق)، ب. كاتس ـ أصحاب الشركة الضخمة "هيليونيتيكس" و70% من العقود التي كانت من نصيب البنتاغون ووزارة توليد الطاقة خلال السنوات الثلاث الاخيرة والمسؤولون عن انتاج الاسلحة النووية.
وإلى جانب ذلك فهذه الشركة تشارك في تصميم الصواريخ النووية "بيرشينغ ـ 2) التي نشرتها ادارة ريغان في اوروبا وتنوي نشرها في آسيا.
واختصاص الشركة الرئيسي ـ هو السلاح الكوني الليزري. فخطة احداث نظام الدفاع الامريكي المضاط للصواريخ الواسع النطاق مع عناصر التمركز الفضائي التي أعلن عنها ر. ريغان في ربيع عام 1983 أغنت بصورة خارقة للعادة أصدقاء الرئيس فأسهم "هيليو نيتيكس" قفزت في السعر إلى أكثر من 60%.
هذا مثال نموذجي للطريقة التي يدفيئ مبدعو السياسة العسكرية الامريكية بها أيديهم دافعين عملية سباق التسلح نحو الامام.
وخرق نائب وزير الدفاع الامريكي ر. ديلوير بشدة البرنامج الحكومي الكثير المليارات لاحداث وحدة استراتيجية صاروخية ـ نووية جديدة من طراز "MX"، ملتزماً بصورة رئيسية بانجاز أضخم اتحاد احتكاري للاسلحة "TRU" حيث عمل هو قبل تعيينه في البنتاغون.
في عام 1982 استقال حوالي ألفين وستمائة موظف عسكري امريكي هام وبدأوا العمل في التعهدات العسكرية.
ووافق الكثير منهم على الاقتراح بالعمل في الشركات المنتجة لأنظمة الاسلحة التي أشرف هؤلاء الموظفون الحكوميون في وزارة الدفاع على إعدادها.
وأشار أحد موظفي القوى الجوية الامريكية السابقين إلى أن شركة "هيوز إيراكرافت" على سبيل المثال استأجرت جيشاً صغيراً من الناس الذين اشتغلوا في البنتاغون في إعداد صاروخ الـ "ميفيريك" الذي صنعته هذه الشركة.
وفي النزاع بين مصالح الشغيلة وحاجات الشركة وقفت ادارة ريغان دائماً إلى جانب المجموعة الصناعية العسكرية الامريكية.
إضافة تعليق جديد