القنوات السوريّة تستنسخ بعضها
في الوقت الذي كان المواطن السوريّ يتفاءل بإحداث وإطلاق قنوات خاصّة، أملاً منه في تجديد المياه الراكدة في واقع التلفزيون السوريّ، الذي لا يتجاوز تجديده الجوانب الشكليّة، أمّا المضامين والأسماء فتبقى هي هي 'صامدة' في مكانها، لا تهزّها رياح التغيير، ولا تطالها نوايا التحديث، لأنّها 'وُظِّفت' مُحدَّثة أصلاً وأصولاً.. حيث الحرص على بقاء تلك الأسماء أكبر من الحرص على الإبداع والتجديد..
ليس خافياً على أحد أنّ الارتجال يكاد يكون سمة التلفزة السوريّة، فغياب التخطيط، وشبه انعدام الخطط الدقيقة، أو عدم الالتزام بها في حال وجودها، وتفشّي التناحر في الوسط الإعلاميّ، تحول دون الارتقاء بالأداء التلفزيونيّ، حيث التسريح والإعفاء، من جهة، ثمّ انتداب آخرين وتجريبهم، من جهة أخرى، أي الدوران في الحلقة نفسها. ولا شكّ أنّ التلفزيون السوريّ يستفيد من نجاحات الدراما، لكن يجب التفريق بين نجاح الدراما السوريّة و'نجاح' التلفزيون السوريّ الذي ليس صانعاً للدراما، وإن كان مروّجاً ومسوّقاً رئيسياً لها..
مع وجود بضع قنوات سوريّة، يلحظ المتابع أنّها لم تتمكّن من التغلغل في قلب الشارع السوريّ، فقناة الـ'شام'، منهمكة بعرض المسلسلات التي عفا عليها الدهر، والتي قد يتابعها بعض من المشاهدين ممّن قد يجرفهم الحنين إلى عقد أو عقدين سابقين، علاوة على تهرّبها من عرض البرامج الحواريّة، وإصرارها على عرض ما هجرته غيرها من القنوات.. وقناة 'الدنيا' التي يفترض بها أن تكون عيناً على الدنيا كلّها، فإنّها لا تحقّق ولو جانباً صغيراً من شعارها، لأنّها تقصر عن أن تكون عيناً على بعض هموم المواطن السوريّ وليس كلّها، كما أنّها تجاوزت الـ'شام' في عرض الإنتاجات السابقة، التي تعود إلى بدايات التلفزيون، أو إلى عرض الأفلام الأجنبيّة التي مرّ على عرضها سنوات، وكأنّ الجديد المُكلف لا يناسب إمكانيّاتها، ولا بدّ لها من اللوذ بالذكريات كي تستثيرها وتستقطب المشاهدين عبرها.. وقناة 'الدنيا'، تفتقر إلى البرامج الحواريّة التي تحقّق شروط الحوار، أي وجود طرفين مختلفين، لأنّ حواريّاتها دوماً تكون من طرف واحد، أي هناك استنساخاً لسياسة الفضائيّة السوريّة، وتقيّداً بها، في الوقت الذي تلجأ فيه إلى ملء أوقات البثّ بأنشطة لفِرَق سوريّة، كما أنّها تقول ما لا تقوله الرسميّة من سخريات أثناء التعليق على خبر أو حدث لا يوافق السياسة السوريّة، فتكون سخريتها مدرجة في إطار الحرّيّة الإعلاميّة، وتحت بند تبريريّ أنّها قناة خاصّة.. أي أنّها تفصح عمّا تومئ إليه الرسميّة.. ولم تتمكّن قناة 'المشرق' من تحقيق المأمول منها، فانطلاقتها الجريئة روِّضت، كأنّهــا قد أُجبِرت على التراجع عن خطـــوطها العريضة، أو كأنّ الواقع المَعيش قد أصابهـــا بخيبــة أمل، فانصاعت للعبة السوريّة، وارتضت أن تكون وجهاً محدّثاً، ولولا بعض برامجهــا التي تنعـــــــم بقسط من الحرّيّة في المناقشة والطرح كـ'أضواء المدينة'، 'أوتوغراف'، وبشكل أقلّ برامج منوّعة رديفة، لكانت نافــــذة أخرى مستنسخة.. كما أنّ الضحالة في تغطية الأخبار المحلّيّة والعربيّة والعالميّة تسِم نشرات الأخبار، وقد تبرّر لنفسها أنّها ليست قناة إخباريّة، لكن ذلك لا يمنع تخصيص دقائق للتمحيص في بعض الموضوعات من أكثر من طرف.. ثمّ يأتي دور قناة 'الدراما' التي أطلِقت احتفاء بإنجازات الدراما، والتي ما تزال في بثّها شبع حائرة، تغيب في عزّ الحاجة إليها، وكأنّها أيضاً استكانت قبل أن تبدأ فعليّاً..
الاحتكار سمة الإعلام السوريّ الرئيسية، والاحتكار عدوّ الابتكار كما هو معلوم.. فكيف للإعلام السوريّ أن يتطوّر في ظلّ الظروف التي يقاسيها، وكيف له أن ينافس الإمبراطوريّات الإعلاميّة العربيّة؟ أم هل تواجد الدراما السوريّة في القنوات الأخرى المنافِسة يعوّض عن إخفاق الإعلام الرسميّ عن المُنافَسة؟.
هيثم حسين
المصدر: القدس العربي
إضافة تعليق جديد