بعد تحرير حلب: هل يكون 2017 عام النصر على الإرهاب؟
مثّل تحرير الأحياء الشرقية من مدينة حلب السورية منعطفاً استراتيجياً في مسار الحرب التي تخوضها سوريا وحلفاؤها ضد القوى الإرهابية العالمية والتكفيرية، وفي الوقت نفسه، أحدث صدمة للدول الراعية والداعمة لهذه القوى التي تآمرت على سوريا لإسقاط نظامها الوطني المقاوم، وكسر ظهر محور المقاومة، التي تشكل سوريا عموده الأساسي.
إن تحرير الأحياء الشرقية من حلب وإعادة توحيد المدينة في كنف الدولة الوطنية السورية، أسقط رهانات تركيا والدول الغربية والعربية الرجعية على إطالة أمد حرب الاستنزاف ضد الدولة السورية وقوى المقاومة، كما أحبط مخططات هذه الدول لتقسيم سوريا، واستدراج روسيا إلى حرب استنزاف على الطريقة الأفغانية التي تختلف ظروفها اختلافاً جذرياً عمّا يجري في سوريا.
على أن هذا النصر الثمين بتحرير أحياء حلب الشرقية بسرعة قياسية طرح الأسئلة بشأن مستقبل الحرب ضد قوى الإرهاب، فيما تبقى من مناطق تخضع لسيطرتها، وعما إذا كان بمقدور هذه القوى الاستمرار في مواصلة حرب الاستنزاف ضد الدولة السورية، بدعم من الدول الغربية الساعية إلى محاولة ابتزاز سورية بمقايضتها بورقة مساعدتها في إعادة إعمار ما دمرته القوى الإرهابية، مقابل حصول الجماعات الموالية للغرب على حصة وازنة في الحكم، أي دفع الدولة السورية إلى التسليم بتقاسم السلطة مع هذه القوى كشرط مسبق لقيام الغرب بتمويل إعادة البناء.
إن من يقرأ المشهد السوري ميدانياً وسياسياً يلحظ بشكل واضح أن إدامة حرب الاستنزاف لم تعد ممكنة وأن قدرة الدول الغربية على ابتزاز سوريا بتنازلات سياسية باتت ضعيفة جداً، إذا لم تكن معدومة بعد هزيمة المسلحين في حلب.
فعلى الصعيد الميداني، تظهر المعطيات والوقائع أن هناك العديد من العوامل المهمة التي ترجّح تسريع عملية تطهير ما تبقى من مناطق سورية من سيطرة الإرهابيين، وبالتالي إعلان الانتصار الكامل لسوريا وحلفائها على جيوش الإرهابيين والدول المساندة والداعمة لهم في عام 2017.
وهذه العوامل تتجسد بالآتي:
أولاً، انهيار معنويات الإرهابيين. لقد أدت هزيمة الجماعات الإرهابية المسلحة في حلب إلى انهيار كبير في معنويات الجماعات الإرهابية المسلحة وزيادة الخلافات والانقسامات في ما بينها، وهو ما ظهر من خلال احتدام الصراع بين «جبهة النصرة» و«أحرار الشام» على خلفية الموقف من اتفاق خروج المسلحين المحاصرين من بعض أحياء حلب الشرقية، مقابل إخراج الجرحى والمرضى والمسنين من بلدتي كفريا والفوعة المحاصرتين.
ثانياً، تراجع عزيمة المسلحين وضعف قدرتهم على مواصلة القتال انطلاقاً من أن أملهم في تحقيق المكاسب الميدانية قد تلاشى وأنه لن يكون بمقدورهم الصمود أمام هجمات الجيش السوري وحلفائه، ولهذا فقد فقدوا الأمل في تحقيق أهدافهم التي سعوا إليها منذ بداية حربهم، لا سيما بعد الاختلال الكبير في موازين القوى في غير مصلحتهم، وتراجع قدرة الدول الداعمة لهم على مواصلة دعمها، فيما التداعيات السلبية لفشل الحرب الإرهابية في تحقيق أهدافها بدأت تظهر نتائجها في قلب هذه الدول من خلال التفجيرات الإرهابية التي حدثت في العديد من المدن، الغربية والتركية والمرشحة إلى التصاعد مع عودة العناصر الإرهابية الهاربة من ميدان القتال، في سوريا، إلى هذه الدول.
ثالثاً، الارتفاع الكبير في معنويات الجيش العربي السوري والقوى الحليفة له في مقابل انهيار معنويات الإرهابيين، مما سيكون له أثره الهام على مسار القتال في الميدان لتحرير ما تبقى من مناطق تحت سيطرة الإرهابيين.
رابعاً، إن المناطق المتبقية تحت سيطرة المسلحين هي أقل مساحة وأقل وعورة وصعوبة من المناطق التي حررها الجيش السوري في المرحلة السابقة في أعقاب الحضور العسكري الروسي النوعي، في نهاية أيلول من عام 2015.
خامساً، إن ما تبقى من مسلحين بات أقل عدداً وخبرة وقدرة على مواجهة الجيش السوري وحلفائه، ذلك أن المسجلين قد خسروا في معاركهم السابقة، لا سيما الأخيرة في حلب ومحيطها، نخبة قياداتهم ومقاتليهم، وما تبقى منهم أقل استعداداً وقدرة على القتال.
سادساً، عدم قدرة المسلحين على تعويض خسائرهم إن لناحية السلاح والذخيرة أو لناحية المقاتلين بسبب إقفال الحدود الأردنية واللبنانية ومعظم الحدود التركية، فمن المعروف أن قدرة المسلحين في السابق على مواصلة القتال وشنّ الهجمات المتتالية واستعادتهم السيطرة على بعض المناطق التي خسروها كانت مرتبطة بسرعة تعويض خسائرهم العسكرية والبشرية.
سابعاً، الاختلال الكبير في موازين القوى لمصلحة الجيش السوري وحلفائه في ظل عدم قدرة الدول الداعمة للإرهابيين على تغيير هذه الموازين نتيجة الحضور العسكري الروسي الذي فرض توازناً عسكرياً استراتيجياً في مواجهة القوة الأميركية وحلف «شمالي الأطلسي».
وهذا التوازن والخطوط الحمراء التي فرضها الحضور الروسي منع التدخل العسكري الغربي، ودفع تركيا إلى الاعتذار من روسيا إثر إسقاط طائرة السوخوي، وأجبر الحكومة التركية على التراجع عن قيام الجيش التركي بتجاوز الخطوط الحمراء في مدينة الباب، إثر دخوله الأراضي السورية لمنع القوات الكردية من إقامة كونفدرالية في شمال سورية بدعم أميركي، واضطر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى التراجع عن تصريحات تصعيدية أطلقها أخيراً ضد الرئيس بشار الأسد، إثر التأنيب الروسي له على إخلاله بما اتفق عليه مع الرئيس فلاديمير بوتين.
ثامناً، هزيمة المسلحين في حلب وغياب أي أفق لهم في تحقيق أهدافهم وتراجع قدراتهم واختلال موازين القوى لمصلحة الجيش السوري وحلفائه انعكس وسوف ينعكس في تعزيز خط التسويات والمصالحات، وهو ما تجلى في اندفاع المسلحين في الكثير من المناطق في ريف دمشق إلى سلوك هذا الخيار والعودة إلى كنف الدولة، أو الذهاب إلى إدلب.
تاسعاً، فقدان المسلحين للبيئة الحاضنة، إما نتيجة ممارساتهم المشينة والبعيدة عن أي قيم دينية يدّعونها، وإما نتيجة تحول في موقف هذه البيئة التي باتت تضغط عليهم لعدم الاستمرار في الحرب والقبول بالتسوية مع الدولة السورية بسبب فقدان أي جدوى من الاستمرار في القتال.
عاشراً، لن يكون في مقدور الدول الغربية تبرير استمرار دعمها للقوى الإرهابية المتبقية والتي سيواجهها الجيش السوري وحلفاؤه، لأن هذه القوى هي تنظيم داعش وجبهة النصرة (فتح الشام) وأحرار الشام توأم النصرة، وهي تنظيمات مصنفة من قبل مجلس الأمن والأمم المتحدة باعتبارها تنظيمات إرهابية.
أما على المستوى السياسي، فإن التحول في الميدان لمصلحة الجيش السوري وحلفائه وانتقال المأزق إلى داخل الدول الراعية للإرهاب، أدّيا إلى إحداث تبدل في المشهد السياسي الإقليمي والدولي.
وتجسد التبدل على الصعيد الإقليمي في موقف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في إعلان أن الجيوش الوطنية في سورية والعراق وليبيا والجزائر هي القادرة على محاربة الإرهاب، ودعم مصر لمشروع القرار الروسي في مجلس الأمن، الأمر الذي شكل صفعة موجعة للنظام السعودي ومحور دول الخليج، وأحدث تحولاً في المشهد السياسي العربي عززه التصريح الأخير لوزير الخارجية الجزائري الذي أكد فيه أن استعادة الدولة السورية لحلب يشكل انتصاراً على الإرهاب.
أما على الصعيد الدولي، فقد تجسد التبدل في اضطرار تركيا إلى التكيف مع توازن القوى الجديد في سوريا وسلوكها طريق التفاهم مع روسيا، فيما الدول الغربية بدأت تشهد تحولات داخلية عكستها الانتخابات الأميركية والانتخابات التمهيدية في فرنسا وإيطاليا وغيرها من الدول التي أدت إلى صعود التيار اليمني المتطرف الداعي إلى التوقف عن سياسة دعم الإرهاب. هذا الإرهاب الذي تسبب بموجات الهجرة إلى دولٍ تعاني من أزمات اقتصادية ومالية واجتماعية على خلفية اشتداد المنافسة الاقتصادية العالمية على الأسواق، والحروب الأميركية، وسياسة الفوضى الهدامة التي اعتمدتها الولايات المتحدة لتغيير الأنظمة الشرعية المناهضة للهيمنة الأميركية.
في المقابل، إن الحكومة التركية لم يعد أمامها من خيار سوى الاتفاق مع روسيا وإيران للتوصل إلى حل يحفظ لها ماء الوجه، وبالتالي المشاركة في التعجيل بالحل السياسي للأزمة على الأسس التي تطرحها كل من روسيا وإيران وسوريا، ويبدو أن الاجتماع الثلاثي لوزراء خارجية ودفاع تركيا وإيران وروسيا يندرج في هذا السياق الذي بات الفرصة الأخيرة أمام الحكومة التركية لتجنب المزيد من تداعيات فشل رهاناتها في سوريا.
انطلاقاً من هذه العوامل المذكورة آنفاً، يمكن القول إن الحديث عن إمكانية إدامة الحرب الإرهابية لمواصلة استنزاف سورية باتت ضعيفة، وإن الجيش السوري وبدعم من حلفائه سيكون قادراً على تحرير ما تبقى من مناطق بسرعة كبيرة، وإن عام 2017 سيكون على الأرجح عام إعلان انتصار سوريا وحلف المقاومة على الحرب الإرهابية التكفيرية العالمية.
حسن حردان
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد