دمشق-باريس رؤى متبادلة:غابةمن التشكيل المعاصرالذي يستبطن المدينتين
'أوروبيا' مؤسسة علمية وأدبية في باريس، تنشط في مجالات النشر وتنظيم المؤتمرات الثقافية والعلمية وتحديداً في مجال المعلوماتية وعلاقتها بالعلوم الإنسانية والمعمارية، كما تهتم بالنشاطات الفنية من خلال 'غاليري أوروبيا' في باريس، وقد تبنت هذه المؤسسة في العام المنصرم، وبمناسبة احتفالية دمشق عاصمة للثقافة العربية، فكرة معرض مشترك ضمّ أكثر من سبعين فناناً ممن يقيمون في دمشق أو باريس، بهدف خلق أو دعم الحوار المشترك بين الشارعين الثقافي والفني في كل من العاصمتين، بحيث يتمكن الفنانون من ترجمة انطباعاتهم عما يمكن أن توحي به كل مدينة لمن يقيم في المدينة الأخرى، حتى لو كانوا أجانب فيها، أو هم لا يعرفون المدينة الأخرى مباشرة.
وقد استضاف معهد العالم العربي في باريس ذلك المعرض بتاريخ 24 تشرين الثاني/ نوفمبر/ من عام 2008 واستمر حتى 30 كانون الأول/ ديسمبر من نفس العام، وقد لاقى إقبالاً مميزاً من الجمهور الفرنسي عموماً والجمهور العربي المقيم في باريس، إذ تابعه في تلك الفترة ما ينوف عن عشرة آلاف زائر، وبينهم العديد من النقاد الذين تركوا انطباعاتهم وتحليلاتهم في مقالات وأبحاث وثّقت لهذه الظاهرة، كما أوضحت السيدة ندى كرامي منسقة المعرض في مؤسسة 'أوروبيا'.
والآن انتقل هذا المعرض إلى دمشق مع مجموعة من الفنانين المشاركين فيه، لإتاحة الفرصة أمام الجمهور السوري للاطلاع على هذه التجربة، حيث افتتح معرض 'دمشق- باريس.. رؤى متبادلة' في صالة الفن الحديث ضمن المتحف الوطني بدمشق، برعاية الدكتور رياض نعسان آغا وزير الثقافة والسيد إريك شوفالييه سفير فرنسا في دمشق وعدد كبير من الفنانين والنقاد والإعلاميين والمهتمين بالفن التشكيلي.
وتمّ في المؤتمر الصحافي الذي سبق الافتتاح توزيع كتابين الأوّل بالفرنسية والثاني بالعربية، ضمّ كل منهما صور اللوحات المشاركة، وصورة مع نبذة تعريفيّة عن كل فنان، كما وزّع كتاب بالفرنسية فقط، ضمّ انطباعات ثلاثين كاتباً عربياً وفرنسياً ممن طُلبَ إليهم تسجيل انطباعاتهم حول المدينتين، وأثر الثقافة في تجسير العلاقة ما بين المدن.
من جهته، اعتبر الوزير نعسان آغا في كلمته الافتتاحية 'أنّ أجمل ما في هذه الرؤى المتبادلة أنها تحقق إضافة جديدة للفن في العالم كله'، مضيفاً: 'أنّ الفن التشكيلي يستطيع أن يقدّم رؤية شعب وليس مجرّد رؤية فنان بمفرده.. واللوحة تنطق، ولكن الذي ينطق داخلها هو أنت عندما تستطيع إقامة جسر جمالي داخلي بينك وبينها'، فيما ركز السفير الفرنسي في حديثه على دور هذا المعرض 'كإسهام في استمرار التلاقي الثقافي والانفتاح نحو العالم في هذه النظرة أو الرؤية التي تذهب نحو المستقبل، نحو الإبداع، كما تذهب نحو الذاكرة التي يمثلها المتحف الوطني في دمشق'.
بالنسبة لنا كمشاهدين كانت فرصة أن نضيع لساعات في غابة التشكيل اللوني. مئة وأربعة وخمسون عملاً فنياً أغلبها لوحات رسم، وبعض الأعمال القليلة النحتية، إلى جانب بضع صور فوتوغرافية، كانت متاحة أمامنا، تجارب متنوعة تقنياً وأسلوبياً، ومتنوعة كمدارس واتجاهات فنية، كما هي متنوعة كتجارب وأجيال، لكنها حقيقة شكلت ما يُشبه الغابة التي تأخذك في متاهات اللون والشكل، متاهات الفن والصدى، خاصة وأنها ابتعدت عن المباشرة الواقعية وحتى الانطباعية في رسم المدينة أو الأحياء القديمة. لم نرَ دمشق أو باريس في أي من الأعمال التي رأيناها. لكن السؤال: هل يمكن للفنان أن ينفصل عن بيئته وحاضنته الثقافية؟!! أعتقد أنه بهذا المعنى حضرت كل من دمشق وباريس في خلفية الوعي والعمق الإبداعي الذي يُشكل مخزون أي فنان أصيل. رغم ملاحظة أنّ القليل من الفنانين من اجتهد لرسم شيء جديد يخص هذا الموضوع، حيث جاء أغلبهم بما تيسر من عمل سابق له، باعتبارها هويّة الإبداع التي تستبطن المدينة والحلم، تستبطن الرؤية والصدى.
شكل هذا المعرض الضخم فرصة حقيقية للاطلاع على تجارب خمسة وأربعين فناناً من باريس وثلاثين فناناً من سورية، قليل من هذه التجارب سبق لنا التعرّف إليها، وأكثر هذه التجارب كانت مجهولة بالنسبة للمشاهد السوري، وبشكل خاص أعمال الفنانين الفرنسيين أو السوريين المقيمين في باريس، وهم كثر. وكانت فرصة لنا أن نشاهد عملاً للفنان السوري بشار عيسى، الذي لم نتابعه إلا عبر وسائط الاتصال والانترنت منذ غادرنا إلى هناك.
كما ضمّ المعرض ثلاثة ضيوف شرف، كان أولهم مروان قصاب باشي السوري المقيم في ألمانيا منذ عام 1957، والذي يُعتبر أهم المجددين في التعبيرية الألمانية، إضافة لجان ميوت الذي تجاوز برأي النقاد التكعيبيّة الفرنسية والتعبيرية التكعيبية الأمريكية، وكذلك ريتشارد تسكييه الذي اهتمّ بتاريخ الفضاء، هذا الاهتمام الذي ألهمه رؤية فلكية ذاتية.
لكن الأهم في هذا المعرض تجلى بإمكانية الحوار ما بين المشاهد وتلك الكثافة التشكيلية واللونية المذهلة أولاً، إمكانية الحوار ما بين هذه الكثافة التشكيلية واللونية مع فضاء قاعة الفن المعاصر في المتحف الوطني ثانياً، وهو حوار يدعم برأيي الفكرة الأساسيّة للمعرض، والقائمة على الحوار بين مدينتين أو على الرؤى المتبادلة لهذا الكم المتنوّع من التجارب والفنانين، باعتبار هؤلاء الفنانين 'هم السفراء الحقيقيين لشعوبهم كما صرّح الملحق الثقافي في السفارة الفرنسية بدمشق أثناء المؤتمر الصحافي. هؤلاء السفراء الذين يستمر معرضهم حتى الثامن والعشرين من هذا الشهر مُشكلاً نافذة فنية وحضارية نطل من خلالها على ذلك الحوار ما بين أجيال وثقافات وتجارب مدارس تشكيلية، تغني الذائقة البصرية للمشاهدين، أو هي تساهم بإعادة صياغتها مجدداً.
الفنانون المشاركون من سورية
ابتسام الأنصاري، احمد معلا، ادوارد شهدا، انطوان مزاوي، إيمان حاصباني، باسم دحدوح، حسكو حسكو، حمود شنتوت، ريما سلمون، سامر قزح، شلبية إبراهيم، غسان نعنع، لجينة الأصيل، لطفي الرمحين، محمد الرومي، مصطفى علي، ناصر حسين، نذير إسماعيل، نزار صابور، وليد الآغا، ياسر حمود، يوسف عبدلكي، بطرس المعري.
الفنانون العرب المشاركون من باريس
إبراهيم جلال، أحمد الحجري، بشار العيسى، جورج بهجوري، حميد تيبوشي، سيمون فتال، شادي زقزوق، طريف رسلا، علا عبد الله، فاديا حداد، كاظم خليل، ماهر البارودي، محمد المفتي، منهل عيسى، هاني زعرب.
أنور بدر
المصدر: القدس العربي
إضافة تعليق جديد