زيارة الرئيس بوتين لليبيا: الأهداف والنتائج
الجمل: لم تهتم وسائل الإعلام العربية والغربية، بتغطية أخبار ووقائع زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، للعاصمة الليبية طرابلس، إضافة إلى أن التحليلات لم تتجاوز المعطيات الإخبارية العادية.
• معالم المشهد:
تقول المعلومات، بأن زيارة ليبيا ستكون الأخيرة في جدول أعمال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لأنه سيبدأ بعدها بعمليات التسليم والتسلم مع الرئيس الروسي الجديد ميدفيديف..
فترة الزيارة: استغرقت الزيارة يومان، وهي حسب البروتوكولات الدبلوماسية تعتبر فترة طويلة وملفتة للنظر بالنسبة لرئيس دولة كبرى مثل روسيا، وعلى أساس الاعتبارات الدبلوماسية، فإن فترة الزيارة الطويلة هذه، تعتبر مؤشراً لمدى أهمية الملف الليبي بالنسبة لموسكو.
أجندة الزيارة: تتناول جدول أعمال الزيارة الآتي:
- ملف الديون السوفيتية: وهي الديون العسكرية المستحقة الدفع لروسيا والتي تعود إلى الحقبة السوفيتية.
- ملف صفقات السلاح: ويتضمن مبيعات السلاح والعتاد العسكري الروسي لليبيا، التي ما تزال تعتمد في قدراتها العسكرية على حوالي 90% من العتاد العسكري والأسلحة السوفيتية (الروسية) المنشأ.
- ملف النفط: ويتضمن صفقات التعاون في مجال تكنولوجيا استخراج ومعالجة النفط، والتنسيق في التعامل مع أسواق الطاقة، إضافة إلى إفساح المجال أمام شركة غاز بروم الروسية بالاستثمار في النفط الليبي.
• بيئة الزيارة:
تمت زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى العاصمة الليبية طرابلس، ولقاءه مع الرئيس الليبي معمر القذافي، ضمن بيئة إقليمية ودولية محيطة تتضمن الآتي:
- بالنسبة لموسكو: توترت علاقات موسكو مع أمريكا والغرب خلال الفترة الماضية وذلك لجملة من الأسباب والوقائع المتعلقة بالحرب الباردة التي أصبحت أكثر سخونة على خط موسكو- واشنطن، وذلك بسبب:
- ملف توسيع حلف الناتو شرقاً على تخوم الحدود الروسية.
- ملف انفصال إقليم كوسوفو.
- ملف ضم جورجيا وأوكرانيا إلى حلف الناتو.
- ملف نشر شبكة الدفاع الصاروخي في البلدان المجاورة للحدود الروسية.
- ملف التدخل الأمريكي في منطقة القفقاس وبالذات في أذربيجان.
- ملف التدخل الأمريكي في منطقة آسيا الوسطى.
- بالنسبة لطرابلس: قدمت ليبيا الكثير من التنازلات لأمريكا والغرب، وذلك للتخلص من الضغوط الأمريكية والغربية التي تزايدت وامتدت لفترة طويلة ضد ليبيا، وكان من أبرز تنازلات القيادة الليبية:
- تفكيك برامج أسلحة الدمار الشامل الليبية وتسليمها لأمريكا والغرب.
- تسليم الممرضات البلغاريات اللائي تم الحكم عليهن بالإعدام بسبب إدانتهن رسمياً بتعمد نقل فيروس الإيدز القاتل مما يترتب عليه موت مئات الأطفال الليبيين.
- تقديم التسهيلات للتحركات الغربية، ومن أبرزها تسهيل القيادة الليبية لمرور التعزيزات العسكرية الفرنسية التي أنقذت نظام الرئيس التشادي إدريس ديبي الموالي لأمريكا وفرنسا وإسرائيل من الانهيار على أيدي المعارضة المسلحة التشادية التي كانت تحاصره داخل القصر الرئاسي في العاصمة التشادية انجيمينا.
• النوايا الروسية على خلفية الزيارة:
تشير الوقائع الجارية، إلى أن واشنطن، تخطط إلى اقتسام نفوذها على البلدان العربية النفطية، بينها وبين حلفاءها الأوروبيين، وذلك على أساس اعتبارات أن تكون ليبيا وبدرجة أقل الجزائر البلدان النفطية العربية المخصصة للنفوذ الأوروبي، وبالذات بالنسبة للشركات الفرنسية والإيطالية وبدرجة أقل الألمانية، بينما تنفرد أمريكا بالسيطرة والنفوذ على السعودية وبلدان الخليج العربي والعراق إضافة إلى أذربيجان ودول آسيا الوسطى وعلى وجه الخصوص تركمانستان.. وتشير المعطيات إلى أن المسرح النفطي الليبي- الجزائري سيكون بمثابة التعويض لفرنسا وألمانيا وإيطاليا عن نفط إيران، المتوقع خسارته في حالة اندلاع الحرب الإيرانية- الأمريكية (الإسرائيلية)، التي باتت متوقعة الحدوث، إضافة إلى تعويض فرنسا لخسائرها النفطية التي ترتبت على الاحتلال الأمريكي للعراق..
محاولة موسكو تهدف إلى استعادة الحيوية للعلاقات بين موسكو وطرابلس، وهي العلاقات التي فقدت حيويتها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب البادرة، ومن أبرز المزايا التي يمكن أن تحصل عليها موسكو، نجد ما يلي:
- في حال نجاح صفقة سلاح ليبية- روسية جديدة، تكون موسكو قد نجحت في قطع الطريق أمام شركات السلاح الفرنسية الرامية إلى السيطرة على السوق الليبي.
- في حال نجاح صفقة التعاون النفطي الروسية- الليبية، تكون موسكو قد نجحت في قطع الطريق أمام شركات النفط الفرنسية والإيطالية، وذلك لأن وضع الشركات الروسية يدها على مساحات واسعة من المناطق المخصصة للتنقيب عن النفط، سيترتب عليه تقليل الفرص أمام حصول الشركات الفرنسية والإيطالية على مناطق تنقيب جديدة.
وتقول التسريبات، بأن موسكو تهدف إلى فرض سيطرتها الطويلة الآجل على شركة النفط الإيطالية العملاقة المعروفة باسم إي إن آي «ENI» وبكلمات أخرى تعتبر شركة إي إن آي الإيطالية واحدة من كبريات الشركات النفطية في الاتحاد الأوروبي، ولكنها بسبب سيطرة الولايات المتحدة على النفط السعودي والخليجي والعراقي، أصبحت تواجه الكثير من المشاكل في الإيفاء ومقابلة التزاماتها النفطية الطويلة الأجل، وليس من مجال أمام هذه الشركة الإيطالية سوى اللجوء إلى مخرج وضع يدها على حقوق النفط الليبية، ولكن في حالة نجاح اتفاق التعاون النفطي الروسي- الليبي، فلن يكون أمام الشركة الإيطالية سوى ترتيب أمورها وتوقيف أوضاعها النفطية التجارية مع شركة غاز بروم الروسية حصراً وهذا أمر سوف يتيح لروسيا المزيد من المزايا التفضيلية في استخدام ملف النفط في علاقات روسيا مع الاتحاد الأوروبي:
- لن يكون هناك مهرب أمام دول الاتحاد الأوروبي لتفادي تدخل موسكو وتأثيرها على معاملات دول الاتحاد الأوروبي النفطية.
- لن تجد دول الاتحاد الأوروبي بديلاً يتيح لها التخلي عن خيار الاعتماد على تمديد خط أنابيب نقل النفط والغاز الروسي لأراضيها.
أما بالنسبة لملف مستحقات روسيا من الديون الليبية العسكرية التي تعود إلى حقبة الاتحاد السوفيتي السابقة، فتقول المعلومات بأن الرئيس فلاديمير بوتين قد أعلن رسمياً عن إعفاء حوالي 4 مليار دولار من مستحقات هذه الديون.. وعلى أساس الاعتبارات الاقتصادية الدولية، فإن قرار الإعفاء الروسي من الممكن أن يترتب عليه النتائج الآتية:
- تزايد ورفع طاقة الاستدانة الليبية، وذلك لجهة توافر هامش جديد يتيح سقفه لليبيا الحصول على المزيد من مزايا الحصول على السلاح والعتاد العسكري الروسي.
- تقليل مخاوف روسيا من خطر حدوث حالات إعسار في السداد، كان يمكن أن تحدث لو تفاقمت أزمة الديون العسكرية المتراكمة وتجاوزت الخطوط الحمراء المتعلقة بقدرة الاقتصاد الليبي على الإيفاء والسداد.
- فتح شهية القيادة الليبية الهادفة للحصول على المزيد من القدرات العسكرية، وإعادة بناء الترسانة العسكرية الليبية بما يعزز قدرات الردع الليبي في مواجهة المخاطر المستقبلية.
ولكن، بين متفائل ومتشائم حول مدى قدرة موسكو على إعادة الحيوية لملف علاقات طرابلس- موسكو على غرار النموذج الذي كانت عليه خلال فترة الاتحاد السوفيتي السابق، هناك من يقول بأن موسكو قد تأخرت كثيراً في عملية الوقوف إلى جانب ليبيا خلال محنتها السابقة، والآن بعد أن بدأت بوادر الانفراج ونجاح القيادة الليبية في فتح خط طرابلس- باريس، وأيضاً بسبب تجاوز ليبيا لمحنة شح الأموال والأرصدة الأجنبية، فمن الممكن أن تواجه موسكو قدراً من التردد والمماطلة الليبية إزاء شراء أو عدم شراء الأسلحة والعتاد العسكري الروسي، ولكن الأكثر احتمالاً هو أن تقرر ليبيا في نهاية الأمر المضي قدماً في عقد الصفقات العسكرية مع موسكو خاصة وأن باريس لن تستطيع تزويد ليبيا بالقدرات العسكرية، إلا بعد أخذ الموافقة المسبقة من واشنطن، والتي لن توافق لباريس إلا بعد أخذ الموافقة المسبقة من تل أبيب.. والتي بالطبع لن توافق مطلقاً..
الجمل قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد