عندما أصبح للصحافة البريطانية ضمير
اكتسب النقاش حول قضية اللاجئين زخماً هائلاً منذ مساء يوم الأربعاء الماضي، عندما نُشرت الصور الأولى للطفل السوري، إيلان الكردي، وقد لفظه البحر جثةً هامدةً على السواحل التركية. في صباح اليوم التالي، خصصت 9 من أكبر الصحف البريطانية، إضافة إلى العديد من الصحف المحلية والإقليمية، كامل صفحاتها الأولى لنشر صورة الطفل السوري الغريق، مستخدمةً عناوين مختلفة تتعاطف مع اللاجئين السوريين وتطالب الحكومة البريطانية بالتصرف.
صحيفة «ذا صن» اليمينية، أكثر الصحف توزيعاً في المملكة المتحدة، عنونت «انتهت عطلة الصيف يا سيد كاميرون، الآن تعامل مع أكبر أزمة تواجه أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية». وسارت الصحف اليمينية الأخرى، مثل «دايلي مايل» و«دايلي تيليغراف»، على خطى «ذا صن».
أما الصحف اليسارية، فاستخدمت نبرةً أعلى. فقد أفردت صحيفة «دايلي ميرور» صفحتها الأولى لصورة إيلان، وعنونت: «لا يُحتمل». وعلى المنوال نفسه سارت الصحف اليسارية الأخرى، مثل «الغارديان» و«الإندبندنت». وقد علّق أحد المواقع التابعة لصحيفة «الإندبندنت» على الطريقة التي تعاملت فيها الصحف البريطانية مع خبر الطفل السوري الغريق بالقول، «اليوم الذي أصبح فيه لوسائل الإعلام البريطانية ضمير، أخيراً». صحيفة «الإندبندنت»، وإن كانت من الصحف القليلة التوزيع (أقل من 70 ألف نسخة يومياً، مقارنةً بـ2.25 مليون نسخة لـ«ذا صن»)، كانت الأعلى صوتاً والأكثر نشاطاً في مخاطبة الرأي العام البريطاني والضغط على الحكومة البريطانية. فقد دعت الصحيفة البريطانيين إلى التوقيع على عريضة تطالب الحكومة البريطانية بأن «تقبل حصتها من اللاجئين الباحثين عن الأمان في أوروبا»، وطلبت من الموقّعين على العريضة أن يقوموا بالتقاط صور لأنفسهم وهم يحملون لوحة تقول «أهلاً باللاجئين»، وأن يقوموا بنشرها على تويتر باستخدام الهاشتاغ refugeeswelcome#، أي «أهلاً باللاجئين». ووقّع العريضة، خلال الساعات الأربع والعشرين التالية للإعلان عنها، أكثر من 270 ألف بريطاني.
وكان من بين من قام بالتوقيع على العريضة عدد من السياسيين البريطانيين، إضافة إلى بعض المشاهير من فنانين وكُتاب ورياضيين. ومن أبرز هؤلاء السياسيين كانت إيفيت كوبر، عضو حزب العمال في مجلس العموم ووزيرة الداخلية في حكومة الظل (الحكومة التي تشكلها المعارضة للرقابة على أداء الحكومة). دعت كوبر مواطنيها إلى التوقيع على عريضة «الإندبندنت»، وخاطبت كاميرون قائلةً، «بريطانيا الشائِنة لا تزال ترفض تقديم المأوى لللاجئين البائسين. يجب علينا ألا ندير ظهورنا». كذلك خاطبت كوبر رؤساء البلديات، ودعتهم إلى بذل المزيد من الجهود لمساعدة اللاجئين، مقترحة أن تستقبل بريطانيا 10 آلاف لاجئ سوري. ومن الجدير بالذكر هنا أن عدد السوريين الذين استقبلتهم الحكومة البريطانية خلال العام الماضي كان 216 لاجئاً فقط. وقد أثار الكشف عن هذا الرقم الضئيل استياء الكثير من البريطانيين، لا سيما أن التقارير تقول إن ألمانيا، على سبيل المثال، استقبلت عشرات ألوف السوريين خلال الفترة نفسها، ولا تزال تعمل على استقبال المزيد منهم (أعلنت المستشارة الألمانية أن بلادها تستعد لاستقبال حوالى 800 ألف لاجئ العام الجاري)، بينما ترفض الحكومة البريطانية القيام بإجراءات مماثلة أو القبول، على الأقل، بتوزيع اللاجئين السوريين على الدول الأوروبية وفق نظام محاصصة، وليس وفقاً لاتفاقية دبلن التي تنص على منح اللجوء في أول دولة أوروبية يصلها اللاجئ.
أثار هذا الموقف الحكومي الكثير من الانتقادات الحادة. وقال أليكس سالموند، عضو مجلس العموم عن اسكتلندا، ورئيس الوزراء الاسكتلندي السابق، «إن عدم تحرك ديفيد كاميرون هو شيء مثير للخجل، وهو يسبب الخجل لشعب هذه البلاد». ولم تأتِ الضغوط على كاميرون من السياسيين المعارضين فقط، بل جاءت أيضاً من صفوف حزبه هو، حزب المحافظين. فقد طالب بوريس جونسون بأن تتصدى لندن لواجباتها الأخلاقية وتستقبل المزيد من اللاجئين السوريين. وجونسون هو عمدة لندن، وهو أيضاً عضو بارز في الحكومة البريطانية، وعضو في مجلس العموم، وهو من أبرز المرشحين لخلافة ديفيد كاميرون في رئاسة حزب المحافظين في عام 2020.
كوبر: بريطانيا الشائِنة لا تزال ترفض تقديم المأوى للّاجئين البائسين
ويبدو أن هذه الضغوط الشعبية والسياسية قد دفعت كاميرون إلى تغيير موقفه من قضية اللاجئين السوريين، وهو كان، في الشهر الماضي فقط، قد وصف اللاجئين الذين يحاولون عبور القنال الإنكليزية بتعبير «swarm»، الذي يُستخدم عادة في الإنكليزية لوصف أسراب الحشرات. وصباح يوم الخميس الماضي، عندما «أصبح لوسائل الإعلام البريطانية ضمير»، رد مكتب رئيس الوزراء على المطالبات بأن تقوم الحكومة البريطانية بفعل المزيد بالقول إن «الحكومة البريطانية تقوم بما يكفي». ولكن مع تصاعد الضغوط الشعبية، أعلن كاميرون في وقت لاحق أن الحكومة البريطانية تدرس القيام بالمزيد من الخطوات لمساعدة اللاجئين السوريين.
وظهيرة يوم أمس، وعقب لقائه برئيس الوزراء البرتغالي في لشبونة، أعلن كاميرون أن حكومته قررت استقبال عدة آلاف من اللاجئين السوريين، ولكن من دون أن يحدد رقماً دقيقاً، ومن دون أن يحدد إن كانت بريطانيا ستقبل بتحديد حصص من اللاجئين البريطانيين تستقبلها جميع الدول الأوروبية. وفيما رحّب السياسيون الذين كانوا يطالبون باستقبال المزيد من اللاجئين بهذا الإعلان، طالبوا المواطنين البريطانيين بالاستمرار في الضغط على الحكومة. هذا وأطلق ناشطون دعواتٍ للمشاركة في مسيرة تعبر شوارع لندن في الثاني عشر من أيلول الجاري. وفيما وُجّهت الدعوات عبر موقع التواصل الاجتماعي، «فايسبوك»، إلى قرابة 300 ألف شخص، أكد أكثر من 75 ألف شخص، حتى عصر أمس، مشاركتهم في المسيرة.
وبعيداً عن لغة التعاطف والإنسانية، يرى بعض المحللين السياسيين أن مصلحة بريطانيا تقتضي مساندة ألمانيا في قضية اللاجئين السوريين، والقبول بالطرح الألماني الداعي إلى فرض الحصص على الدول الأوروبية، وذلك لكي تنال هي في المقابل مساندة ألمانيا لطلبها تعديل بعض قوانين الاتحاد الأوروبي التي تسمح بتنقل الأوروبيين ضمن دول الاتحاد الأوروبي والإقامة والعمل فيها، أو تلقي الإعانة من حكومة البلد المضيف. فبريطانيا تعاني من الأعباء المالية نتيجة إقامة مئات ألوف الأوروبيين القادمين من أوروبا الشرقية، الذين يتلقى كثير منهم إعانات بطالة وتعويضات سكن. في نهاية المطاف، إنها المصالح المتبادلة.
محمد الفتيح- الأخبار
--------------------------------------------------------------------------------
أعلن المتحدث باسم الحكومة الألمانية، ستيفن سايبرت، أمس، أن بلاده تريد من الاتحاد الأوروبي أن يشدد قواعد منح اللجوء لمواطني دول غرب البلقان (كرواتيا وسلوفينيا والجبل الأسود وكوسوفو وألبانيا والبوسنة والهرسك ومقدونيا)، وذلك عبر تصنيف هذه البلدان بـ«الآمنة». وقال سايبرت إن «دول غرب البلقان، التي تقع على طريق أوروبا ويتطلع بعضها إلى الانضمام (إلى الاتحاد الأوروبي)، لا يمكن أن تكون بلداناً تشهد ملاحقات سياسية أو حروباً أهلية جارية، أي أوضاعاً تتطلب حماية». ويرى مراقبون أن الموقف هذا يبيّن حقيقة أن الاعتبار الأساس في اهتمام القوى المسيطرة في أوروبا ببلدانها «الأطراف»، لا سيما الشرقية منها، يتمحور حول اعتبارات حلف شمال الأطلسي الجيو ــ استراتيجية في مواجهة روسيا، ويعرّي الخطاب الأوروبي حول «وحدة» القارة.
وثمة تناقض آخر يفرض نفسه على الاتحاد الأوروبي، غير التناقض بين دول «المركز» و«الأطراف» في القارة، وهو صعود الفاشية من جديد، بالتوازي مع توسع الفروقات الطبقية داخل كلٍ من بلدان الاتحاد. ويوم أمس، أعلن هانز غورغ ماسين، رئيس مكتب حماية الدستور (الاستخبارات الداخلية)، الألماني، أنه يتخوف من ظهور «إرهاب يميني متطرف» في بلاده، حيث تقوم مجموعات راديكالية صغيرة بحملة ضد التدفق الكثيف للمهاجرين. وفي مقابلة مع صحيفة «در تاغسشبيغل»، قال ماسين: «في أجواء محمومة كهذه، لا يمكننا أن نستبعد تشكل مجموعات (من اليمين المتطرف) مستعدة للقيام بأعمال إرهابية». وكشف رئيس الاستخبارات الداخلية الألمانية أنه «في النصف الأول من 2015، ازدادت أعمال العنف المتصلة باليمين المتطرف، مع ارتفاع عدد طالبي اللجوء. وليس من المتوقع حصول تغيير في هذا الاتجاه في النصف الثاني» من العام الجاري.
(الأخبار، أ ف ب)
إضافة تعليق جديد