غراسيا العوض : رسولة سورية المضيئة في فضاء الأرجنتين
من حياتها نظمت القصيدة وفي اسمها ايحاء من قدرها فهو من سبقها إلى أرض بعيدة وكأنه يعلم أنه سيأتيها يوما.. إنها الشاعرة والإعلامية السورية الشابة غراسيا العوض التي دخلت الأدب اللاتيني وأبدعت في الأدب العربي من بلد اغترابها الأرجنتين.
"وتصير هوية الصباح سورية.. واسمه وكنيته ولون عينيه وبشرته حتى الشامة الذهبية في كتف السماء.. سورية" بهذه الكلمات افتتحت الشاعرة السورية غراسيا العوض حديثها مع نشرة سانا الشبابية عن بداية قدرها ورحلتها مع الشعر قائلة: "في سنواتي المدرسية الأولى كان هناك شيء ما يشدني إلى نصوص الأناشيد والقصائد في كتاب القراءة وكثيرا ما كنت أختبئ لأقلد الشعراء في إلقائهم لكني لم أكن أعرف أن الكلمات سترهقني يوما وأنني سأصنع من الأوراق الملونة سرا طفوليا لعالمي الصغير إلى أن وجدت نفسي في أول خطاي عندما فزت في آخر سنوات الابتدائية بمسابقات الرواد الطليعيين عن فئة الفصاحة والخطابة والشعر".
وتتابع غراسيا.. "بدأ مشواري الصغير في السنوات اللاحقة عندما قرأت معلمة اللغة العربية نصوصي على دفتر المادة فصارت تناديني بالشاعرة وكنت وقتها في الصف العاشر وكانت الكتابة بالنسبة لي حينها مجرد دهليز سحري إلى عوالم محاطة بقلق وجودي لم أكن أفهمه وظل يرافقني إلى أن خرجت نصوصي الأولى للضوء في التسعينيات على احدى صفحات مجلة الرياضة والشباب التي تصدر في إمارة دبي والتي صار اسمها فيما بعد مجلة "الأسرة العصرية".
لم تستمر هذه التجربة طويلا إذ قطع سفر غراسيا إلى الأرجنتين صلتها باللغة العربية لتتجه بعد ثلاث سنوات من إقامتها هناك إلى العمل الإذاعي وكانت تفتح برنامجها في أغلب الأحيان بقصائدها الاسبانية فتقول الشاعرة: "وجدت فيها لغة تماثل العربية بجماليتها وثراها فتعرف الناس ممن كانوا يستمعون لبرنامجي على نصوصي ثم أخذت الجريدة الرسمية بنشر بعضها ما جعلها تصل إلى شريحة أكبر من الناس".
وتعتبر غراسيا الشعر فهم للكون بأكثر من طريقة موضحة.. "أخضع الشعر تحت رحمة سؤالي دون شفقة أن أحيطه بي لأخرج منه بالأسئلة أو ربما أجد الأجوبة بأكثر من طريقة دون أن أنسى أن حريتي معلقة على منجل السؤال".
وفي نفس الوقت لا تؤطر الشاعرة غراسيا الشعر بمفهوم فلسفي وحيد فالشعر بالنسبة لها حر بما فيه الكفاية ليحطم الأسوار إلى المروج ويسكب الدهشة على التفاصيل والجزئيات التي تلامس وجداننا بكل بساطتها.
وترى غراسيا أن رسالة الشعر موجودة منذ بدء الكون والوجود وبدأ الإنسان رحلته في استكشاف عوالمه المحيطة به فبالشعر اخترع أساطيره وآلهته لكنه لم يستطع الحفاظ عليها فيما هو خارج الشعر لذلك ربما تمزقت رسالته وتقول: "الشعر هو صرختي في وجه البشاعة لكنها ما زالت صرخة هشة أمام ما يرعبني في هذا العالم".
وأضافت غراسيا على القصيدة بريقا آخر كبريق دموع الحزن ودموع الفرح التي زادت حنينها وأغنت تجربتها باطلاعها على تجارب الأدب اللاتيني حيث تصف هذه التجربة بقولها: "إن اطلاعي وتجربتي منحاني فرصة أن أعبر فضاءات مختلفة في عالم القصيدة التي أكتبها بالاسبانية منذ عام 2006 فالشعر صديق الغربة التي تجعل من كل مغترب شاعرا مخنوقا بالحنين".
واطلعت غراسيا على أغلب أنواع الشعر العربي والإسباني لكن أكثر ما يجذبها هو الشعر الملحمي ومايسمى بقصيدة النثر وترى أن الشعر يحتاج إلى استمرارية ونضوج الموهبة ويرتبط بشكل عضوي بالمعرفة فلا شعر دون معرفة بالتاريخ والفيزياء والطبيعة والإنسان.
واعتبرت غراسيا أن ما يحدث في سورية حرب حقيقية ألبستها أياد لم تعد خفية أسماء جميلة تدغدغ العواطف لتزج به وقودا لمهرجان دماء يعود ريعه لصالح سياسات الاستعمار الجديد".
وبشغف تنتظر غراسيا العودة الى الوطن الذي تقول إنها ترفع رأسها به عاليا أينما كانت وكلما ذكر اسمه وتتمنى أن تكون في خندق الجيش العربي السوري البطل الذي سيعيد لسورية مجدها لتشاركه في كتابة اسمها على الشمس التي لا تغيب فتقول: "سأهديك كل قصائد ما بعد الحرب.. أما الآن أعطني أنت البندقية".
وعبرت غراسيا التي أسماها محبوها بـ "السيدة السورية التي تعشق الوطن" عن حبها للوطن بقولها: "الوطن حاضر في قلبي ووجداني وفي الهواء الذي اتنفسه وفي الدمعة التي تغفو على وسادتي فهو كلمتي التي لم أقلها بعد وهو صرختي المحاصرة بالرمل و البارود والغصة التي تقيم في حنجرتي وهو ما سأقول إلى ما لانهاية".
وتقول الشاعرة غراسيا للوطن: "لكل امرأة رجل وأنا سأختار وطني التفوا حولي سوارا في معصم العرس واقطفوا لي الياسمين من كفيه ثوبا أبيض الحمام لا غامض الضباب وحنوا لي يدي من وردة طلعت على حافة نهره مسايرة للتاريخ لا من جدول دم يحمل جسده على خشب الغياب ارفعوا لي على متن الصلاة آيات من سفر حبه لا أغان سقطت من عربات الريح في وجع الكتاب ودعوني أحل من أجله ضفائري أهرق على قدميه نبيذي.. أغسل بدموعي جراحه.. دعوني اليوم معه فلا خطيئة بيني وبينه تتربص خلف الباب.. أرتدي اسمك يدثرني على أرصفة الغربة الباردة يشعرني بذلك الدفء الذي لطالما بحثت عنه فيك.. أطوي عتبي عليك في كل محطة وأستعير وجهك لكل المواسم لكي أصير أنا.. أنا أولست هويتي.. أولست أنتمي لسين السيف الدمشقي المعلق على واجهة التاريخ.. لواو الورد الجوري الطالع من كتب العشاق على ضفاف راء الرئة التي تتنفس حضورك في عز الغياب.. لياء النهايات التي عقدت قرانها على ألف الأبجدية الأولى الشامخة إلى السماء تسطر.. أنت سيدة النهايات وأنت كل بداية".
وعملت غراسيا العوض في مجال الإعلام المرئي بعد تجربة 5 سنوات من العمل الإذاعي في قسم البرامج الثقافية وتحاول من خلاله أن تنقل صورة الوطن الثقافية والحضارية والسياحية وترصد قدر المستطاع مجريات الساعة كما عملت سابقا في مجال التدريس ثم انتقلت للعمل بعد في البرلمان الأرجنتني في قسم الترجمة والاستشارات الثقافية.
وتأثرت أعمال وتجربة غراسيا الشعرية بالشاعر الأرجنتيني خوان خيلمان الذي عانى من الحروب والمنفى والتراجيديات حيث تستذكر كلمته أثناء تسلمه جائزة سيرانتس للأدب في اسبانيا.. "هذا العالم التافه الذي نعيش به حيث كل ثلاث ثوان يموت طفل دون الخامسة بسبب الفقر والجوع والأمراض لكن هناك الشعر يقف على قدميه في وجه الموت" فليقف الشعر اليوم إلى جانب الأطفال في وجه الموت في حرب لا يد لهم فيها ومع الإنسان ضد آلة الحرب التي صنعها الإنسان وليعيد لنا أحلام المدينة التي طرد منها أفلاطون الشعر والشعراء".
وأصدرت الشاعرة غراسيا ديوانها الأول باللغة الاسبانية عام 2008 بعد إقامتها في المهجر بخمس سنوات ونال تكريما من البرلمان ومؤسسات محلية أخرى واستخدمت نصوصه في مسرحية حصدت عدة جوائز أرجنتينية.
غراسيا العوض من مواليد مدينة حماة عام 1975 ولها نصوص عربية عديدة منشورة في مجلة أوغاريت السورية وتعيش حاليا في مدينة سانتياغو ديل استيرو الأرجنتينية وتحضر لديوانها الثاني ولها عدة مشاركات في مهرجانات دولية وأرجنتينية وفعاليات ثقافية أخرى.
مها الأطرش
المصدر: سانا
إضافة تعليق جديد