فارس الخوري.. الأب الروحي للسياسة السورية المعاصرة
فارس الخوري (20 تشرين الثاني 1873 – 2 كانون الأول 1962) رجل دولة سوري، ووزير ورئيس وزراء ورئيس برلمان والأب الروحي للسياسة السورية المعاصرة؛ ولد في قرية الكفير التابعة حاليا لقضاء حاصبيا (التي كانت آنذاك جزءاً من سورية). وفي عام 1914، انتخب نائباً عن دمشق في مجلس مبعوثان العثماني.
بعد الاحتلال الفرنسي لسورية، أسس فارس الخوري وعبد الرحمن الشهبندر، وعدد من الوطنيين في سورية، حزب الشعب رداً على استبداد السلطة الفرنسية، وعندما قامت الثورة السورية الكبرى عام 1925 اعتقل فارس الخوري وآخرون، ونُفُوا إلى معتقل أرواد، ثم نُفي إلى خارج البلاد بسبب استقالته من منصب وزير المعارف في حكومة أحمد نامي بك احتجاجاً على سوء نوايا الفرنسيين.
شارك فارس الخوري وعدد من الوطنيين في تأسيس الكتلة الوطنية، وكان نائباً لرئيسها يضع القرارات ويكتب منشوراتها، وهذه الكتلة قادت حركة المعارضة والمقاومة ضد الفرنسيين، وكانت من أكثر الهيئات السياسة حضوراً وفوزاً لمدة تقارب عشرين عاماً.
بعد تاريخ من النضال ضد الفرنسيين أصبح فارس الخوري رئيساً لوزراء سورية، من 14 تشرين الأول 1944 إلى 1 تشرين الأول 1945، ومن تشرين الأول 1954 إلى 13 شباط 1955.
ارتقاء الخوري لأعلى مصاف السياسة السورية كان مثار إعجاب، لكونه مسيحياً، وهو دلالة على روح التسامح السائدة آنذاك. ومنصبه كرئيس وزراء هو، حتى اليوم، أعلى منصب لسياسي مسيحي سوري.
من أحد المواقف المشهورة عندما كان سفيراً لسورية في الأمم المتحدة، أنه دخل إلى مقرّها بطربوشه الأحمر وبذّته البيضاء الأنيقة، وقبل موعد الاجتماع الذي طلبته سورية من أجل رفع الانتداب الفرنسي عنها بدقائق، اتجه مباشرةً إلى مقعد المندوب الفرنسي لدى الأمم المتحدة وجلس على الكرسي المخصص لفرنسا. بدأ السفراء بالتوافد إلى مقر الأمم المتحدة بدون إخفاء دهشتهم من جلوس ‹فارس بيك› المعروف برجاحة عقله وسعة علمه وثقافته في المقعد المخصص للمندوب الفرنسي، تاركاً المقعد المخصص لسورية فارغاً. دخل المندوب الفرنسي، ووجد فارس بيك يحتل مقعد فرنسا في الجلسة، فتوجه اليه وبدأ يخبره أن هذا المقعد مخصص لفرنسا، ولكن فارس بيك لم يحرك ساكناً، بل بقي ينظر إلى ساعته… دقيقة، اثنتان، خمسة… استمر المندوب الفرنسي في محاولة ‹إفهام› فارس بيك بأن الكرسي المخصص له في الجهة الأخرى ولكن فارس بيك استمر بالتحديق إلى ساعته: عشر دقائق، أحد عشرة، اثنا عشرة دقيقة وبدأ صبر المندوب الفرنسي بالنفاذ واستخدم عبارات لاذعة، محاولاً إخراجه من مقعد فرنسا بالقوة، ولكن فارس بيك تشبّث بالمقعد واستمر بالتحديق بساعته، تسع عشرة دقيقة، عشرون، وعند الدقيقة الخامسة والعشرين، تنحنح فارس بيك، ووضع ساعته في جيبه، ووقف بابتسامة عريضة تعلو شفاهه وقال للمندوب الفرنسي: سعادة السفير، جلست على مقعدك لمدة خمس وعشرين دقيقة فكدت تقتلني غضباً وحنقاً، سورية استحملت سفالة جنودكم خمس وعشرين سنة، وآن لها أن تستقل.. في هذه الجلسة نالت سورية استقلالها، وفي عام 1946، جلى آخر جندي فرنسي عن سورية، وكان استقباله عند عودته في مطار دمشق من أجمل احتفالات سورية بالخوري.
الأيام
إضافة تعليق جديد