كباش صيني ـ أميركي في البحر الأصفر
بينما تبدو واشنطن مصممة على فرض هيبتها في شبه الجزيرة الكورية بإرسال ثلاث حاملات طائرات نووية للمشاركة في مناورات بالذخيرة الحية في البحر الأصفر الاثنين المقبل، طرأ تطوّر مهم في الجانب الصيني من شأنه تغيير قواعد المواجهة الباردة بين القوتين الأقوى اقتصادياً في العالم. من طوكيو، أعلن قائد قوات البحرية الأميركية، الأدميرال روبرت ويلارد، أن الصين أجرت تجارب ناجحة على صاروخ بحري يهدد بتدمير حاملات الطائرات الأميركية حتى من مسافة مئات الآميال. صاروخ من شأنه تحييد دور حاملات الطائرات الاستراتيجية الأميركية التي لم يتحدَّها أحد منذ هجوم بيرل هاربر في كانون الأول 1941.
ومن وجهة نظر صينية، يعدّ إرسال ثلاث حاملات طائرات أميركية إلى البحر الأصفر قرب كوريا الشمالية إنذاراً بتصعيد خطير في المواجهة بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة من جهة، وكوريا الشمالية وأصدقائها من جهة ثانية. ويرى اللواء في أكاديمية العلوم العسكرية الصينية، لو يوان، «أن وجود ثلاث حاملات طائرات في منطقة واحدة سيفسّر بأنه علامة على الاستعداد للحرب». وحذّر من أن التحركات الأميركية لم تعد تهديداً لكوريا الشمالية وحدها، بل «لقوى السلام»، في إشارة إلى الجهود الدبلوماسية الصينية ـــــ الروسية الرامية إلى منع نشوب نزاع نووي في تلك المنطقة الاستراتيجية لمجموعة من أقوى الدول في العالم.
وجاء تطوير الصين للصاروخ المخلّ بقواعد الاشتباك ليثير قلقاً شديداً في واشنطن وينذر بتصعيد سباق التسلح بين القوة الاقتصادية والعسكرية الأميركية المتردية، والقوة الاقتصادية والعسكرية الصينية الصاعدة، ولا سيما أن بكين أعلنت قبل وقت قصير عزمها على بناء أول حاملة طائرات في تاريخها، بعدما أنتجت في عام 2004 أول غواصة قادرة على إطلاق صواريخ نووية تطال ساحل الولايات المتحدة الغربي.
وحسب التقارير الأولى عن صاروخ «دونغفنغ 21 دي» فإنه يجري توجيهه بواسطة الأقمار الاصطناعية أو بطائرات من دون طيار فضلاً عن الرادارات. أمر من شأنه جعل حاملات الطائرات، التي يكلف تشغيل الواحدة منها أكثر من عشرة مليارات دولار سنوياً، لقمة سائغة للصاروخ.
وكشف مراقبون عسكريون غربيون أن الصين بدأت إنتاج محركات صاروخية منذ العام الماضي استعداداً لإقامة قاعدة صاروخية نووية في مدينة شاوغوان الساحلية الجنوبية. وربط المحللون بين إطلاق عدة صواريخ تجريبية جديدة وبين السلاح الصاروخي البحري الذي يثير قلق واشنطن.
ونسب مراسلون غربيون في اليابان إلى خبراء قولهم إن بكين «طوّرت وأجرت بنجاح تجارب على أول نظام عالمي ينطلق من قواعد بريّة قادر على استهداف مجموعة من حاملات الطائرات المتحركة من مسافة بعيدة وأدخلته الخدمة».
إلا أن الأدميرال ويلارد شكك في إمكان تشغيل النظام في وقت قريب، متوقعاً أن تستمر التجارب عليه لعدة أعوام. فاختبار الصاروخ في البر أسهل بكثير من اختباره في البحر، عدا عن أن الصين في حاجة إلى إطلاق المزيد من الأقمار الصناعية لتمكنها من تعقب الأهداف المتحركة لحظة بلحظة.
هذا التطور يجعل الولايات المتحدة، التي اعتمدت هذا العام أكبر ميزانية حربية في تاريخها (680 مليار دولار في مقابل 35 ملياراً ميزانية روسيا الدفاعية، و78 مليار دولار ميزانية الصين الدفاعية)، مضطرة إلى تغيير أسلوب نشر حاملات الطائرات وربط حركتها بحركة الأسطول الحربي الجوي للحماية. أمر من شأنه زيادة الأعباء المادية واللوجستية عليها كثيراً. وتشعر الصين بأن التحديات العسكرية في شبه الجزيرة الكورية يهددها بصورة غير مباشرة. إذ لا يمكن ضمان استمرار نهضة الصين الاقتصادية السريعة من دون حماية مجالها البحري والجوي وحماية طرق وصول إمداداتها من المواد الأولية والطاقة والمواد الخام من أفريقيا والشرق الأوسط. ومقتل الصين الحقيقي، بالرغم من قدراتها المالية الضخمة، يكمن في سطوة الولايات المتحدة على كل البحار التي تمر بها تجارتها، ولا سيما المؤدية إلى سواحلها على المحيط الهادئ.
وفي السنوات العشر الأخيرة حصلت الصين على مجموعة من المنظومات الدفاعية الروسية المتطورة، شملت مدمّرات من طراز «سوفريمني» وطائرات قاذفة من طراخ «سوخوي أس. يو.27» و«سوخوي أس. يو.30». وغواصات من طراز «كيلو» تعمل بالديزل والكهرباء. ونجحت في إنتاج فرقاطات ومدمرات تشمل طراز «052 سي» التي تحمل صواريخ موجهة. واستطاعت إنتاج الغواصة النووية من طراز «جين». مع ذلك يشعر الصينيون بأن مشوار تطوّرهم الحربي لا يزال طويلاً.
والأمر يعود بالطبع إلى الهوة الشاسعة بين الإنفاق الأميركي الهائل في مجال الأبحاث والتطوير (1.4 تريليون دولار في آخر خطة ونظيره الصيني الذي يقاس بعشرات مليارات الدولارات). ولوحظ أن الصين تأتي في الترتيب الثاني في استيراد التكنولوجيا الحربية الإسرائيلية، ولا سيما في مجال الطائرات بدون طيار.
تأتي التطورات والسخونة في المواقف الصينية والغربية قبيل زيارة مقرّرة لواشنطن يقوم بها الرئيس الصيني هو جينتاو الشهر المقبل. وكانت البحرية الأميركية قد شكت في تشرين الثاني الماضي من أن السفن الصينية ضايقت البحرية الأميركية في المياه الدولية. وأعرب الأدميرال مايك مولين، رئيس الأركان المشتركة في الولايات المتحدة، عن قلقه حيال توجهات الصين العسكرية رافعاً تصريحاته من مستوى الفضول إلى القلق.
نزار عبود
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد