كيف تعمل واشنطن على برمجة إفشال مؤتمرها للسلام
الجمل: أعلنت الإدارة الأمريكية على لسان رئيسها جورج دبليو بوش، عن الدعوة لعقد المؤتمر الدولي لسلام الشرق الأوسط، في واشنطن، وإزاء المواقف الأمريكية غير المواتية فقد برزت العديد من التساؤلات حول مدى مشاركة سورية في هذا المؤتمر، وهل ستتم دعوة سورية للحضور أم سوف تستمر الإدارة الأمريكية في سياسة عدم التعاون مع سورية؟
• أبرز المؤشرات الجديدة:
- صرح بعض الأكاديميين الإسرائيليين بأنهم تناقشوا مع أحد كبار المسؤولين الأمريكيين خلال الفترة القريبة الماضية (وعلى الأغلب أن يكون هذا المسؤول هو اليهودي الأمريكي ديفيد وولش مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط، لأنه آخر مسؤول أمريكي قام بزيارة إسرائيل خلال الفترة القريبة الماضية). هذا المسؤول الأمريكي قد وصف سورية بأنها (البلد الآثم القاسي المتحالف مع إيران استراتيجياً).. وأضاف قائلاً بأنها تمثل (النظرة الأكثر بربرية المعادية للسامية).
- تقرير صحيفة هآرتس الإسرائيلية الذي أعده مراسلاها: باراك رافيد، ويواف شتيرن، المنشور يوم 18/9/2007م، والذي وردت فيه فقرة تقول: (بما أن إدارة رئيس الولايات المتحدة جورج دبليو بوش، قد أعلنت قبل عدة أشهر ماضية بأنها تهدف إلى عقد مؤتمر قمة، فإن واشنطن، لم توضح موقفها حول مدى إمكانية حضور سورية –ولكن- عدة مسؤولين –أمريكيين- أشاروا مؤخراً في تصريحاتهم إلى أن القمة سوف يتم حضورها بواسطة البلدان التي بإمكانها أن «تسهم» من أجل عملية السلام).. وكلمة «تسهم» ووضعها بين قوسين، تشير بوضوح إلى أن المقصود هو أن الحضور سوف يقتصر على البلدان التي تنازلت عن حقوقها لصالح المشروع الإسرائيلي بلا مقابل.
تقول المعلومات التي أوردها تقرير هآرتس بأن الأكاديميين الإسرائيليين الذين تحدثوا مع المسؤول الأمريكي، وقالوا له بأن الاستمرار في عزل سورية، وعدم مشاركتها في المؤتمر، سوف يترتب عليه قيام سورية بإفشال أو ربما تقويض كل الجهود الإسرائيلية- الأمريكية.
- لاحظ الأكاديميون الإسرائيليون حديث المسؤول الأمريكي الذي قال فيه بأنه يتوجب على سورية أن تقوم بتغيير أساليبها بقدر كبير، وذلك حتى تستطيع المشاركة في عملية السلام.
• الموقف السوري إزاء مؤتمر السلام:
لم تعلن سورية عن رفضها للمشاركة في المؤتمر، وفقط انتقدت سورية تكوين المؤتمر، وقالت بأن القمة يجب أن تضم كل الأطراف الشرق أوسطية المعنية بالمشكلة.
وهناك تأييد كبير لموقف سورية إزاء المؤتمر الدولي، ومن أبرز المؤيدين للموقف السوري الحالي: روسيا، اسبانيا، البرتغال، النمسا، وألمانيا. وتقول المعلومات بأن محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية قد طالب أيضاً بضرورة إشراك سورية ودعوتها للقمة.
وتقول المعلومات أيضاً بأن خافيير سولانا رئيس مفوضية الشؤون السياسية بالاتحاد الأوروبي، وأيضاً بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة، يقفان إلى جانب موقف الولايات المتحدة ويريان بعدم إيجابية حضور سورية.
• محور تل أبيب- واشنطن.. تغيير قواعد اللعبة:
واشنطن وأمريكا تلعبان لعبة واحدة في الشرق الأوسط، ولكن ما هو جديد يتمثل في الطريقة الجديدة التي أصبح يقوم بها الطرفان بتغيير قواعد اللعبة وتبادل الأدوار.
- أمريكا تدعو لمؤتمر قمة دولي للسلام في الشرق الأوسط وترفض دعوة سورية للمؤتمر.
- إسرائيل تقوم بانتهاك الأجواء السورية، وبعد ذلك مباشرة يصرح رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود اولمرت بأنه يرغب في السلام مع الجميع وبأنه مستعد للمحادثات مع سورية دون قيد أو شرط مسبق، وبعد ذلك بـ24 ساعة، يصرح الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز قائلاً بأن التوترات مع
سورية قد همدت وبأننا مستعدون من أجل المحادثات.
قراءة التصريحات الإسرائيلية الأخيرة على خلفية تصعيد واشنطن لعدائها ضد سورية وعدم دعوتها للمشاركة في المؤتمر، إضافة إلى الحوار الذي دار في وقت سابق من هذا العام بين شيمون بيريز وديفيد ماكوفيسكي خبير اللوبي الإسرائيلي لعملية سلام الشرق الأوسط، هي قراءة تشير إلى الآتي:
ممارسة المزيد من الضغوط على الأطراف العربية وذلك من أجل:
- تفكيك القوام التفاوضي العربي ضمن ثلاثة مسارات، هي:
1- مسار فلسطيني- إسرائيلي (من أجل المناورة وعدم إقامة الدولة الفلسطينية).
2- مسار سوري- إسرائيلي (من أجل أن تأخذ إسرائيل الجولان مقابل إعطاء السلام لسورية).
3- مسار عربي- إسرائيلي (فقط لتحقيق التطبيع بين إسرائيل ودول الخليج العربي).
- تضليل سورية عن طريق إغرائها بالتخلي عن علاقاتها مع إيران، ودعم الاحتلال الأمريكي في العراق، والتخلي عن حزب الله اللبناني، وإبداء الاستعداد للتنازل عن الجولان مقابل أن تقوم الولايات المتحدة بإشراك سورية في (جهود الإدارة الأمريكية الهادفة لتحقيق السلام).
- تضليل الرأي العام الدولي بأن سورية تنخرط مع إيران، في حلف يتحمل المسؤولية عن عدم استقرار العراق، وتهديد أمن الخليج، وتقويض سيادة واستقلال لبنان، ودعم الإرهاب.
• مؤتمر واشنطن وإشكالية الخيارات الأمريكية:
يدرك الأمريكيون والإسرائيليون جيداً أن عقد أي مؤتمر سلام لا تحضره الأطراف المعنية سوف يكون مصيره الفشل، ومن الواضح أن عدم دعوة سورية لحضور المؤتمر ليس القصد منها عزل سورية والضغط عليها لكي تقدم التنازلات والترضيات، وإنما المقصور هو:
الهدف الأول: إيهام الرأي العام الأمريكي والعالمي بأن أمريكا وإسرائيل وحلفاءهما المعتدلين العرب يعملون من أجل السلام.
الهدف الثاني: برمجة إفشال المؤتمر، وذلك عن طريق وضع الترتيبات المسبقة التي سوف تؤدي بالضرورة إلى إفشال المؤتمر، مثل:
- تغييب الطرف الرئيسي في صراع الشرق الأوسط، وهو سورية.
- عدم تقديم أي مزايا أو حتى وعود إيجابية للمعتدلين العرب الذين سيحضرون المؤتمر.
- استخدام التصريحات التهديدية اللهجة من أجل ردع المعتدلين العرب الذين تجرؤوا وطالبوا بضرورة حضور سورية، مثل السعودية والسلطة الفلسطينية.
وعموماً، سوف تظل إشكالية محور واشنطن- تل أبيب تتمثل ليس في الوقوف أمام خيارين أحدهما النجاح والآخر الفشل، بل هي إشكالية أسقطت تماماً خيار النجاح، وأصبحت تقف إزاء مجموعة خيارات الفشل. وبكلمات أخرى: فإن محور تل أبيب- واشنطن يقف الآن إزاء خيارين: خيار الفشل، وخيار إدمان الفشل.. ويعود الفضل في دفع محور تل أبيب- واشنطن إلى هذا الموقف، إلى محور المعتدلين العرب، (وتحديداً مصر، الأردن، السلطة الفلسطينية) الذين أكدوا لزعماء إسرائيل وصقور الإدارة الأمريكية بأنه (لا مستحيل تحت الشمس).. ومن الممكن بكل بساطة أن يتنازل العرب عن طريق الضغوط الأمريكية عن كل شيء لصالح إسرائيل طالما أن سورية غير موجودة على طاولة المفاوضات.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد