مباراة الشطرنج السورية: إلى أين ؟

04-04-2013

مباراة الشطرنج السورية: إلى أين ؟

الجمل - كون هالينان- ترجمة: د. مالك سلمان:

من بعض النواحي, تشبه الحرب الأهلية في سوريا مباراة شطرنج بالوكالة بين داعمي نظام بشار الأسد – إيران والعراق وروسيا والصين – وخصومه – تركيا والملكيات النفطية والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا. لكن النزاع القائم يشبه الشطرنج فقط في حال اشتراك عدة أطراف, وحلفاءَ غدارين, وأجندات متصارعة في هذه اللعبة.
خذوا الأسابيع الأخيرة من السياسات الأفعوانية.
كانت القنبلة التقارب الذي هندسته الولايات المتحدة بين إسرائيل وتركيا, وهما حليفتان أمريكيتان نشأ بينهما خلاف منذ قامت القوات الخاصة الإسرائيلية بمهاجمة قافلة بحرية إنسانية متجهة إلى غزة وقتل 8 أتراك وشخصاً أمريكياً من أصول تركية. وعندما رفضت تل أبيب الاعتذار عن الهجوم الذي حصل في سنة 2010, أو دفع التعويضات لعائلات القتلى, جمدت أنقرة علاقاتها مع إسرائيل وعملت على إعاقة التعاون بين الناتو وإسرائيل.
نزولاً عند طلب أوباما, قام رئيس الوزراء الإسرائيلي, بنيامين نتنياهو, بمهاتفة نظيره التركي, رسب تايب إيردوغان, والتصالح معه. وقال إيردوغان إن الاعتذار "تم تقديمه بالطريقة التي أردناها", وأضاف "نحن في بداية عملية رفع تركيا إلى موقع يمكنها من استعادة رأيها ومبادرتها وقوتها, كما كانت عليه الحال في الماضي."
من شأن هذه المصالحة أن تدفع البلدين إلى الانخراط في أجندة واشنطن في المنطقة, والتي تشمل إسقاط حكومة الأسد وعزلَ إيران. إضافة إلى المبادرة التركية لحل مشكلة الحرب الدائرة منذ وقت طويل بين أنقرة والأقلية الكردية, كان "أسبوعاً رائعاً بالنسبة إلى إيردوغان", كما علق زعيم سياسة الاتحاد الأوروبي السابق خافيي رسولانا.
كما كانت لحظة انتصار أيضاً بالنسبة إلى الإسرائيليين الذين يعانون من عزلة دولية كبيرة غير مسبوقة في تاريخهم, منذ 65 سنة, بعد هجومهم على القافلة الإنسانية في 2010 واستمرارهم في احتلال الأراضي الفلسطينية والسورية.
من المحتمل أن يؤسس الاعتذار الإسرائيلي لتدخل مباشر في سوريا من قبل الناتو وإسرائيل. ففي شهادة حديثة أمام الكونغرس قال الأدميرال جيمز ستافريديس – رئيس القيادة الأمريكية الأوروبية والقائد الأعلى للناتو – إن موقفاً أكثر عدوانية من قبل إدارة أوباما تجاه سوريا "يمكن أن يكون مفيداً في كسر الجمود القائم وإسقاط النظام."
تبعاً لصحيفة "الغارديان" (البريطانية), طرح نتنياهو إمكانية القيام بضربات جوية مشتركة أمريكية – إسرائيلية ضد سوريا, التي تتهمها إسرائيل بنقل الأسلحة إلى حليفها "حزب الله" في لبنان. ليس هناك أي دليل على أن سوريا قد فعلت ذلك, كما يقول المنطق إنه من غير المحتمل أن يقوم نظام الأسد بتصدير الأسلحة في الوقت الذي يدافع عن وجوده ويصارع للتغلب على حظر أسلحة مفروض عليه من قبل الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة. لكن تل أبيب تسعى إلى خوض جولة أخرى مع "حزب الله", المنظمة التي دحرتها في سنة 2006. وقد قال دبلوماسي أمريكي لصحيفة "الغارديان", "ما أسمعه مراراً وتكراراً هو أن حرباً أخرى ضد حزب الله حتمية."
هناك كلام يدور بين الإسرائيليين حول إقامة "منطقة عازلة" داخل سوريا لمنع المجموعات الإسلاموية من التواجد على الحدود. وقد تحولت منطقة عازلة مماثلة أقامتها إسرائيل بعد غزوها للبنان في سنة 1982 إلى كارثة إستراتيجية على تل أبيب.
اقترح الأدميرال ستافريديس أن الموقف العدائي الذي تكلم عنه لن يشمل, بالتأكيد, استخدامَ القوات البرية الأمريكية. وتبعاً للدبلوماسي الهندي السابق م. ك. بادراكومار, فإن السيناريو المحتمل يتمثل في قيام قوة الناتو الجوية بتحطيم قوات الأسد الجوية ومدرعاته – كما فعلت مع القذافي في ليبيا – و "إذا نشأت الحاجة إلى نشر القوات البرية داخل سوريا في مرحلة ما, فبمقدور تركيا القيام بهذه المهمة, بما أنها بلد إسلامي ينتمي إلى الناتو."
زادت الملكيات الخليجية – وخاصة المملكة السعودية وقطر والأردن – من شحنات الأسلحة المرسلة إلى المتمردين المناوئين للأسد, كما تقوم فرنسا وبريطانيا بدراسة كسر الحظر وتسليح ‘الجيش السوري الحر’. لو كانت هذه لعبة شطرنج عادية, فسوق تبدو وكأنها "كش ملك" بالنسبة إلى الأسد و "حزب الله" وإيران. لكن هذه اللعبة ثلاثية الأبعاد, حيث يسعى اللاعبون المختلفون لتحقيق أهداف مختلفة.
قطر والسعودية يضخون ما أسماه مسؤول أمريكي "شلالاً من الأسلحة" في سوريا, لكن يبدو أن قطر قد خدعت السعودية في الصراع الأخير على قيادة ‘الائتلاف الوطني السوري’, المنظمة التي تشكل غطاءً للمجموعات المختلفة التي تقاتل ضد حكومة دمشق. فقد أزاحت قطر مرشحَ السعودية لمنصب رئيس وزراء حكومة ‘الائتلاف الوطني السوري’ وقامت بتنصيب مرشحها هي, مما دفع برئيس المنظمة, أحمد معاذ الخطيب, إلى الاستقالة. وبينما قالت معظم وسائل الإعلام الغربية إن الخطيب استقال لأنه لا يحصل على مساعدة كافية من الخارج, إلا أن صحيفة "السفير" – الصحيفة العربية الأهم في لبنان – ذكرت أن سبب الاستقالة هو محاولة الملكيتين النفطيتين فرض مرشحيهما على السوريين.
تم تعيين حليف قطر, غسان هيتو, رئيساً للوزراء, مما سبب استقالة أكثر من 10 أعضاء في الائتلاف. كما يقول ‘الجيش السوري الحر’ إنه لن يعترفَ بهيتو.
كما اعترض الخطيب أيضاً على الخطوة القطرية لتشكيل حكومة سورية لأنها تتعارض مع اتفاق جنيف (حزيران/يونيو الماضي) الذي يسمح ببقاء الأسد إلى أن يتم تشكيل حكومة انتقالية. وقد كانت الخطوة القطرية تصريحاً بأن هذه الملكية الخليجية لن تقبل بأقلَ من نصر عسكري مباشر.
إن قطر قريبة من "الإخوان المسلمين" السوريين, بينما تفضل المملكة السعودية المجموعات الإسلاموية المتطرفة التي يرتبط بعضها بتنظيم القاعدة الذي تصنفه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على أنه تنظيم "إرهابي". وقد انفجر التوتر بين المسلحين المتطرفين والمسلحين الأكثر اعتدالاً بشكل علني في 14 آذار/مارس في المدينة الحدودية الشمالية تل أبيض. حيث تعرضت ‘كتائب الفاروق’ العلمانية, والتي تفضل الانتخابات والحكومة المدنية, إلى هجوم من قبل ‘جبهة النصرة’ التي تريد فرضَ "الشريعة الإسلامية" وتأسيسَ إمارة إسلامية. قتل 4 أشخاص, وأصيبَ قائد ‘كتائب الفاروق’ بجروح خطرة.
كما اشتبكت جبهة النصرة مع المجموعات الكردية في شمال غرب سوريا, وتسيطر ميليشياتها الآن على معظم الحدود الجنوبية مع العراق والأردن ومرتفعات الجولان المتاخمة لإسرائيل. وقد كانت جبهة النصرة هي التي قامت مؤخراً باختطاف عناصر قوات حفظ السلام/الأمم المتحدة لعدة أيام, وهاجمت الجنودَ العراقيين الذين كانوا يرافقون عناصر الجيش السوري الذين فروا عبر الحدود. كما حصلت اشتباكات بين القوات العلمانية والإسلاموية في مدينتي الشدادة ودير الزور.
لا يتمتع دعم الحكومة التركية للتمرد المسلح في سوريا بشعبية بين صفوف الأتراك, ويجب أن يسبب هذا القلق لإيردوغان لأنه يحاول تغيير الدستور التركي وجعله متمركزاً حول السلطة التنفيذية لكي يكون الرئيس القادم. وعلى الرغم من أنه يركب الآن موجة الشعبية حول وقف إطلاق النار مع الأكراد, إلا أن هذه الشعبية يمكن أن تتآكل في حال طالت الحرب في سوريا.
ومن دون تدخل الناتو – إسرائيل لا يبدو أن هناك نهاية سريعة للحرب الأهلية القائمة. إذ لا يزال الأسد يتمتع بشعبية كبيرة في صفوف المجموعة الإثنية التي ينتمي إليها, العلويين, وكذلك بين المسيحيين والعديد من مجموعات الأعمال الأخرى. فالجميع يخشى من هيمنة الإسلامويين. فقد قال أحد رجال الأعمال الدمشقيين الأثرياء لصحيفة "دير شبيغل", "إذا جاء المتمردون إلى هذه المدينة فإنهم سيأكلوننا أحياءً."
كلما طالت الحرب, كلما تزعزع الاستقرار في المنطقة.
اندلع القتال بين الشيعة والسنة في شمال لبنان, كما أن حملة التفجيرات المدعومة من المتطرفين السنة تؤدي إلى خلق استقطابات جديدة في العراق, إضافة إلى أن الأردن يعاني من معارضة داخلية تشكل تهديداً خطيراً على الملكية الهاشمية. حتى المملكة السعودية تعاني من المشاكل؛ حيث تقوم حركة مطالبة بالديمقراطية, ضعيفة نسبياً لكنها مستمرة, في المحافظات الشرقية من البلاد بمقاومة القمع الوحشي الذي تمارسه السلطات السعودية. وكما اكتشف مراسل "ناشنل بَبلك ريديو" و "غلوبل بوست", ريس إيرليش, فإن بعض معارضي النظام السعودي يُخَيرون بين السجن أو القتال ضد حكومة الأسد, وهي إستراتيجية يمكن للسعودية أن تندمَ عليها. إذ إن الجهاديين الذين تم إرسالهم لمقاتلة السوفييت في أفغانستان هم الذين عادوا في النهاية لزعزعة استقرار بلدان الشرق الأوسط, وجنوب آسيا, وأفريقيا, والذين يشكلون في الوقت الراهن العمودَ الفقري للمجموعات المرتبطة بالقاعدة مثل "جبهة النصرة".
قال آرون زيلين, المتخصص في الشرق الأوسط و زميل "معهد واشنطن", لإيرليش إنه يتم إرسال مقاتلين من المملكة السعودية وليبيا وتونس والأردن إلى سوريا.
يمكن لمباراة شطرنج يشارك فيها عدة لاعبين أن تصبح في غاية التعقيد.
تسعى تركيا إلى دور إقليمي هام وإزاحة الأسد, لكنها لا تريد دولة جارة تهيمن عليها الملكيات الخليجية. كما يمكن لها أن تكتشف أن الحديث عن "هيمنة" تركية لا يروق للآخرين في الشرق الأوسط. فقد سأمت الدول العربية من الهيمنة التركية خلال فترة "الإمبراطورية العثمانية".
وتريد الملكيات الخليجية الإطاحة بنظام الأسد العلماني, وعزل خصمَها الإقليمي إيران, وضمان الهيمنة السنية على الشيعة في المنطقة. لكنها لا تتفق حول نوع الإسلام التي تريده, كما أنها غير مهتمة أبداً بالديمقراطية أو الحرية, وهما مفهومان طالما حاولت هذه الملكيات قمعهما في بلدانها.
أما الفرنسيون والبريطانيون فيريدون تكرار ما حدث في ليبيا, لكن سوريا ليست بلداً هامشياً في الشرق الأوسط, بل أمة معقدة في قلب المنطقة يمكن أن تتشظى إلى دويلات إثنية – دينية يديرها أمراء الحرب. وهذه ليست نتيجة يمكن أن تسرَ البلدان الأوروبية الأخرى, وهي تفسر ترددها في الانضمام إلى الجهاد ضد الأسد.
حتى أن الهدف الإسرائيلي المتمثل في كسر عزلة إسرائيل, وتدمير "حزب الله", وخنق إيران, يمكن أن يشكلَ أملاً كاذباً. فبغض النظر عن المصالحة التركية – الإسرائيلية, فإن الحواجز التي تبقي الفلسطينيين خارج إسرائيل تفصل أيضاً بين تل أبيب وبقية الشرق الأوسط, ولن يتغير هذا الوضع إلى أن تأتي حكومة إسرائيلية راغبة في إزالة معظم المستوطنات وتقاسم القدس.
أما بالنسبة إلى حزب الله, فعلى النقيض من تصويره في الإعلام الغربي على أنه مخلبُ القطة بالنسبة إلى إيران, إلا أن هذه المجموعة الشيعية هي منظمة وطنية متجذرة في المجموعة الإثنية الأكبر في لبنان. كما أنها تتوخى الحذر لعدم إعطاء الإسرائيليين الذريعة اللازمة لمهاجمتها. وفي كل الأحوال, فإن أي غزو إسرائيلي للبنان سوف يثير المشاعر الدولية ويؤلب الرأي العام العربي – الشيعي, والسني, والعلوي, إلخ – ضد إسرائيل.
إذا سقط الأسد فإن إيران ستخسر حليفاً, لكن صديق طهران الأقرب في الشرق الأوسط هو بغداد, وليس دمشق. وعلى الرغم من الاعتراضات الأمريكية القوية, فقد قامت طهران مؤخراً بتنفيذ انقلاب كبير عبر توقيع اتفاقية مع الحكومة الباكستانية لبناء خط أنابيب غاز بكلفة 7.5 مليار دولاراً يتصل بحقل "ساوث بارز" الإيراني. ولن يحدث هذا الاتفاق ثقباً في العقوبات الغربية على إيران فقط, بل سيلعب دوراً هاماً في الانتخابات الباكستانية المقررة في 11 أيار/مايو. "إن الحكومة الباكستانية تريد أن تعبرَ عن رغبتها في اتخاذ قرارات تتعلق بالسياسة الخارجية تشكل تحدياً للولايات المتحدة," كما قال أنثوني سكينر, أحد مستشاري الأزمات في مؤسسة "ميبلكروفت" البريطانية, "إذ إن خط الأنابيب هذا لا يلبي حاجات باكستان إلى الطاقة فقط بل ترك أثراً كبيراً على نقاد الولايات المتحدة بين صفوف الناخبين."
وفي النهاية, يمكن لمحاولة إخراج سوريا عن لوحة الشطرنج أن تنجح, على الرغم من أن عدد القتلى سيكون أكبر بكثير من العدد الحالي المقدر ﺑ 70,000. لكن إقامة حكومة مؤيدة للغرب في دمشق وإلحاق الضرر بإيران ليسا سوى ضرب من الأوهام. فمن المرجح أن ينتهي "النصر" – وخاصة النصر العسكري – بالفوضى وزعزعة الاستقرار, بالإضافة إلى مزيد من أحجار الشطرنج الميتة.

تُرجم عن ("كاونتربنتش", 2 نيسان/إبريل 2013)

الجمل: قسم الترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...