موسم الحج إلى دمشق
الجمل: نشرت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية مقالاً من إعداد الكاتب الإسرائيلي روي ناحمياس، حمل عنوان رئيسياً هو "الأسد يعود داخل اللعبة" وعنواناً ثانوياً "مثل اللاعب الناضج يحتفظ الرئيس السوري بأوراقه قريباً من صدره".
يقول ناحمياس:
في اللحظة الأخيرة، وبعد "توضيحات" من واشنطن فيما يتعلق بالجولان، قررت سوريا أن تركب على عربة الجوقة الموسيقية وتحضر مؤتمر أنابوليس، وكان هذا متوقعاً. وبرغم ذلك، أسفل السطح، بينما ينهمك المسؤولون الإسرائيليون في الانشغال بمؤتمر السلام وطابور وفود المندوبين المبعوثين لحضوره، فإنه توجد وقائع أخرى تجري في الشرق الأوسط بما يسلط ضوءاً مختلفاً على المؤتمر.
الخط والحد الفاصل يتمثل في أننا نرى مرحلة أخرى في الصراع بين الولايات المتحدة وإيران حول النفوذ في منطقتنا، وبمسارح الاشتباك المتغيرة تماماً: في أنابوليس، على سبيل المثال، تحاول إدارة بوش إظهار قدرتها على جمع إسرائيل والفلسطينيين بتأيد ودعم الجامعة العربية، بما في ذلك السعودية وسوريا ولبنان. وفي نفس الوقت يثبت ويؤكد محور طهران – دمشق على قوته في المسارح الأخرى: لبنان غير المستقر، العراق المشتعل، وقطاع غزة غير المستقر.
مرة تلو أخرى، تثبت طهران مدى قوة قبضتها على "الهلال الشيعي" من العراق إلى سوريا ولبنان، وكل الطرق المؤدية إلى الأراضي الفلسطينية، وسوريا تفسح لها مجالاً لذلك، وقد سافر وزير خارجيتها إلى طهران من أجل تنسيق المواقف. تحدث عضو برلماني سوري حول "الروابط الإستراتيجية" التي خلقت "هلال المقاومة ضد الولايات المتحدة الأمريكية والصهاينة". وإذا لم يكن هذا تسليماً واعترافاً بإنشاء تكتل معادي لأمريكا في الشرق الأوسط، ماذا يكون؟
اللعبة الخطرة التي تجري في لبنان هذه الأيام لها أيضاً تأثير هام بارز ومباشر على إسرائيل. فمنذ لحظة الحرب الأخيرة ولبنان يواجه عجزاً وشللاً سياسياً بسبب الانقسام بين معسكرين: التكتل المعادي لسوريا والمدعوم بواسطة الغرب، وتكتل المعارضة بقيادة حزب الله المدعوم بواسطة إيران وسوريا. وحالياً، فقد لامست الأزمة مسألة دراماتيكية: تحديد الرئيس اللبناني القادم مع إبقاء اللاعبين على نفس مواقفهم.
* الحج إلى دمشق:
من المثير تبعاً لذلك، أن ترى المبعوثين والمندوبين من أوروبا وروسيا يقومون بالحج إلى دمشق واحداً تلو الآخر، خلال الأسبوع الماضي وذلك للطلب من الرئيس السوري تقديم المساعدة على الجبهة اللبنانية. بل وحتى ملك الأردن، قام بإنهاء الفجوة والخصومة الطويلة وجاء في زيارة تاريخية تحمل صفقة مغرية: ساعدونا على الجبهة اللبنانية وتعالوا إلى أنابوليس واحصلوا على تحسين فوري في العلاقات مع الأردن ومصر والسعودية، الذين سبق لهم أن أداروا ظهورهم لسوريا في الحرب الأخيرة وبعدها.
الرئيس الفرنسي ساركوزي انضم أيضاً إلى المجموعة، وطالب (بعد أن تحقق وتأكد) إلى جانب الأمريكيين بأنه لا يوجد أي فرصة أو خيار من أجل إنجاح أنابوليس ومنع حدوث الفوضى في لبنان إلا أن يكون الرئيس الأسد حاضراً.
عن طريق خرق الحدود العراقية، فإن الدعم سوف يصل لجماعات الإرهاب الفلسطينية واللبنانية أيضاً. وهكذا، فإن دمشق تثبت وتؤكد مرة ثانية بأنها تمسك –معاً بجانب إيران- وتضع يدها على "الحنفيّة". وإذا رغبت دمشق فإنها سوف تقوم بضخ النار في المنطقة، أو تقوم بدلاً عن ذلك، بترتيب الأوضاع في بيروت بحيث تتصاعد ألسنة اللهب. وما رغبت سوريا في القيام به خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي: أن تثبت لجورج بوش وبقية العالم بأن مجيء دمشق إلى أنابوليس سوف يكون وفقاً لشروطها وليس من منطلق الضعف.
تحدث أحد المصادر اللبنانية لصحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية قائلاً "لا يوجد شك في أن لسوريا نفوذاً عظيماً في لبنان" وأضاف "سوريا تلعب لعبة مزدوجة وفقاً لمصالحها، فقد خسرت مرتفعات الجولان وخسرت لبنان، والآن تحاول العودة إلى اللعب عن طريق الكرت اللبناني".
وتماماً مثل لاعب البوكر الناضج الماهر، فإن القيادة السورية التي واجهت الغارة العدوانية الإسرائيلية على أرضها، ما زالت تحفظ "كروتها" وتخفيها عن الآخرين بجانب صدرها.
وهكذا تواصل سوريا "لعبتها المزدوجة"، فهي تقبل دعوة واشنطن ولكنها تتمسك بالتحالف مع إيران. إنها تحضر أنابوليس ولكنها ترسل مندوباً أقل مرتبة من مندوبي وممثلي الدول العربية الأخرى. ولا تعتقد في إسرائيل ولكنها تسعى لمؤتمر مماثل مع الدولة اليهودية، من المحتمل أن يكون في موسكو. تواصل دعمها للجماعات الإرهابية ولكنها تلغي المؤتمر الخاص التي قامت -الجماعات- بتنظيمه على النحو الذي أدى إلى الخلاف بين دمشق وحماس.
إلى أين وما الذي تقود إليه هذه اللعبة الخطيرة؟ نفس الشيء هو: التحدث عن السلام من ناحية، ومن الناحية الأخرى استعراض لعبة القوة في لبنان والمسارح الأخرى. وفي لبنان، التوترات السياسية سوف تستمر مع قيام حزب الله بالتعبير عن عدم سروره إزاء تحويل السلطة من رئيس الجمهورية الذي غادر الحكومة. والحد الفاصل هو: لا مؤتمر سلام سوف يغير - على مدى المستقبل القريب – نفوذ السوريين والإيرانيين لا في بيروت وحدها وإنما في القدس أيضاً.
انتهى مقال الصحفي الإسرائيلي..
عموماً، يمثل مقال الكاتب الإسرائيلي اعترافاً واضحاً بحتمية الدور الذي تلعبه دمشق في منطقة الشرق الأوسط، ولكن تتمثل نقطة الضعف الرئيسية في المقال، في أن كاتبه وبقية الإسرائيليين مازالوا غير قادرين على إدراك أن دور دمشق هو دور موضوعي فرضته الحقائق الموضوعية الجيو – سياسيّة المتعلقة بتاريخ وجغرافية منطقة الشرق الأوسط، ولن تستطيع إسرائيل مهما استعانت بالإدارة الأمريكية أن تلغي الدور السوري في المنطقة إلا إذا استطاعت أن تقنع الماء بأن يسيل من الأسفل إلى الأعلى. وحتى بقية العرب الذين انخرطوا في الفترة الماضية "عمداً" أو عن طريق "الخطأ" في مخططات محور تل أبيب – واشنطن، فإنهم يعرفون جيداً بأنه في منطقة الشرق الأوسط: لا بد من دمشق وإن طال السفر.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد