هل أصبحت موسكو شريكة غير مباشرة لواشنطن في حربها الأفغانية

08-07-2009

هل أصبحت موسكو شريكة غير مباشرة لواشنطن في حربها الأفغانية

الجمل: نجحت قمة أوباما – ميدفيديف التي عقدت مؤخراً في العاصمة الروسية موسكو في التوصل إلى اتفاق يتيح لواشنطن تمرير الإمدادات إلى القوات الأمريكية وقوات الناتو التي تخوض القتال حالياً في أفغانستان. وعلى ما يبدو، فإن هذا الاتفاق سيترتب عليه تغيير العديد من الأبعاد أولها التأثير على قواعد اللعبة ليس في المسرح الأفغاني فحسب، وإنما في المسرح الباكستاني ومسرح آسيا الوسطى كذلك، والثاني هو التأثير على توازنات الصراع الروسي – الأمريكي الذي بدا أكثر سخونة على خلفية نتائج الحرب الجورجية – الروسية.
* ماذا تقول المعلومات؟
تم الاتفاق رسمياً في موسكو يوم 6 أيار 2009 بين الرئيس الأمريكي أوباما والرئيس الروسي ميدفيديف على اتفاقية تسمح للولايات المتحدة الأمريكية بحرية النقل الجوي العسكري عبر الأجواء الروسية لتوصيل الإمدادات العسكرية للقوات الأمريكية وقوات الناتو في أفغانستان. وأضافت المعلومات أن هذه الاتفاقية اقتصرت على مجال النقل الجوي للإمدادات حصراً، ولكن لاحقاً هناك توقعات بأن يتم التوصل لاتفاقية أخرى تفيد لجهة السماح لواشنطن باستخدام النقل البري للإمدادات العسكرية عبر الأراضي الروسية وتقول المعلومات أن اتفاقية النقل البري لم يتم إكمال المفاوضات والمحادثات المتعلقة بها.
التوقيع على مسودة اتفاقية النقل الجوي تم في العاصمة موسكو بواسطة وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف ونائب وزيرة الخارجية الأمريكية وليم برونز، وسيتم وضع الاتفاقية موضع التنفيذ خلال ستين يوماً من لحظة التوقيع عليها إضافة إلى أن فترة سريان الاتفاقية هي عام واحد ولكنها قابلة للتجديد لفترات إضافية أخرى.
نصت الاتفاقية لجهة تحديد رحلات الإمداد الجوي عبر الأجواء الروسية بحيث تكون في حدود 4500 رحلة حصراً خلال العام الواحد، مع عدم السماح لتجاوز هذا العدد إلا ضمن اتفاق مسبق روسي – أمريكي يفضي لاتفاقية جديدة أو يعدل أو يمدد سريان الاتفاقية الحالية.
* ما هي تداعيات هذه الاتفاقية؟
إن نقل الإمدادات العسكرية الأمريكية جواً لا معنى له في حد ذاته لأنه يتم بشكل روتيني عبر المناطق والممرات الجوية الأخرى، ولكن بالنسبة لتمرير الإمدادات الأمريكية عبر الأجواء الروسية فإن الأمر يبدو أكثر اختلافاً وأهمية لجهة التداعيات وعلى هذه الخلفية يمكن أن نشير إلى النقاط الآتية:
• إن عبور الطائرات العسكرية الأمريكية بهذا الشكل المكثف فوق الأجواء الروسية كانت تنظر إليه موسكو باعتباره تابو محرم منذ لحظة قيام الثورة البلشفية عام 1917.
• إن عبور الطائرات العسكرية الأمريكية فوق الأجواء الروسية ينطوي على قدر أكبر من المخاطر وعلى وجه الخصوص أن هذه الطائرات سوف لن تقوم بمجرد نقل العتاد والإمدادات وإنما ستقوم بالتقاط الصور التجسسية الدقيقة للمواقع والمنشآت الروسية وهي فرصة لن يفوتها البنتاغون ووكالة الأمن القومي الأمريكي ووكالة المخابرات الأمريكية خاصة أن الممرات الجوية التي ستستخدمها حركة العبور الجوي ستمر فوق مناطق في قلب الدولة الروسية.
• إن سماح موسكو لواشنطن بتمرير الإمدادات عبر الأجواء الروسية يتضمن أن روسيا أصبحت شريكاً في الحرب الأفغانية إلى جانب أمريكا وإن كانت هذه الشراكة بشكل غير مباشر ولكن مجرد الدخول في مثل هذه الالتزامات هو أمر في حد ذاته يشير إلى احتمالات أن تدخل روسيا مستقبلاً في الحرب الأفغانية إلى جانب أمريكا وحلف الناتو خاصة وأن هناك اتفاقية شراكة بين الناتو وروسيا سبق أن تم توقيعها وتنص على التعاون بينهما في محاربة الإرهاب.
• إن تعاون روسيا مع أمريكا الذي بدأ بالسماح لواشنطن باستخدام الأجواء الروسية سيعطي المبررات والذرائع لدول آسيا الوسطى لتدخل في برامج التعاون إلى جانب أمريكا وهذا معناه أن أمريكا سوف لن تضيع هذه المرة فرصة ترويض دول آسيا الوسطى وكسبها نهائياً والعمل على استخدامها مستقبلاً ضد روسيا.
• إن تعاون روسيا مع أمريكا سيفسح المجال أمام الصين لتتعاون هي الأخرى مع أمريكا طالما أن بكين تفهم تماماً أن أي تعاون روسي – أمريكي سيؤدي بالضرورة إلى جعل الصين تقف لوحدها مما يعني احتمال قيام الصين بالمضي قدماً في تطوير قدراتها الاستراتيجية والاقتصادية.
وإضافة لكل ذلك، فإن التداعيات لن تقتصر حصراً على ما سيحدث على خط موسكو – واشنطن أو في العلاقات الأمريكية مع بلدان آسيا الوسطى، وإنما على توازنات الصراع في شبه القارة الهندية بكاملها، ويمكن الإشارة إلى ذلك من خلال النقاط الآتية:
• ستقوم واشنطن بزيادة قواتها في المسرح الأفغاني طالما أن مشكلة الإمدادات أصبحت محلولة.
• إن قيام واشنطن بزيادة قواتها في أفغانستان معناه بالضرورة تخفيض القوات في العراق خاصة وأن قرار إدارة أوباما بسحب القوات الأمريكية من العراق قد ارتبط بقرار تحويل جزء من القوات الأمريكية الموجودة في العراق إلى المسرح الأفغاني.
• سبق ان ترددت الإدارة الأمريكية حول كيفية تحديد الأولويات إزاء التعامل مع مسرح الحرب الأفغانية وبرزت وجهة نظر تقول باستراتيجية باكستان – أفغانستان بدلاً عن استراتيجية أفغانستان – باكستان، وعلى خلفية قيام القوات الباكستانية بشن العمليات العسكرية ضد حركة طالبان في مناطق وادي سوات ووزيرستان إضافة إلى قيام القوات الأمريكية بشن هجماتها حالياً ضد ولاية هلمند، فإن الاتفاق الروسي – الأمريكي يشير إلى أن خيار استراتيجية أفغانستان – باكستان قد أصبح أمراً واقعاً قيد التنفيذ.
• التعاون العسكري الأمريكي – الروسي سيضعف احتمالات التعاون الأمريكي – الهندي وهو الأمر الذي لا يصب في مصلحة إسرائيل التي كانت تركز على دفع واشنطن في اتجاه التعاون مع نيودلهي وتصعيد المواجهة ضد موسكو بما يتيح لتل أبيب الاستفادة من تداعيات ذلك، والمضي قدماً في إكمال المخطط الذي يتيح لإسرائيل القيام بدور الوكيل الأمريكي لحلفاء أمريكا القوقازيين وعلى وجه الخصوص جورجيا وأذربيجان.
عموماً، وبرغم وجود معطيات تشير إلى أن التعاون الروسي – الأمريكي سيؤثر على علاقات روسيا مع بلدان الشرق الأوسط فإن الاحتمالات بحدوث مثل هذا التأثير ستصبح كبيرة في حال اتساع نطاق التعاون الروسي – الأمريكي بحيث يشمل المزيد من القضايا والملفات الأمنية الإقليمية وحالياً تشير الوقائع والمعطيات إلى الآتي:
• عدم استجابة موسكو للضغوط الأمريكية الهادفة لدفعها باتجاه تقليل روابطها مع إيران.
• عدم استجابة موسكو للضغوط الإسرائيلية الهادفة لدفع موسكو باتجاه عدم بيع السلاح والعتاد لإيران وسوريا وبقية خصوم إسرائيل الشرق أوسطيين.
برغم أن فتح ملف التعاون الروسي – الأمريكي سيشكل ضربة قوية لمصالح الإسرائيليين في جورجيا وأذربيجان والهند فإن تل أبيب ستسعى إلى تكييف توجهاتها الخارجية بحيث تنسجم مع الأمر الواقع الجديد وعلينا أن نتوقع أن تسعى تل أبيب باتجاه ترميم علاقاتها مع موسكو ودول آسيا الوسطى وعلى وجه الخصوص كازاخستان التي زارها قبل بضعة أيام الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز، وتركمانستان التي تتميز بموقعها الاستراتيجي القريب من المناطق الحيوية الإيرانية، لأن القوات الأمريكية إذا نجحت في استخدام الأراضي التركمانية فإن الوصول إلى طهران لن يستغرق سوى بضع ساعات لا أكثر!

 


الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...