هل دعمت سورية تدفق مقاتلي القاعدة إلى العراق؟
الجمل ـ ترجمة: رندة القاسم: منتصف صيف 2012 ادعى السفير السوري المنشق "نواف فارس" أن الحكومة السورية تقف وراء تدفق الإرهابيين الأجانب إلى العراق خلال المراحل المتأخرة من الاحتلال الأميركي- البريطاني للعراق. و لعب هؤلاء الإرهابيون دورا في حملات عنف طائفي قسمت و دمرت العراق الذي كان أصلا مدمرا. و بشكل دراماتيكي أعلن فارس أنه هو بنفسه تدخل في تنظيم فرق الموت الإرهابية، و ذلك في محاولة خرقاء لتوريط حكومة الرئيس السوري بشار الأسد.
و لكن في الواقع الأمر الذي كشفه فارس هو وجود دولة خفية ضمن سورية، دولة طائفية متطرفة منحازة إلى السعودية لا تعمل بشكل مستقل عن حكومة بشار الأسد فحسب، و لكنها أيضا تعارضها بعنف. هذه " الدولة داخل الدولة" ترتبط مباشرة بالقاعدة و الأخوان المسلمين، القوى التي تقود الآن القتال في سورية ضد الحكومة السورية بدعم كبير من الغرب.
و كشف النقاب عن التفاصيل الموثقة لهذه الدولة غير المنظورة في جهود أكاديمية واسعة قام بها مركز ويست بوينت لمكافحة الإرهاب التابع للجيش الأميركي (CTC)، إذ نشر بين عامي 2007 و 2008 تقريرين يكشفان عن شبكة عالمية من المنظمات الإرهابية المرتبطة بالقاعدة، و عن كيفية التعبئة لأجل إرسال أعداد كبيرة من المقاتلين الأجانب إلى العراق.
التقرير الأول حمل عنوان "مقاتلو القاعدة الأجانب في العراق"، و استشهد به بشكل موسع المحلل التاريخي و الجيوسياسي دكتور ويبستير تاربلي في آذار 2011، مشيرا الى أن متمردي ليبيا "المؤيدين للديمقراطية" و المدعومين من الناتو هم في الواقع الجماعة الليبية الإسلامية المقاتلة (LIFG)، المصنفة من قبل الولايات المتحدة و الأمم المتحدة و المملكة المتحدة كمجموعة إرهابية دولية.
و بين تقرير ويست بوينت أن ليبيا مركز عالمي لتدريبات القاعدة و تجنيد الأفراد و إنتاج مقاتلين بمعدل يفوق حتى السعودية و إرسال مقاتلين أجانب أكثر مما فعلت أي دولة أرسلت ميليشيات إلى العراق باستثناء السعودية.
و لكن لم يتم استقطاب مقاتلي ليبيا الأجانب بشكل متساو من كل أنحاء البلد، فالغالبية أتت من الشرق (برقة) ، و بالتحديد المنطقة التي انبثق منها ما سمي الربيع العربي و حيث ركز القائد الليبي معمر القذافي انتباهه على مدار ثلاثة عقود محاربا الميليشيات المتطرفة. و بشكل خاص كانت مدن درنة و طبرق و بنغازي حقولا ميدانية للغالبية العظمى من المقاتلين الأجانب الذين أرسلوا إلى العراق و مركزا لانتفاضة عام 2011 العنيفة المدعومة من الناتو.
و من الواضح أن جيش الولايات المتحدة و حكومتها مدركان تماما للوجود القوي للقاعدة في برقة منذ 2007. و حين اندلع العنف عام 2011، بدا جليا للكثير من المحللين الجيوسياسيين أن هذا كان بسبب القاعدة لا "المحتجين المؤيدين للديمقراطية". و عن عمد قامت الولايات المتحدة و حلفاؤها و الإعلام المتورط بالكذب على العامة، و عرضوا القضية بشكل خاطئ أمام الأمم المتحدة و تدخلوا في ليبيا نيابة عن إرهابيين دوليين، مسقطين حكومة ذات سيادة و مانحين بلدا بأسره كقاعدة للجماعة الليبية الاسلامية المقاتلة.
و اليوم يطبق سيناريو مشابه في سورية، حيث يقوم الغرب، و رغم العلم بوجود القاعدة في بنغازي، باستخدام هذه الميليشيات و نفس الشبكات التي استخدمت لإرسال المقاتلين إلى العراق، للتدفق إلى سورية و اجتياحها. و هذا بعد تورط الميليشيات الليبية ذاتها بالهجوم الذي أودى بحياة سفير الولايات المتحدة في الحادي عشر من أيلول 2012.
و تدفق إرهابيي الجماعة الليبية الإسلامية المقاتلة إلى سورية أمر حقيقي. ففي تشرين الثاني 2011، ورد في مقال نشرته صحيفة تيليغراف تحت عنوان "قادة اسلاميون ليبيون يلتقون مجموعة الجيش السوري الحر المعارضة": (التقى عبد الحكيم بالحاج، رئيس مجلس طرابلس العسكري و القائد السابق للجماعة الليبية الاسلامية المقاتلة، مع قادة الجيش السوري الحر في اسطنبول على الحدود مع تركيا ، فقد أرسله الرئيس الليبي المؤقت مصطفى عبد الجليل الى هناك، و ذلك وفقا لما قاله مسؤول عسكري يعمل مع بالحاج).
و ذكرت مقالة أخرى في التيليغراف بعنوان "قادة ليبيا الجدد يمنحون السلاح للمتمردين السوريين" بأن محادثات سرية دارت بين المتمردين السوريين و السلطات الليبية الجديدة تهدف لتأمين السلاح و المال في تمردهم ضد نظام الرئيس بشار الأسد. و خلال اللقاء ، الذي عقد في اسطنبول و ضم مسؤولين أتراك، طلب السوريون " الدعم" من الممثلين الليبيين و حصلوا على السلاح و المتطوعين.
و أعلن عن دخول حوالي 600 إرهابي ليبي إلى سورية و بدء العمليات القتالية التي اجتاحت البلد فيما بعد.
و في سورية، و من المنطقة الشمالية الشرقية قرب دير الزور على الحدود العراقية السورية، و المنطقة الشمالية الغربية في إدلب قرب الحدود التركية السورية، و درعا في الجنوب قرب الحدود الأردنية السورية ينبثق معظم المقاتلين الذين قيل بأنهم كانوا يعبرون إلى العراق وفقا لدراسة ويست بوينت عام 2007. هذه المناطق تعمل الآن كمراكز لانتفاضة وفق النموذج الليبي، مع وجود مقاتلين يصورون بشكل مخادع على أنهم "مؤيدون للديمقراطية" و "مقاتلو حرية". و هذه المناطق تستقبل أيضا معظم المقاتلين الأجانب المتدفقين من مناطق أخرى ذكرت في تقرير عام 2007، و بشكل رئيسي من السعودية عبر الأردن، و من ليبيا إما مباشرة أو عبر تركيا أو مصر أو الأردن.
و وصف تقرير ويست بوينت عام 2007 الطرق المتبعة من قبل المقاتلين القاصدين العراق، و أهم تلك الطرق تعبر من سورية نفسها: طريق ليبيا-مصر-سورية، طريق السعودية-سورية، طريق السعودية-الأردن-سورية. هذه الطرق تستخدم ثانية بشكل واضح ، و لكن هذه المرة عوضا عن زرع العنف الطائفي في العراق و زعزعة استقراره، يستهدف هؤلاء المقاتلون الأجانب المدعومون من الناتو سورية بشكل مباشر.
لقد تم التخطيط لتدمير سورية من قبل الولايات المتحدة و إسرائيل و السعودية عام 2007.
اعتبرت معظم وثائق خلايا التفكير الغربية ، بما فيها الوثيقة الأميركية الإسرائيلية: "إستراتيجية جديدة لأمن العالم"، سورية تهديدا للهيمنة المالية المشتركة عبر الشرق الأوسط و ما ورائه، و مع عام 2007 طورت خطة مفصلة لأجل ضرب سورية أو القضاء عليها كدولة مستقلة قابلة للنمو.و استخدام منظمات مقاتلة مرتبطة بالقاعدة ، ليس داخل سورية فحسب، بل و أيضا عبر المنطقة كان العنصر الأساسي في الخطة التي كشفها الصحفي الحائز على جائزة بوليتزير سيمور هيرش في تقريره الذي نشره في مجلة New Yorker عام 2007 تحت عنوان"إعادة التوجيه: هل تفيد السياسة الجديدة للإدارة الأميركية أعداءنا في حربنا على الإرهاب؟" و ورد: (لإضعاف إيران ذات الغالبية الشيعية، قررت إدارة بوش إعادة صياغة أولوياتها في الشرق الأوسط. ففي لبنان، تعاونت الإدارة مع حكومة السعودية، السنية، في عمليات سرية تهدف لإضعاف حزب الله، المنظمة الشيعية المدعومة من إيران. كما و لعبت الولايات المتحدة دورا في عمليات سرية تستهدف إيران و حليفتها سورية. و النتائج الجانبية لهذه النشاطات تكمن في دعم الجماعات المتطرفة السنية المعتنقة للرؤية العسكرية للإسلام و هي معادية لأميركا و متعاطفة مع القاعدة).و يتابع هيرش قائلا: (ستقوم الحكومة السعودية، بموافقة واشنطن، بتوفير الدعم المالي و اللوجستي لإضعاف حكومة الرئيس بشار الأسد في سورية. و يعتقد الإسرائيليون أن تطبيق هكذا ضغوط على حكومة الأسد سيجعلها أكثر طواعية و انفتاحا للمفاوضات).
وذكر في التقرير أيضا الارتباط بين المجموعات المتطرفة و التمويل السعودي، ما يعكس إشارة مركز ويست بوينت لمكافحة الإرهاب إلى أن السعودية تقف وراء توفير معظم المقاتلين و التمويل في العنف الطائفي في العراق ، و قال تقرير هيرش: (أكد بندر و سعوديون آخرون للبيت الأبيض بأنهم سيراقبون الأصوليين الدينيين جيدا، و رسالتهم لنا كانت "لقد خلقنا هذه الحركة و يمكننا السيطرة عليها، هذا لا يعني أننا لا نريد من السلفيين إلقاء القنابل ، و لكن الأمر يتعلق بمن ستلقى عليه، حزب الله، مقتدى الصدر، ايران، و السوريين اذا استمروا في العمل مع حزب الله و ايران).
و رغم روايات الإعلام الغربي المكررة، يبدو أن الولايات المتحدة و إسرائيل و السعودية قبل أي أحد آخر، هم الممول الأكبر للإرهاب المدعوم من الدولة، و الأكثر من ذلك، ظهر بأن القاعدة، المنظمة الدولية الإرهابية الأكثر رعبا و الأسوأ سمعة، و أتباعها المتنوعين بما فيهم الجناح السياسي للأخوان المسلمين، لم تخلق فقط من قبل الولايات المتحدة و السعودية في جبال أفغانستان في الثمانينات، و لكن منذ ذاك الوقت تم تخليدها من قبل هاتين الدولتين.
دول اتهمت باحتضان القاعدة و رعاية الإرهاب، مثل العراق و إيران و سورية و ليبيا، كانت في الواقع من قاتل القوى المتطرفة بضراوة، و لكنها تعرضت للدمار بفضل الجهود الغربية التي صورت الميليشيات المستهدفة على أنها "محتجين مؤيدين للديمقراطية" كما حدث في ليبيا حين كانت قوات القذافي على أبواب بنغازي. و بشكل مشابه يحدث هذا اليوم في سورية مع قيام حكومة الرئيس بشار الأسد بمحاربة هذه الشبكات الإرهابية التي يصفها الإعلام الغربي ب"مقاتلي الحرية" و "متمردين مؤيدين للديمقراطية".
دور الحكومة السورية في دعم القاعدة في العراق
يؤكد الإعلام الغربي على أن الحكومة السورية تشكل خطرا على الأمن الدولي. و أشار في مناسبات كثيرة إلى أن الحكومة السورية كانت و لا تزال تدعم القاعدة. و لكن ماذا يقول مركز ويست بوينت لمكافحة الإرهاب عن دور الحكومة السورية فيما يتعلق بتدفق المقاتلين الأجانب الى العراق المجاور خلال الاحتلال الغربي؟ أو عن تاريخ الحكومة السورية بالنسبة للمجموعات القتالية المتطرفة مثل الأخوان المسلمين سلف تنظيم القاعدة ؟؟
التقرير الثاني الصادر عام 2008 حمل عنوان: "مفجرون، حسابات بنكية، إراقة دماء: طريق القاعدة إلى و من العراق"، و فيه سرد نادر و صريح لأصل القاعدة و تاريخها في سورية. و يكشف عن أمور تتناقض و النقاشات التي تكرر دائما في الإعلام الغربي المتعلقة بالرئيس السوري حافظ الأسد و الإجراءات الصارمة التي اتخذها في الثمانينات. إذ تحاول وسائل الإعلام إظهار الرئيس حافظ الأسد كمجرد مستبد عامل المدنيين بوحشية لأنهم ببساطة انتفضوا ضده, غير ان تقرير مركز مكافحة الارهاب يقول: (خلال النصف الأول من الثمانينات كان دور المقاتلين الأجانب في أفغانستان تافها و لم يلق اهتماما من المراقبين الخارجيين. فتدفق المتطوعين من البلاد العربية كان هزيلا في بداية الثمانينات ، رغم وجود روابط أكثر أهمية بين المجاهدين و مسلمي آسية الوسطى. و لكن مع حلول عام 1984 أصبحت الأموال المسكوبة لأجل الصراع من قبل دول أخرى( سيما السعودية و الولايات المتحدة) أكبر و كذلك فاعلية و حرفية جهود التجنيد. و عندها فقط بدأ المراقبون الأجانب ملاحظة وجود متطوعين خارجيين.
و ساهم قمع الحركات الإسلامية في الشرق الأوسط في تسريع عجلة مغادرة المقاتلين العرب إلى أفغانستان.و إحدى المراحل الهامة تمثلت بحملة نظام الرئيس السوري حافظ الأسد ضد حركة الجهاديين في سورية بقيادة "الطليعة المقاتلة" التابعة للأخوان المسلمين. و أدت الاجراءات الصارمة الى رحيل مقاتلي الطليعة الى الدول العربية المجاورة. و في عام 1984، بدأ عدد كبير من هؤلاء الرجال بشق طريقهم من المنفى في السعودية و الكويت و الأردن نحو جنوب شرق أفغانستان لمقاتلة السوفييت).
و تبين فيما بعد أن "قسوة" حافظ الأسد كانت موجهة ضد متطرفين طائفيين و متعصبين شكلوا فيما بعد أساس القاعدة و عملوا كقوى للعنف و زعزعة الاستقرار عبر العالم، مع تدفق الموارد بشكل خاص من السعودية و الولايات المتحدة، كما ذكر مركز ويست بوينت لمكافحة الارهاب.
و اعاد تقرير 2008 الحديث عن أهمية الجماعة الليبية الاسلامية المقاتلة قياسا للعدد الكبير للمقاتلين المرسلين الى العراق و اندماجها الرسمي مع القاعدة: (اليوم، الجماعة الليبية الاسلامية المقاتلة شريك هام للتحالف العالمي للمجموعات الجهادية المرتبطة بالقاعدة. و الراحل أبو ليث الليبي ، أمير الجماعة أكد على أهمية بنغازي و درنة لجهاديي ليبيا في تشرين الثاني 2007 حين الإعلان عن انضمام الجماعة الى القاعدة فقال: (بنعمة من الله كنا نرفع راية الجهاد ضد النظام المرتد تحت قيادة الجماعة الليبية الإسلامية المقاتلة، التي ضحت بالنخبة من أبنائها و قادتها في محاربة هذا النظام الذي سيسيل دمه على جبال درنة و شوارع بنغازي و ضواحي طرابلس و رمال الشاطئ).
و يمضي التقرير في شرح الطريقة التي وصل بها المقاتلون الى العراق عبر سورية. و كشف التقرير وجود "منسقين" يعملون مع مجموعات متطرفة في سورية و معادين للحكومة، و ليست الحكومة من قام بتنظيم عبور المقاتلين الى العراق.و تحدث التقرير عن الاجراءات التي اتخذتها الحكومة السورية في محاولة لايقاف تدفق المقاتلين عبر الأراضي السورية، و لكنها ببساطة لم تكن فعالة بسبب الظروف الديمغرافية و الاقتصادية على طول حدود المنطقة.
و ما من اشارة في الوثيقة الى قيام الحكومة السورية بتقديم تسهيلات للقاعدة و تحرك المقاتلين المتطرفين عبر الأراضي السورية. و أي مساعدة من الحكومة كانت من قبل أشخاص عملوا بشكل مستقل مثل نواف فارس، الذي كان ولاؤه دائما موضع تساؤل، و الذي انضم في نهاية المطاف إلى تلك المجموعات المتطرفة عندما حول المقاتلون أنظارهم من العراق إلى سورية عام 2011.
من الواضح أن الحكومة السورية، و على امتداد عقود، كانت تحارب تطرفا طائفيا و ارهابا مقاتلا و بشكل أكثر تحديدا الأخوان المسلمين و القاعدة ذاتها. و حاول الاعلام الغربي رسم صورة لنظام استبدادي يعامل المدنيين بوحشية لأنهم ببساطة يتوقون الى "الديمقراطية" و "الحرية"، و لكنها في الحقيقة حكومة تبذل ما بوسعها لحماية سيادتها و غالبية شعبها من الآثار المدمرة للتطرق الطائفي الذي ظهر خلال "حرب العراق الأهلية" و الآن يتوضح ضمن حدود سورية نفسها.
آمل أن يؤدي توثيق الأدلة المقدمة من قبل مركز ويست بوينت لمكافحة الإرهاب الى فهم هذه الموجة من الإرهاب بشكل أفضل و بالتالي هزيمتها. آمل أن يتمكن شعبا الولايات المتحدة و سورية من رؤية أي قوى توجد ضمنهم تشارك في تخليد القاعدة و استخدامها لوكلاء مقاتلين. و مع قراءة التقريرين الخطيرين يبدو أن هناك دولا أخرى معرضة لخطر الوقوع ضحية لاستغلال مشابه من قبل القاعدة لخدمة سياسة خارجية غربية ، و يمكن لهذه الدول البدء بالاستعداد و اتخاذ الحذر من الحقيقة وراء هذه الأداة الجيوسياسية.
عن موقع The 4th Media
الجمل: قسم الترجمة
إضافة تعليق جديد