وجوه مستخدمي النت في قبضة «الوكالة»
قبل أيّام، صرّح فلاديمير بوتين أنّ «الإنترنت ليس سوى مشروع لوكالة الاستخبارات الأميركية، ويجب التحكّم به». سخرت وسائل الإعلام الأميركية من ذلك التصريح، ولم ترَ فيه سوى تعبير عن انزعاج الرئيس الروسي من الإنترنت، كونه يحول دون إحكامه السيطرة الكاملة على شعبه. ربما يكون ذلك صحيحاً، لكنّ الصحيح أيضاً أنّ وكالة الأمن القومي الأميركيّة، حوّلت الإنترنت، إلى نافذة للتجسّس على بيانات ملايين المستخدمين، والتحكّم باتصالاتهم، واستعمال بياناتهم.
أيام قليلة فصلت بين تصريح بوتين، وتقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» حول فضيحة جديدة من فضائح تجسّس «وكالة الأمن القومي NSA»، تتعلّق بعملها على تطوير تكنولوجيا لبناء نظام يتعرّف الى ملايين الوجوه، من خلال صور منشورة على الويب. التقرير مبني على وثائق سريّة، سرّبها المتعاون السابق مع الوكالة إدوارد سنودن. وتلك هي المرّة الأولى التي يتمّ الكشف فيها عن تقنيات مماثلة، منذ بدأ سنودن بتسريب وثائق حول تعقّب الوكالة للاتصالات على الإنترنت، العام الماضي. وبحسب تقرير الصحيفة، فإنّ الوكالة «تستغل تدفق الأعداد الكبيرة للصور عبر الرسائل الالكترونية والرسائل النصيّة ومواقع التواصل الاجتماعي والاجتماعات التي تتم عبر التواصل بالفيديو وغيرها، لبناء بيانات تمكّنها من التعرّف الى الوجوه بسهولة». وتبرّر الوكالة لجوءها إلى تلك التكنولوجيا، باستباق المخطّطات الهادفة إلى زعزعة الأمن القومي الأميركي، ومكافحة الإرهاب. وبحسب التقرير، لا تريد الوكالة حصر عملية التعرّف إلى الوجوه بالولايات المتحدة، بل تسعى إلى توسيع نطاقها ليشمل دولاً مثل السعودية، باكستان وإيران.
الكشف عن تقنية تجميع سمات ملايين الوجوه، من خلال تعقّب الصور المنشورة على الويب، جدّد النقاش في أميركا حول خصوصيّة المستخدمين. وهو نقاش لم يخفت أساساً، منذ تسريب أولى وثائق سنودن العام الماضي، حول برنامج «بريسم» الخاص بتعقّب الاتصالات على شبكات التواصل والإنترنت. ويتساءل الأميركيون عن ضيق مساحة الخصوصيّة المتبقية لهم. سؤال كان قد أجاب عنه ربما الممثل جون فويت في دور المسؤول الفاسد في وكالة الأمن القومي الأميركية طوماس رينولدز، في فيلم «عدوّ الدولة» العام 1998. يقول رينولدز مخاطباً إحدى شخصيات الفيلم: «...الخصوصية ماتت منذ سنوات لأننا لا نستطيع أن نخاطر من أجلها. داخل رأسك هو المكان الخاص الوحيد المتبقي لك. ربما هذا كاف...». مع عرض هذا الفيلم، كان الجمهور الأميركي يكتشف للمرّة الأولى وكالة الأمن القومي، بعدما كانت الاستخبارات المركزيّة CIA الوكالة «الأمنية» الوحيدة «الشهيرة». لكن من أجل إعطاء الضوء الأخضر لتصوير هذا الفيلم، اشترطت وكالة الأمن القومي أن يتمّ التحدّث فيه عن موظف فاسد في الوكالة وليس عن وكالة فاسدة. ولا تبدو التقارير المسرّبة أخيراً عن تقنيات التعرّف إلى الوجوه، أقلّ ضرراً على سمعة الوكالة، من الفيلم المذكور. فتقرير «نيويورك تايمز» يحدّثنا عن وسائل اتبعتها الوكالة في العامين 2010 و2011، ومن البديهي في عالم الأمن والاستخبارات، أن تعتبر تلك المعلومات، بعد مرور ثلاث إلى أربع سنوات عليها، منتهية الصلاحية. ولا بدّ من أن تكون الوكالة اليوم، في العام 2014، قد طوّرت وسائل أكثر فعاليّة للحصول على المعلومات التي تريدها.
«خصوصية الفرد في زمن الإنترنت» هي أيضاً الموضوع الذي شغل الإعلام الأوروبي نهاية الأسبوع الماضي. لكن في القارة العجوز ساد، هذه المرة، شعور إيجابي بعدما أصدرت «محكمة العدل في الاتحاد الأوروبي» قرار «الحق في النسيان» ضدّ العملاقة «غوغل». و«الحق في النسيان» يعني أنّه يمكن لأي مواطن على أراضي الاتحاد الأوروبي، أن يطلب إزالة كل المعلومات المتعلّقة به عن محرك البحث «غوغل»، بعد ملء استمارة يبرّر فيها مطلبه... في اليوم الأول بعد قرار المحكمة تلقت شركة «غوغل» 12 ألف استمارة من راغبين بإزالة المعلومات المتعلّقة بهم. لكن هذا القانون لا يسري على بقية دول العالم، حيث يبقى بمقدور متصفحي محرّك البحث من خارج الأراضي الأوروبيّة، الحصول على كافة المعلومات حول «طالب النسيان». وبينما فرحت دول الاتحاد بهذا القرار، جاء موقف «غوغل» سلبياً منه، معتبراً أنّه قد يشكل سابقة تبني عليها أنظمة «دكتاتورية»، للمطالبة بحجب بعض المعلومات. إلاّ انّ سبب الامتعاض الفعلي، ناتج من قدرته على عرقلة «غوغل» لاستثمار المعلومات. فالشركة الأميركية تنفق مبالغ كبيرة لجمع تلك المعلومات، وهي لا تريد بالتأكيد أن يجبرها قرار محكمة على حذفها.
زينب مرعي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد