ما هي دلالات انتقال الرياض وأنقرا إلى مرحلة الهجوم الديبلوماسي على دمشق
الجمل: تحدثت التقارير الجارية عن حدوث توترات غير مسبوقة في الموقف التركي ـ السعودي ـ الخليجي إزاء ملف الحدث السوري، وما كان لافتاً للنظر أن دمشق هذه المرة سعت إلى الرد بحزم، على النحو الذي بشر بوضوح إلى أنه إذا كانت الأطراف المشار إليها قد بررت ردود أفعالها الجديدة على أساس أن صبرها قد نفد، فإن دمشق قد سعت هذه المرة لجهة التأكيد على أن صبرها قد نفد أيضاً: فما هي حقيقة التطورات الجديدة، وإلى أي مدى سوف تتغير طبيعة التفاعلات الإقليمية خلال الأيام المقبلة على خلفية تداعيات زخم صدام القاطرة السورية؟
* بيئة الحدث السوري: الفعاليات الإقليمية الجارية
سعت أنقرا خلال الأربعة وعشرين ساعة الماضية إلى إطلاق المزيد من المواقف الأكثر تشدداً لجهة الكشف عن نواياها الحقيقية إزاء دمشق، وفي هذا الخصوص لم تكن أنقرا وحدها، بل تلازم موقفها مع موقف بعض الأطراف العربية الأخرى، وفي هذا الخصوص نشير إلى الآتي:
• الموقف التركي: تحدث رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان عن قيامه بإرسال وزير خارجيته داوود أوغلو حاملاً رسالة إلى دمشق تعبر عن ما أسماه أردوغان بـ" المطالب الحازمة". ومبرراً ذلك بأن صبر أنقرا قد نفذ.
• الموقف السعودي: أعلن العاهل السعودي الملك عبد الله عن استدعائه للسفير السعودي لدى دمشق، وذلك من أجل إجراء المشاورات. إضافة إلى تعبير العاهل السعودي عن ضرورة وقف العنف في سوريا واصفاً هذا العنف بأنه أصبح غير مقبول.
• الموقف الخليجي: دعا مجلس التعاون الخليجي (السعودية ـ الكويت ـ الإمارات ـ قطر ـ البحرين ـ سلطنة عمان) دمشق إلى ضرورة وقف العنف. وما كان لافتاً للنظر أن الموقف الخليجي قد اكتفى بالحديث عن عنف السلطات متجاهلاً عنف الأطراف الأخرى.
إضافة إلى تلازم التوقيت الذي تواترت على خلفيته المواقف التركية ـ السعودية ـ الخليجية المتزامنة، فإن هذه المواقف تميزت بالآتي:
• اعتماد المواقف والمفردات التي تشير بوضوح إلى الالتزام بالبقاء ضمن حدود وإطار الموقف الأمريكي الرسمي المتحيز لجهة استهداف دمشق، ودعم المعارضة.
• تكثيف الضغوط الاتصالية ـ الإعلامية ـ النفسية، ذات الطابع الردعي الذي يسعى ليس لإفزاع دمشق وحسب، وإنما أيضاً لجهة إضعاف موقفها في الساحة الداخلية والإقليمية والدولية.
• تمهيد المسرح الإقليمي والدولي لجهة حملة ذرائع جديدة، بحيث تبدأ هذه المرة عملية استهداف دمشق بواسطة الأطراف الشرق أوسطية، ثم يأتي لاحقاً دور الأطراف الدولية الأخرى وعلى وجه الخصوص محور واشنطن ـ باريس ـ لندن، الذي يعمل ضمن سقف المشروع الإسرائيلي في المنطقة.
* تحالف الذين نفد صبرهم إزاء سوريا: كم عمر الصبر ؟
تقوم التحالفات الإقليمية والدولية على أساس اعتبارات عامل الإرادة الداخلية، والانفتاح الإيجابي لجهة دعم المصالح الإيجابية المشتركة، وتأسيساً على هذه المبادئ شهد العالم قيام تحالف الإتحاد الأوروبي، وتحالف الآسيان. وبرغم ذلك فقد ظلت منطقة الشرق الأوسط طوال الحقب الماضية تتميز بظهور التحالفات والائتلافات الظرفية العابرة، الساعية لخدمة أغراض الأطراف الأجنبية أكثر من خدمة شعوب المنطقة، وفي هذا الخصوص نشير إلى أن "تحالف المعتدلين العرب" الذي قام على خلفية العدوان الإسرائيلي ضد لبنان وخلفية مواقف بعض الدول العربية المناهضة لخط المقاومة، بفعل الإرغام والقسر الأمريكي، كان أحد التحالفات الظرفية الهشة العابرة. والآن، وعلى خلفية فعاليات الحدث السوري، جاءت ائتلافات جديدة، يمكن وصفها باسم "تحالف الذين نفذ صبرهم إزاء سوريا".
ينطوي هذا التحالف الجديد على المزيد من المكونات الاعتباطية، والتي تتضمن قدراً كبيراً لجهة توظيف معطيات نظرية المؤامرة، لجهة الإضرار بالمصالح الذاتية الخاصة بأعضاء هذا الحلف، وفي نفس الوقت لجهة إفادة ودعم مصالح الأطراف الأجنبية، وفي هذا الخصوص نشير إلى الآتي:
• أنقرا: تسعى لجهة التأكيد على دورها القائد في المنطقة. ولكن في نفس الوقت لاتفهم أن مصداقية القيادة تقوم على مدى قدرتها لجهة فهم وإدراك حقيقة الاوضاع الجارية، إضافة إلى التعامل بنزاهة وحيادية مع جميع مكونات المنطقة.
• الرياض: حزمت أمرها على احتباس عملية صنع قرارها السياسي ضمن بنود متطلبات جدول أعمال السياسة الخارجية والأمريكية الشرق أوسطية، وهو أمر بدا واضحاً للجميع منذ فترة حرب الخليج الأولى التي أخرجت القوات العراقية من الكويت، ثم تأكد بشكل واضح اكثر فأكثر خلال حرب لبنان في صيف عام 2006 م.
أما بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي الستة إضافة إلى المجلس نفسه، فقد بدا واضحاً للجميع أن هذه الأطراف أصبحت اكثر رهاناًُ لجهة التماهي والانسجام الكامل مع متطلبات وتوجهات السياسة الخارجية الامريكية. وطالما أن واشنطن تمثل بالنسبة لهذه الدول الحامي الأول من خطر الاستهداف الداخلي، ومن المخاطر الإفتراضية الأخرى، فقد تعاونت هذه الدول لجهة التوسع في استضافة القوات الأمريكية. وبما أدى في نهاية الأمر إلى جعل هذه الدول ضيفاً على القوات الأمريكية.
تسارعت وتائر الصراع اليمني ـ اليمني، بين الأغلبية الشيعية المناهضة لنظام الرئيس على عبد الله صالح حليف واشنطن، وبرغم ذلك سعت دول الخليج والسعودية وواشنطن وتركيا لجهة تقديم المبادرات ومناشدة الأطراف العمل على التهدئة والحوار وصولاً إلى الحل السلمي، ولم يحدث مطلقاً أن سعى أحد زعماء هذه الدول لإطلاق التصريحات التي تقول بأن "صبره قد نفد".
وإضافة لذلك، سارعت وتائر الصراع السياسي البحريني ـ البحريني، بين الأغلبية الشيعية المناهضة للنظام الملكي، ولم تسع هذه الأطراف لجهة تقديم المبادرات، وإنما سعت لجهة إرسال القوات السعودية التي تقوم حالياً تحت غطاء مفهوم أمن دول مجلس التعاون الخليجي بعمليات قمع وقتل المدنيين البحرانيين، ومن غير المتوقع أن يقوم أي طرف من هذه الأطراف بالتعليق قائلاً "بأن صبره قد نفد".
وبالنسبة لليبيا، فقد بدا واضحاً أن صبر هذه الأطراف قد نفد بشكل استباقي، بما دفعهم إلى تحريك الجامعة العربية والمطالبة بالتدخل الدولي، الأمر الذي أدى إلى ما نراه الآن من جرائم دولية ترتكب في حق ليبيا والليبيين. وبالنسبة إلى سوريا، يبدو أن "تحالف الذين نفد صبرهم" قد بدا أكثر اهتماماً لجهة تصعيد وتائر المواقف المعادية لسوريا، وفي هذا الخصوص، يمكن الإشارة إلى الآتي:
• التصعيدات غير المعلنة: وتضمنت تمويل الحركات الأصولية المسلحة، إضافة إلى دعم الفعاليات اللبنانية المعادية لدمشق، إضافة إلى القيام بتوفير الملاذات الآمنة لخصوم دمشق، إضافة إلى القيام برصد الأموال، وتنسيق المواقف مع أطراف محور واشنطن ـ تل أبيب. هذا، وتجدر الإشارة إلى أن هذه التصعيدات غير المعلنة قد بدأت منذ بضعة سنوات.
• التصعيدات المعلنة: وتضمنت القيام عن كشف ما هو جاري ومعروف سلفاً، بما في ذلك إطلاق التصريحات المعادية لدمشق، والسعي لجهة التعاون مع مخططات فرض الضغوط الدبلوماسية والاقتصادية والسياسية ضد دمشق.
ظلت التصعيدات المعلنة وغير المعلنة تأخذ طابعاً أفقياً لجهة توسيع دائرة الانتشار، وفي نفس الوقت تأخذ طابعاً رأسياً لجهة التشدد ورفع مستوى الشدة، وعلى خلفية التطورات التي حدثت بالأمس واليوم، فقد بدأت هذه التصعيدات تأخذ طابعاً دائرياً، ينطوي على المظاهر والمعالم الآتية:
• التصعيد على خلفية ذرائع مطالبة دمشق بالإصلاحات، وعندما بدأت دمشق في الإصلاحات انتقل التصعيد باتجاه مطالبة دمشق بالإصلاحات الجادة، وعندما بدأت دمشق بالإصلاحات الجادة، انتقل التصعيد باتجاه التأكيد على ذرائع أن صبرهم قد نفد وبأن ما يحدث هو غير مقبول.
• التصعيد على أساس الاعتبارات السلوكية، بحيث ظل كل طرف يسعى لاتخاذ الترتيبات العملية الإجرائية، مثل إرسال وزير الخارجية، واستدعاء سفيره للتشاور، مع التجاهل الكامل المتعمد للحقائق الموضوعية الجارية.
بدا واضحاً للجميع داخل وخارج سوريا، أن المنطقة قد أصبحت أمام خيار سيناريو التصعيدات الدائرية والتي كلما قاربت حلقاتها على الانتهاء، كلما بدأت حلقة جديدة، وقبل أن يكتمل أي مشهد، يبدأ المشهد التالي له، وهكذا.. وتأسيساً على ذلك، فقد بدا واضحاً للعيان هذه المرة أن صبر دمشق قد نفد أيضاً.
* حسابات الفرص والمخاطر: ماذا تقول البنود والمعطيات
استطاع الزعيم التركي رجب طيب أردوغان وحزبه العدالة والتنمية أن يحقق نصراً غير مسبوق على خصومه الداخليين عندما فاز للمرة الثانية على التوالي بجولة الانتخابات العامة التركية، وهي السابقة الأولى في تاريخ تركيا السياسي المعاصر. وخلال هذه الفترة سعت أطراف محور واشنطن ـ تل أبيب، إلى استهداف نظامه بشتى الوسائل المعلنة وغير المعلنة. والآن وعلى خلفية الثقة المفرطة بالنفس، فإن الزعيم أردوغان أصبح على وشك التورط الكامل في ملف الحدث السوري، وهو التورط الذي سيكلف أردوغان المزيد من الخسائر الاقتصادية بما سوف يودي إلى تقوض دعائم الاقتصاد التركي، وأيضاً إلى المزيد من الخسائر العسكرية بما سيؤدي إلى تصعيد روح الغضب في أوساط العسكريين الأتراك الناقمين عليه بالأساس. وإضافة إلى المزيد من الخسائر الأمنية، طالما أن المنطقة سوف تصبح مرتعاً خصباً لحزب العمال الكردستاني التركي.
لقد سعت واشنطن وباريس ولندن ومعهم عواصم المعتدلين العرب لجهة القيام بممارسة كافة أنواع الضغوط ضد دمشق، ولم تفلح. وخلال مراحل ما قبل صعود أردوغان وحزبه فقد كانت أنقرا تطبق كافة الضغوط والتهديدات ضد دمشق ولم تفلح أيضاً. والآن فإن الجديد الذي سوف تأتي به الضغوط الجديدة، سوف يتمثل في ضغوط التغذية العكسية المرتدة، والتي يبدو أن زعماء تحالف الذين نفد صبرهم لم يحسبوا حساباتها بعد: إنها سوريا يا غبي!!؟
الجمل ـ قسم الدراسات والترجمة
التعليقات
عندما يتعملق الأقزامُ فيحسبون أنفسهم طوالاً
يا اخي سلمت يداك وسلمت لسوريا
لقد فقد الزعماء الأتراك رشدهم - لا تكونوا جيران سوء
أجيبوه بوعي وبحزم
الحذر من الزيارات المشبوهة
آن الأوان لاستعادة الرشد يا معارضة الداخل
نادي المطلٌَّقين الساخطين ... سيحل نفسه بعد حين
سلام الله على وطني
إضافة تعليق جديد