عن الديموقراطية الإرتوازية والفراغ الرئاسي اللبناني ومايا دياب
الجمل ـ بسام الحكيم: لروي في الأساطير أن الإغريق وبعد فشلهم بدخول طروادة على الرغم من حصارها عشر سنوات, صنعوا حصاناً خشبياً عملاقاً ملؤوه جنوداً وأهدوه للطرواديين, جَمال الحصان وكبر حجمه لحَسَ عقول الطرواديين فأدخلوه مدينتهم ورقصوا فوقه وشربوا نخبه حتى ثملوا, وفي الصباح استفاق من بقي منهم على قيد الحياة ليشاهد مدينته تحترق. ما فعله الإغريق في هذه الاسطورة تفعله أمريكا معنا اليوم بعدما استبدلت الحصان الخشبي بالحرية والديمقراطية, فخرجت الجماهير تهتف لهذه المصطلحات وتُصفّق لها، بينما نستفيق ونصحى يومياً على مدننا تحترق الواحدة تلو الأخرى ونحفر في التاريخ اسم إسطورتنا الجديدة ربيع طروادة العربي. كثيراً ما كنت أتسائل بيني وبين نفسي, كيف لهذه الديمقراطية أن تكون أمراً مفيداً أو حميداً وأمريكا تهدد كل أعداءها بها؟؟؟ كيف تريد أمريكا الخير لدولاً تعاديها فتحاصرها وتجوّع شعوبها وتضربهم بالصواريخ والطائرات كي تفرض عليهم الديمقراطية؟؟؟ كيف لعاقل أن يصدق أن الديمقراطية ليست سلاحاً تستخدمه أمريكا في حروبها لاختراق التحصينات التي عجز عن اختراقها التوماهوك والكروز؟؟؟ وإذا كانت الديمقراطية شيئاً جميلاً وساحراً, لماذا لا تبدو أبداً هذه الأمريكا مهتمة بتطبيقها في محمياتها بممالك ومشيخات بول البعير الخليجية؟؟؟ عندما نبحث في أنظمة الحُكم التي أنتجتها البشرية حتى اليوم لابد وأن تلحس عقولنا أنظمة الحكم الديمقراطي حيث كل الشعب هناك يحكم نفسه بنفسه فيعيش بتبات ونبات ويخلف صبيان وبنات!!! بل حتى أولئك الذين نشاهدهم يفترشون الطرقات وينامون بمحطات المترو ويتسولون مجرد سيجارة أو ثمن علبة بيرة, فينبغي أن نصدّق أنهم يحكمون أنفسهم ويشاركون برسم السياسات الداخلية والخارجية في دولهم الديمقراطية. سريعاً جداً نكتشف أن الديمقراطية لا تعني أبداً حكم الشعب, بل المقصود منها هو حكم ما يُسمى الأغلبية من الشعب, لنقع مباشرة على وجه آخر يتجاهله عادة دُعاة الديمقراطية يتمثل بوجود دائم لجزء من الشعب يُحكَم بواسطة من لا يريده أو بما لا يُناسبه ولا يرضاه، واللافت بالأمر أن حجم هذا الجزء قد يمتد ليصل إلى نصف الشعب تقريباً في بعض الأحيان والأمثلة كثيرة على رابحين بانتخابات ديمقراطية حكموا وهم بالكاد حصلوا على نصف أصوات ناخبيهم. الوعي الحضاري الكبير نسبياً والحالة المتمدنة المتقدمة وفصل اللاهوت تماماً عن كل ما يتعلق بالحكم في مجتمعات الدول الرافعة للواء الديمقراطية لازال حتى اليوم يُخفي الكثير من عيوب هذه الديمقراطية، ففي أمريكا مثلاً لا يوجد أمريكيون يرفضون الاعتراف بأمريكيتهم ويقولون عن أنفسهم أنهم كولومبيّون، ولا تجد أيضاً ولايات يناضل أهلها للاستقلال بجزء منها بحجة أنهم مكسيكيون حمر أو خضر أو زرق ولهم امتداد في أجزاء من دولة المكسيك!!! وهناك لا يوجد أتباع لبنجامين فرانكلين يعتبرون حكومته الأولى سلف صالح ويبذلون الغالي والرخيص في سبيل إحياء رئاسته ونشرها في أصقاع الأرض, السواد الأمريكي الأعظم متفق على يمينيته وبُعده عن اليسار ومتفق أيضاً حول أعداءه وحلفائه، فكل الأمريكيين عماد لحلف الناتو وكوريا وإيران بالنسبة لهم محور شر وهم مع اسرائيل على طول الخط مهما تمادت بالقتل والتنكيل بالفلسطينيين أو بباقي جيرانها فأمن اسرائيل وسلامتها دائماً كأمنهم وسلامتهم, وهناك عندما يتناحر الجمهوريون والديمقراطيون وتحتدم معاركهم الانتخابية, يخرج الأول ليقول أنه يؤيد الإجهاض فيعاجله الآخر ويقول أنه ضده, يقف الأول ليؤكد اعترافه بحقوق المثليين فيؤكد الثاني عدم اعترافه بها, حول هذه الأمور يختلف الأمريكيون بينما في السياسة ينتصر الديمقراطي على الجمهوري ولا يتغير شيء أبداً, فما بين الحمار شعار الديمقراطيين والفيل شعار الجمهوريين يختلف الشكل نعم, إنما يبقى المضمون واحد. أحد أهم شروط ممارسة الديمقراطية هو النضج والوعي فلذلك ومع أنها تعني حكم كل الشعب فهي تستثني من هذا الشعب من هم تحت سن الرشد كالمراهقين مثلاً, فهؤلاء مهما كبرت أو صغرت نسبتهم في المجتمع فهم محرومون من المشاركة في اختيار ممثليهم في الحكم، مما يعني أن فلسفة الديمقراطية تؤمن بأن السنين وحدها كفيلة بإنتاج الإدراك والنضج عند الإنسان, هذه القناعة تصحّ بشكل كبير في الدول الغنية والتي لا تعاني أبداً من أي كثافة سكانية مرتفعة (ينطبق هذا على كل الدول الغربية التي تسعى لفرض الديمقراطية بباقي العالم) حيث يحظى الوليد في هذه الدول بكامل الرعاية الصحية والتربوية والتعليمية فيبلغ فعلاً الحد المقبول من الوعي والنضج في سن الرشد, بينما لا يصح هذا الأمر بتاتاً في الدول الفقيرة والمهددة بانفجارات سكانية حيث هناك قد يصل الفرد سن الكهولة والشيخوخة وهو أبعد ما يكون عن أي نضج. اللافت أيضاً أن الأهمية الكبيرة لهذا الشرط في ممارسة الديمقراطية تغيب تماماً بعد بلوغ سن الرشد، إذ أن الجميع يصبحوا ناضجين واعين بذات النسبة والسوية، فمهما كان الفرد أهتر أو معتوه فهو في الديمقراطية مثله مثل أفضل عالم أو بروفيسور في الجامعة!!! على ما أعتقد أن أولى إطلالات الديمقراطية في منطقتنا التي مازالت أجزاء واسعة منها بعيدة تماماً عن الحالة المدنية كانت في العراق بعد إسقاط الحكم الشمولي والقمعي فيه, حيث مباشرة وبدون أي مكياج أو رتوش أفرزت الانتخابات الديمقراطية إنقسامات قبائلية عشائرية طائفية عرقية أوصلت العراق بعد أكثر من عشر سنين من التفجير والتدمير إلى أن تكتب"التايم" المجلة الأشهر في أمريكا (التي جلبت الديمقراطية للعراق بالطائرات والصواريخ والدبابات) على غلافها قبل أيام "نهاية العراق"!!! إطلالة الديمقراطية الثانية كانت من لبنان, حيث وبمجرد إعلان السوريون نيّتهم سحب جيشهم منه وقبل أن يخرج هذا الجيش فعلاً, انقسم اللبنانيون إلى جماعتين واحدة في أقصى الشرق وواحدة في أقصى الغرب!!! حليف هؤلاء هو ألد أعداء أولئك وعدوّهم يُمضي شهر عسله الطويل مع الآخرين!!! تبدأ الديمقراطية وتُجرى انتخابات وانتخابات, وكلما فازت جماعة عطلت الأخرى الدولة ومؤسساتها!!! تشكيل الحكومة بلبنان يحتاج لأشهر طويلة مع أن تشكيلها مثل عدمه, فحتى لو تشكلت فهي لا تحكم!!! لا مجلس نواب ولا حكومة ولا رئيس في لبنان, لكن اللبنانيون يحمدون آلهتهم ويشكرونها على نعمة الديمقراطية وربي يسّر!!! توالت إطلالات الديمقراطية بعد ربيع طروادة المجيد, من تونس المرزوقي والنهضة إلى مصر مرسي والسيسي إلى الجماهيرية الليبية الحفترية العظمى واليمن الجنوبي السعيد والشمالي الأسعد وصولاً إلى سوريا جيش الإسلام والنصرة وداعش وكتائب المصطفى وأم المؤمنين والعرعور والجربا!!! كل هذا الانقسام والتفتيت والتشظي والدمار والخراب الذي جلبته لنا هذه الديمقراطية, ولازال هناك من يعتقد أن خلاصنا بها!!! حتى فلسطين المحتلة (لمن لا زال يذكرها) حيث لا دولة بعد, تتقاتل فتح مع حماس باسم الديمقراطية على مجرد وهم الحكومة, فهنيئاً لشعوبنا ديمقراطية يكتبها لنا سارتر آل سعود وهيجل آل ثاني ويقرأها علينا كشاش الحمام والطنبرجي والحبحبجي وكل غيفارات الجهل والتخلف من جماعة ما رميت اذ رميت ولكن ضاربك العمى!!! خلاصة ما أود قوله في النهاية، إن دولة القمع مهما بطشت واستبدّت فهي تبقى أرحم بكثير من ديمقراطية تهلك البشر والحجر، وحتى لا يُفهم كلامي على أنه دعوة للعودة إلى القمع فإني أدعو ما تبقّى من مفكّرين وأصحاب رأي في الوطن لم يلوثهم نفط الخليج وغازه بعد، لتقديم ما لديهم من أفكار لصياغة آلية حكم تتناسب مع مجتمعاتنا فتحميها من التفتت أولاً، وتحقق لها العدالة بعيداً عن أي ظلم وفساد، وللحديث بقية..
ملاحظة: لاعلاقة لمايا دياب بحديثنا لكن رئيس التحرير يرغب باصطياد الكسالى الذين يتعبون من القراءة والتفكير..
الجمل
التعليقات
مرة قرأنا بسبب هيفا( هل ستعيد
متى دور غاددة عبد الرازق
عن جد لعبة حلوة...... الصورة
كتبت في تعليق سابقتعريف
استاذ نبيل .. لم أذكر الشتائم
إضافة تعليق جديد