صالونات تجميل خاصة لليهوديات المحجبات في القدس
في أحد الشوارع التي تمر وسط مدينة القدس، يقف العشرات من الرجال اليهود الملتحين منهمكين في الصلاة، والقراءة في كتابهم المقدس.
ففي هذا الحي الذي يعتبر أكثر الأحياء اليهودية تدينا في المدينة، يعيش سكانه من اليهود شديدي التعصب حياة متشددة، يلتزمون فيها بقواعد دينية تحكم طريقة لباسهم ومظهرهم.
حيث تعمد السيدة اليهودية في ذلك الحي إلى ارتداء التنورات الطويلة والقمصان ذات الأكمام والياقات الطويلة. وبعد زواجها، تغطي رأسها بوشاح أو قبعة أو شعر مستعار.
ووراء الأبواب المغلقة، هناك ثورة هادئة لها علاقة بشكل أكبر بعمليات التجميل فقط، إلا أنها تغير في حياة الكثير من تلك السيدات.
ومن بين تلك الأماكن، التي تضيف إلى زخم ذلك التوجه، متجر يحمل اسم ييلات تشين.
فمن الخارج لا يختلف مظهر ذلك المكان عما حوله من المتاجر الأخرى في شارع ستروس. أما من الداخل فهو صالون تجميل للمتشددات اليهوديات.
قيود جنسية
ويأتي ذلك الصالون نتيجة للرغبة المتنامية لدى السيدات اليهوديات لمواكبة معايير الجمال في المجتمع العلماني الذي يحيط بهم، دون التخلي عن مظهرهن الديني المحتشم.
وقالت يافا لاري، صاحبة الصالون ذات الثمانية والخمسين عاما: "هناك العديد من القيود التي يواجهها هذا المجتمع. إلا أن ذلك لا يرجع، في الحقيقة، بالتأثير على ما يتعلق باهتمام السيدات المتشددات بمظهرهن."
ويعرف عن المجتمع اليهودي شديد التعصب، الذي يشكل أفراده ما يقرب من ثلث اليهود في القدس، أنه مجتمع يطبق الشريعة اليهودية بطريقة متشددة.
فأفراده يلتزمون بالمحافظة على التراث الديني، وغالبا ما يكون ذلك من خلال انعزالهم وتميزهم عن الغالبية العلمانية في إسرائيل.
ويطالب العديد من هؤلاء بفصل الرجال عن السيدات في الأماكن العامة، كما لا يتساهلون مع كشف السيدات لأجسادهن، ويدعون لأن تكون هناك رقابة على صورهن في المجلات والإعلانات التجارية، ويرون أيضا أنه لا يجب على الرجال أن يستمعوا إلى المغنيات حيث إن ذلك قد يثير لديهم الشهوة الغريزية.
ويقع صالون التجميل ذلك على بعد دقائق من حي ميي شياريم، الذي توضع على مداخله لافتات تطلب من زائريه "احترام حياة اليهود المتشددين".
احتياجات معقدة
وكانت لاري قد أنشأت صالون "ييلات تشين" (المرأة الجميلة) منذ ثلاثين عاما، وهي تعد من بين الرائدات في مجال التجميل الذي يستهدف السيدات من تلك الطبقة الدينية المتشددة.
وبعد أن استكملت تدريبها كمتخصصة في الماكياج، استشارت لاري أحد حاخامات القدس لينصحها بافتتاح صالون تجميل لليهوديات المتشددات، مؤكدا أن هذا المجتمع الديني يحتاج منها أن تعمل في هذا المجال دون غيره.
وتقول لاري: "أصبت بصدمة عندما طلب مني ذلك. ففي ذلك الوقت، لم تكن كلمة مستحضرات التجميل شائعة الاستخدام، فقد كان ينظر إليها على أنها كلمة غير محتشمة."
وقالت: "بالنظر إلى القيود المفروضة على مستحضرات التجميل، كنت أعلم أن ذلك المشروع لن يكون مجديا من الناحية الاقتصادية، ولم أكن أدرك كيف سيتقبلن فكرة التجميل. لقد كنت واقعة تحت قدر كبير من الضغط."
لذا، فقد علمت السنين لاري طريقة فهم الاحتياجات المعقدة لهذا المجتمع المتشدد. بل إنها عمدت إلى فتح باب خلفي لصالونها، حتى يلبي الرغبة لدى بعض السيدات اللاتي يراعين قواعد الاحتشام في الدخول إلى الصالون دون أن يراهن أحد.
وقالت لاري: "تماشيا مع القيود الدينية التي تلتزم بها تلك السيدات، فإننا نركز من خلال مستحضرات التجميل، التي نضعها لهن، على أن يبرز مظهرهن الطبيعي فقط دون تكلف في وضعه."
وتابعت قائلة: "هناك ثلاثة أنواع من الماكياج الذي تلجأ إلى استخدامه المرأة اليهودية المتدينة: نوع خفيف تستخدمه أثناء خروجها من المنزل، وآخر تضعه عندما تكون داخل المنزل، وثالث - يعتبر هو الأجمل والأكثر وضوحا - والذي لا يراه عليها سوى زوجها فقط."
نظام دينيومن
بين كبرى المشكلات التي كانت تواجه زبائنها هو أنهن لا يمكنهن وضع الماكياج في أيام السبت أو الأعياد الدينية، حيث إن ذلك محرم في الشريعة اليهودية. إلا أن تلك السيدات يطلب منهن في الوقت نفسه أن يظهرن أمام أزواجهن في أبهى منظر.
وأضافت لاري: "قال لي العديد من زبائني إنهن يخرقن ذلك ويقمن بوضع الماكياج، وقد يتحايلن على ذلك أيضا بالنوم على ظهورهن وعدم الحركة طيلة الليلة التي تسبق ذلك العيد الديني؛ ليحافظوا على ماكياجهن حتى لا يفسد."
وكان ذلك الصراع الداخلي لدى زبائن لاري دافعا لها لأن تسعى للحصول على إذن من أحد كبار الحاخامات لاستخدام مساحيق تجميل دائمة، تمكن للسيدات أن تضعها يوم الجمعة لتستمر بنفس مظهرها الجميل إلى يوم السبت.
لذا فقد خرج الحاخام الشهير عوفاديا يوسف، في النهاية بفتوى تبيح استخدام المساحيق الدائمة، وأنها ليست أشبه بالوشم الذي تحرمه الشريعة اليهودية.
وكان من بين السيدات اللاتي استفدن من وضع تلك المساحيق الدائمة سارة هيرتشورن، التي قالت إن وجهها دائما ما كان "شاحبا".
وقالت: "لم أكن أستخدم الماكياج في أيام السبت لفترة طويلة، إلا أن ظهور هذا الماكياج الدائم أحدث فرقا كبيرا لدي. وأصبح من الرائع الآن أن أضع الماكياج في أيام السبت دون أن أرتكب محرّما دينيا."
وتعتقد لاري أن زبائنها بدأن يلعبن دورا أكثر تأثيرا وأهمية في مجتمعهن، وذلك بالمقارنة ما بين دورهن عندما افتتح ذلك الصالون ودورهن في الأيام الحالية.
وتابعت: "تلتحق الآن أعداد أكبر من السيدات المتشددات بالعمل في مختلف الوظائف. كما انتشر العمل أيضا في مجال التجميل. ففي الشارع الذي يقع فيه متجري، يوجد حاليا هناك ما يتراوح بين ستة إلى ثمانية صالونات تجميل. إن ذلك يعتبر خطوة في الاتجاه الصحيح."
شيرا غيمر
المصدر: BBC
إضافة تعليق جديد