هكذا استرد الجيش السوري يبرود
سقوط يبرود، كان متوقعاً منذ البداية لدى قادة العمليات الميدانية، سواء من الجيش السوري أو من «حزب الله»، وقد تعزز هذا التوقع وصار وشيكاً بعد السيطرة على تلة مار مارون الإستراتيجية التي توجت سلسلة السيطرة على التلال المحيطة بالمدينة، حيث دخلت حسابات السقوط في إطار الساعات وليس الأيام.
إلا أن قادة الفصائل المسلحة، لا سيما «الجهادية» منها، كانت تراهن على تحصينات عسكرية استغرق الإعداد لها حوالي سنتين ونيف، وعلى طبيعة جغرافية قاسية تشبه طبيعة جبال «تورا بورا» في أفغانستان، أربكت الجيش الأميركي وأمّنت حماية كبيرة لقادة التنظيمات «الجهادية» على مر سنوات.
لكن رهانهم خسر، كما خسر رهانهم سابقاً على القصير. وكأن السيناريو نفسه يتكرر، حيث انهار المسلحون بسرعة قياسية تحت وطأة حصار محكم من قبل وحدات الجيش السوري و«حزب الله» مع قصف مركز على أهم مقارّهم وغرف القيادة والتحكم الخاصة بهم ومستودعات الذخيرة والسلاح.
وكما حدث في القصير، سلكوا المخرج الوحيد الذي تُرك لهم ليخلوا مدينة يبرود وينسحبوا منها، بعد أن سيطروا عليها قرابة عامين ونصف العام، ويفرّوا متجهين إلى بعض القرى المجاورة، لا سيما فليطة ومعرة يبرود ونسبة غير قليلة تمكنت من الدخول إلى بلدة عرسال اللبنانية.
ومع إحكام الجيش السوري قبضة الحصار على مدينة يبرود بعد سيطرته على التلال المحيطة بها تباعاً، وتوغل طلائع قواته أمس الاول مئات الأمتار داخل الحي الشرقي وصولاً إلى مستشفى الأمل، كانت تتسرب أنباء عن تجهيزات يقوم بها بعض قادة الفصائل، لا سيما التابعة لـ«الجيش الحر» استعداداً للهرب خارج المنطقة والفرار من المواجهة الأخيرة قبل حدوثها. ومن أبرز هؤلاء قائد «كتيبة حفظ النظام» أبو همام، وقائد «كتيبة الامن الداخلي» محمد ديب مدخنة، وفارس النمر قائد مجموعة مسلحة، وغيرهم مثل صدام حقوق وعبد الستار الخضرا وآخرين.
أما «جبهة النصرة» التي خسرت «أميرها في يبرود ونائب أميرها في القلمون» أبو عزام الكويتي، فكانت تخطط لخوض المواجهة ومحاولة استباق ذلك بكسر الحصار عن يبرود، فطلبت الدعم والتعزيزات من بعض الفصائل، لا سيما «جيش الإسلام» الذي تتمركز غالبية قواته في سهل رنكوس والرحيبة، لكن الأخير لم يلب نداء الاستغاثة ولم يحرك آلية واحدة من آلياته المركونة على بعد بضعة كيلومترات فقط، بينما قام لواء «تحرير الشام» بحركة استعراضية، حيث صور بعض عناصره وهم ينتشرون في أحد شوارع يبرود، مدّعياً أن تعزيزاته وصلت للتوّ إلى المدينة من دون أن يفسر كيف تمكن من خرق الحصار والدخول بشكل آمن إليها، ولكن كان واضحاً أن غايته إعلامية لتبرئة ذمته في مرحلة ما بعد سقوط يبرود.
وفي مساء السبت، كانت الأجواء داخل يبرود أن الجيش السوري، بعد نجاحه في حصار المدينة، سيأخذ بعضاً من الوقت، وربما أياما عدة، لتثبيت نقاط سيطرته وإحكام الحصار أكثر فأكثر، قبل أن يدخل في حرب شوارع وعصابات، كما أطلق عليها المسلحون. لكن المفاجأة التي لم تكن بحسبانهم نزلت عليهم نزول الصاعقة بعد ساعات فقط، حيث قامت وحدات من الجيش السوري و«حزب الله» باقتحام المدينة ليلاً من ثلاثة محاور، من جهة حي الصالحية باتجاه السوق الرئيسية، ومن جهة المزارع خلف مستشفى الأمل حيث حققا تقدماً سريعاً، فيما شهد وسط السوق الرئيسي وسهلة رويس وحي القامعية اشتباكات هي الأعنف في عملية الاقتحام. كما دارت اشتباكات على أطراف المدينة الغربية مع تنفيذ الطيران الحربي غارات متكررة على الطرق الواصلة بين القلمون والحدود اللبنانية منعاً من تسلل المسلحين.
ومع هذه التطورات الميدانية غير المتوقعة بتوقيتها، سارع الكثير من الفصائل إلى تنفيذ ما صار يعرف باسم «الانسحاب التكتيكي»، حيث شوهدت أرتال من السيارات والآليات تسلك الطريق باتجاه فليطة التي تركت كملجأ وحيد يمكن للمسلحين اللجوء إليه والتجمع به، بينما نفذ الكثير من المسلحين عمليات هروب فردية باتجاه بلدة عرسال اللبنانية، سالكين طرقاً جبلية وعرة. وتشير معلومات إلى أن عدداً آخر من المسلحين احتمى في المغاور المنتشرة في مرتفعات العريض وقرينة.
وبينما كان خبر سيطرة الجيش السوري على يبرود يتصدر نشرات الأخبار على العديد من وسائل الإعلام، وخرج ناشطون، على رأسهم أبو الهدى الحمصي، يتحدثون عن سقوط المدينة، أصرّ المتحدث باسم «جبهة النصرة» عبد الله عزام الشامي، اعتماداً منه على اشتباكات القامعية، على أن يبرود لم تسقط وأن عناصر «الجبهة» يرابطون على ثغورهم، مكذباً بشكل خاص ما قاله أبو الهدى الحمصي الذي تحدث على قناة «العربية»، مؤكدا أن «يبرود لم تسقط والمعارك مستمرة»، مشيراً إلى أن «انسحاب بعض فصائل الجيش الحر أدى إلى خلل، لكن المدينة لا تزال تحت سيطرة الكتائب الإسلامية».
لكن الشامي عاد واعترف بالهزيمة بعد ذلك. وقال، في تغريدات، «في جبهة النصرة في القلمون كنا حريصين على تثبيت المقاتلين من مختلف الفصائل في يبرود، وكنا دوما نختار أسخن الجبهات والنقاط حتى نكفيهم شرها».
وأضاف: «لما سقطت تلال العقبة قرب يبرود، فرت كل الفصائل المسلحة الرئيسية الموجودة في المدينة إلا من رحم ربي وهم قليل، وتركوا الثغور وتركونا، ولما هربوا أشاعوا خبر سقوط يبرود ليبرروا هروبهم أمام الإعلام والممولين، لكن بقي الشيخ أبو مالك (التلي) يحرض المقاتلين على العودة إلى المدينة، وعادت بعض الفصائل إلى يبرود، واعدنا ترتيب الصفوف، ووكلنا أحد أهم الفصائل اليبرودية بحماية تلة مار مارون المهمة إستراتيجياً والمحصنة. فوجئنا بصعود الجيش على تلة مار مارون من دون أية مقاومة تذكر، وبذلك سيطر على نقطة مهمة في يبرود، لكنها جزء بسيط من المدينة».
وأضاف: «في ليلة الأمس (الأول) اجتمع قادة الفصائل وقرروا الانسحاب من يبرود من دون أي مقاومة! أي تسليمها للجيش ولحزب اللات! هل تم بيع يبرود؟». وتابع «بقيت جبهة النصرة مع فصيل أو اثنين حتى ظهيرة اليوم (أمس) في مدينة يبرود يحاولون إعادة المقاتلين إلى الثغور وتغطية النقص ولكن من دون جدوى. المخزي أنهم لم يخجلوا من تسليمهم الثغور، بل بادروا إلى القول بسقوط يبرود رغم وجودنا فيها إمعانا في تنكيلهم بالمجاهدين وطعنا بهم». وتساءل «هل تم تسليم يبرود بالمجان؟ أم هل تم شراؤها؟».
وقد جاء أول اعتراف بسقوط المدينة، وسيطرة الجيش السوري عليها، من المتحدث باسم «جيش الإسلام» النقيب إسلام علوش، والذي قدّم تفسيراً غريباً لما حدث في يبرود، حيث قال: «يوجد بعض الكتائب الخونة المدسوسة بين المقاتلين في يبرود أشاعوا بين الناس أن انزلوا من على التلال المحيطة بيبرود وتحصنوا في البلد، وذلك بالتزامن مع تقدم النظام وزيادة القصف على التلال التي لم يكن فيها أي تحصن ولا متاريس ولا خنادق لتحمي المقاتلين فيها»، مشيراً إلى أن «النظام احتل التلال المحيطة بيبرود، وأصبحت يبرود كالصحن بين يديه، يقصف كيف يشاء. وما زال هؤلاء الخونة يبثون الإشاعات أن النظام اقتحم فانسحبت الكتائب»، مضيفا: «حقاً الذي حصل هو أن بعض الكتائب استجابت لهذا التخذيل وتركوا مواقعهم وانسحبوا».
وأعلن الجيش السوري، في بيان أمس، انه «بعد سلسلة من العمليات النوعية أعادت صباح اليوم (أمس) وحدات من الجيش العربي السوري بالتعاون مع الدفاع الوطني الأمن والاستقرار إلى مدينة يبرود ومحيطها في الريف الشمالي لمدينة دمشق، بعد أن قضت على أعداد كبيرة من الإرهابيين المرتزقة الذين تحصنوا في المدينة واتخذوا منها معبرا لإدخال السلاح والإرهابيين إلى الداخل السوري».
وأضاف الجيش إن «هذا الانجاز الجديد يشكل حلقة مهمة في تأمين المناطق الحدودية مع لبنان، وقطع طرق الإمداد وتضييق الخناق على البؤر الإرهابية المتبقية في ريف دمشق».
وزار وزير الدفاع السوري العماد فهد جاسم الفريج يبرود، مؤكداً أن القوات السورية ستواصل قتال «الإرهابيين» في جميع المناطق.
ونقل التلفزيون عن مصدر عسكري إن الجيش السوري قتل عددا كبيرا من «الإرهابيين» واعتقل آخرين خلال «تمشيطه» المدينة. وبث مشاهد لمقاتلين قتلى ولدبابات وآليات مدرعة تدخل المدينة. ولفت إلى أن الجنود السوريين يطاردون مقاتلين فروا في اتجاه عرسال.
وقال مصدر عسكري لوكالة «رويترز» إن نحو «ألف مقاتل في جبهة النصرة تحصنوا بالبلدة السبت لمحاربة القوات السورية التي كانت قد دخلت المناطق الشرقية من يبرود وسيطرت على تلال إستراتيجية عدة». وأضاف: «خاضوا قتالا شرسا ثم انسحبوا جميعا منذ الليلة الماضية وحتى الساعات الأولى من صباح اليوم (أمس)». وأضاف: «بالتزامن مع السيطرة على يبرود أغلق الجيش السوري والقوات الجوية 14 من بين 18 معبرا مع لبنان. ستكون المعركة خلال الأيام القليلة المقبلة على إغلاق هذه المعابر المتبقية».
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد