مهرجان «كان» الـ67 في أيامه الأخيرة: بريق لا ينطفئ

تنتهي الدورة الـ67 لمهرجان «كانّ» السينمائي مساء غد السبت، مع إعلان النتائج النهائية للمسابقة الرسمية. لكن هذا لا يحول دون استمرار حماسة المُشاهدة، وإثارة النقاشات، وطرح التوقعات المتعلّقة بالفائزين. كما أنه لا يحول دون انعقاد لقاءات مفتوحة بين السينمائيين والنقاد والصحافيين والمشاهدين. الضيوف كثيرون، تماماً كما الخانات والبرامج المتنوّعة.
هذا يتيح عدداً أكبر من اللقاءات، كذاك الذي حصل أمس مع الإيرانيّ عباس كياروستامي، بصفته رئيساً للجنة تحكيم برنامج «سيني فونداسيون» والأفلام القصيرة: «أميل إلى القول إن النقطة المشتركة الوحيدة بيني وبين المخرجين الشباب هم الشباب أنفسهم. أي حماسة تلك اللحظة، وحيويتها. لم أتابع دراسة سينمائية. لم أرد العمل في هذا المجال. كنتُ أدرس الرسم، لكني لم أصبح رسّاماً. ذات يوم، أدركتُ أن السينما ملجأ لي، وأن الفيلم وسيط يساعدني على التعبير عن نفسي بشكل أفضل». أضاف كياروستامي: «كان إخراج فيلمي الأول صعباً جداً. لكن، لحسن الحظ، حاز على نجاح وتقدير كبيرين. لم يعنٍ لي هذا أني سأصبح مخرجاً. كنتُ أعتقد أنه سيتمّ إغلاق الملف، وأنه لن تكون هناك أفلام أخرى. مع هذا، أخرجتُ أفلاماً أخرى. مع فيلمي الطويل الأول، قلتُ إنه لا بدّ لي من الخضوع للأمر الواقع، أي أن أصبح مخرجاً. بات الإخراج مهنتي. بفضل الفيلم الأول، قابلت نوعين من الجمهور: الأول مؤلّفٌ من أشخاص يحبّون أفلامي، والثاني أكبر من الأول، يضمّ أشخاصاً لا يحبونها أبداً. لا تزال الحال هذه إلى اليوم». وعن مدى اهتمامه بالفيلم القصير كمخرج، قال إن الأفلام القصيرة مهمّة جداً، لأنها تعطي للمخرج الفرصة في اكتساب الجرأة على التعبير: «يُمكن التماس شخصية المخرج في أفلامه القصيرة. أما الأفلام الطويلة، فتعطي بالضرورة ثقلاً إضافياً لمهنة المخرج، وتؤمّن له التمويلات اللازمة وتأييد الجمهور. إنهما معياران لا يُمكن لأي مخرج تجاهلهما. لذا، فإن الفيلم القصير أهمّ، باعتباره فيلماً شخصياً بشكل أكبر. يجب البحث عن التجديد والابتكار في الأفلام القصيرة، كما في الأفلام الطويلة الأولى». وعن وضع السينما الإيرانية، قال: «لإعطاء صورة عن الوضع الحالي للسينما الإيرانية، لا بُدّ من التمييز بين نوعين من السينما: سينما الدولة التي تموّلها السلطات. في إيران، هناك مخرجون سينمائيون يعملون بفضل الدولة وللدولة. أنا لا أوليهم أهمية كبيرة، ولا أتوقع شيئاً منهم، إذ أنهم معروفون في إيران فقط، وأفلامهم مخصّصة لاستهلاك محلي محض ومستهدف. هناك السينما المستقلة، وهي مزدهرة جداً. هناك مخرجون غير معروفين، قادمون من المناطق النائية في إيران. بفضل الإمكانيات التي تتيحها لهم التكنولوجيات الجديدة والكاميرات الرقمية الصغيرة، نراهم يقدّمون أفلاماً ذات نوعية عالية. أنا أضع أملاً كبيراً في هؤلاء». وعمّا يتوقعه من السينما اليوم، قال «لا شيء إطلاقاً. التوقع أمر خاص بالشباب. مع ذلك، أتابع عملي. جوهر السينما كامن في إنتاج صُور. لا يمرّ شهر إلاّ وأخرج أثناءه فيلماً قصيراً، أو عملاً صغيراً بالفيديو، أو التقاط صورة فوتوغرافية. ربما أتوقع من السينما اليوم أن تحدث موجة جديدة خلال فترة نومي في المساء، على غرار الصيّاد الذي يأمل في الحصول على شيء ما عندما يرمي سنارته في الماء».
إلى ذلك، عُرض فيلم «جامايكا إن» (1939) لألفرد هيتشكوك في خانة «كلاسيكيات السينما». مقتبس عن رواية «أوبيرج جامايكا» لدافني دو مورييه، يُعتبر الفيلم آخر الأعمال السينمائية التي أنجزها هيتشكوك في بلده الأم بريطانيا: إنكلترا بداية القرن التاسع عشر، على طول الساحل الصخري لمنطقة «كورنواي»، تقوم عصابة من اللصوص والمتاجرين بالممنوعات بنهب السفن التجارية، وذبح الطاقم العامل فيها عندما تصطدم هذه السفن بالصخور. عندما تذهب ماري ييلان التي فقدت والدتها لتوها للعيش عند عمتها المتزوجة من المزارع المهيب في مزرعة تعرف باسم «جامايكا إن»، لم تكن تعلم أن المبنى يُشكّل مرجعاً لعصابة اللصوص، وأن المزارع رئيس هذه العصابة». لتكييف القصّة، ابتعد سيّد التشويق قدر المستطاع عن الرواية، وحرص على عدم التقيد بحبكة الكتاب. يُذكر أنه تمّت إعادة تأهيل الفيلم بنسخة «4 ك« من قِبَل مؤسّسات متخصّصة.

السفير (عن الموقع الإلكتروني الخاصّ بمهرجان «كان»)