داء الأفكار الثابتة
الجمل - د. عماد فوزي شُعيبي
هو داء لأنه أصيل وبنيويّ وهو ليس حكراً علينا، لأنه في بنية العقل عموماً، وكلّ ما هنالك أن الغرب قد شذبه قليلاً، لكن وعند اللزوم! نراه يظهر بلا هوادة وحتى في الأوساط العلمية ولدى العلماء أنفسهم أنه بدايةً داء المعرفة الشائعة
يترافق ما هو بنيوي مع ماهو نفسيّ فالبعض يرفض تغيير أفكاره خشية صورته أمام القطيع من البشر، أو خشية أن يدخل في حالة اللايقين أو مجهول مستتبعات الأفكار السائدة، أو خشية التقلّب Erratic غير المحمود فالأفكار الثابثة وسادة للرأس
ويرتبط أحياناً التمسك بالآراء النمطيّة والثابتة بسويات الذكاء ف 85% من البشر من ذوي الكاء المنخفض والمتوسط، ولكن حتى جيدي الذكاء 13,94% من البشر تجرهم الاعتبارات النفسية والاجتماعيّة وبنى العقل المكوِّن ولكن العباقرة 2,5% هم الذين يخرجون عن النمطي ويفكرون فيما ليس مُفكراً به!
•ما هو التحيّز أو الانحياز الاستعرافي؟
بادئ ذي بدء نلاحظ أننا نستخدم تعبير الإستعراف بديلاً من المعرفة. لأننا هنا أمام سيرورة إنتاج المعرفة، أو المسار الذي ننتج فيه المعرفة، وتتضح عبره الانحيازات التي تعطل الوصول عبر هذا الاستعراف المُنحاز، على معرفة دقيقة أو فاعلة أو غير مُسيئة للمعرفة بحدّ ذاتها!!
والمقصود هنا أن القرارات التي نتخذها بناء الميول والتحيزات المعرفية هي "أخطاء" غير عقلانية، يتم برمجتها في أدمغة الناس وتؤثر على عملية صنع المعرفة أو اتخاذ القرار. فبناءً على المعلومات التي نعالجها ، فالتحيز المعرفي في الواقع هو خطأ مبرمج بشكل (أصيل!) في أدمغتنا.
و تحيّز التأكيد/ أو التأكيد المُستمر
وفيه، كما سابقيّه، نركز، دون وعي، على الأشياء التي تتوافق مع ما نؤمن به.
وهو في تاريخيّة المفهوم، عبارة صاغها عالم النفس الإنجليزي بيتر واسون ، يصف فيها ميل الناس إلى تفضيل المعلومات التي تؤكد أو تعزز معتقداتهم أو قيمهم وبالتالي ينزعون نحو أن يصعب إزالتها بمجرد تأكيدها. إنها أواليّة دفاعيّة لا واعية لمنع (جرح) أو إيذاء أيٍّ من أفكارهم المحمولة، حيث يتماهون بين ذواتهم وأفكارهم فيدافعون عنها بجلب كلّ ما يعزّزها. فالمتشدد يقرأ ما يؤكد تشدده في أي حقل معرفي كان!
نعم، إنّهُ الميل إلى البحث عن المعلومات وتفسيرها وتفضيلها واسترجاعها بطريقة تؤكد أو تدعم المعتقدات الأولى المُسبقة ، والمحمولة لدى الفرد أو التي تمسُّ قيمه أو الأفكار الجماعية أو القيم العامّة التي يتبنها.
الانحياز للتأكيد هو الميل للبحث عن المعلومات وتفسيرها وتفضيلها واستدعائها بطريقة تؤكد أو تدعم المعتقدات أو القيم السابقة للفرد . وهو عبارة صاغها عالم النفس الإنجليزي بيتر واسون
ومن الأمثلة على ذلك: قد يتعرف محقق الشرطة على المشتبه به في وقت مبكر من التحقيق، ولكن بعد ذلك قد يسعى فقط إلى تأكيد الأدلة بدلاً من عدم تأكيدها. وقد يركز الطبيب بمعالجته لمريض على اضطراب معين في ذهنه في وقت مبكر من جلسة التشخيص ، ثم يبحث عن أدلة مؤكدة فقط. فهذه الأمثلة تبحث عما في رأسها لا ما في الواقع.
في وسائل التواصل الاجتماعي، يتم تضخيم الانحياز التأكيدي عن طريق استخدام فقاعات التصفية (Filter bubble)؛ حيث يعرض فيسبوك أو يوتيوب للأفراد (فقط) المعلومات التي من المحتمل أن يتفقوا معها، لأنهم يتابعونها باستمرار، مع استبعاد وجهات النظر المعارضة.
يُظهِر الأشخاص هذا التحيز عندما يختارون المعلومات التي تدعم وجهات نظرهم، ويتجاهلون المعلومات المخالفة، أو عندما يفسرون الأدلة الغامضة على أنها تدعم مواقفهم الحالية. ويكون التأثير أقوى بالنسبة للنتائج المرجوة، والقضايا المشحونة بالانفعالات (كالحب والكراهيّة و في الثورات، والانتفاضات الطائفية أو الدينية أو مواجهات المعتقدات الراسخة إيديولوجيًا...)
تأثير لعنة التعلّم
تقدم لنا تجربة التعلم ما يمنع التطور!! في المعرفة بحالتين:
1. إذا تعلم المرء أنصاف وأشباه المعارف فطفق يظنّ أن يعرف كل المعارف، وبهذا فإن تعلّمه المحدود يمنعه من المعرفة. وهذا ما ينطبق على العقل المتطرّف والطائفي ...إلى آخره. الذي يظنّ أنه بمحدودّية ما يعرف، فإن له القدرة والحق على أن يلغي الآخرين، بل و يخطئهم ولو بالحدّ الأدنى.
2. أن يختصّ المرءُ بعلم ما ويظنه مكتملاً فيرفض أيّ تطور لاحق عليه، وهو ما حدث مع كل العلماء الذين واجههم متعلمو [الأنماط المعرفيّة] والذين منعوا أفكارهم واستهزأوا بها، إلى أن فرضت نفسها بل إن أينشتاين الذي واجه من منعوا أفكاره الحدسيّة في بواكيرها، هو نفسه قد أُصيب بلعنة التعلّم عندما رفض الفيزياء الكوانتيّة وعالم العماه في عمق المادة الدقيق، وواجه بور بأنه لا يستطيع أن يقبل العالم الاحتماليّ، بل وواجه ظاهرة التشابك الكمومي
Entanglement بالتشكيك ودعاها بالظاهرة الشبحيّة، وفي هذا ضرب من الاستهزاء الذي ردت عليه التجارب والمُدركات الفلسفيّة بالتبنّي وطوت صفحة مُعارضة العلم ...للعلمِ
•انحياز الإدراك الانتقائي
وفيه نتجاهل أشياء معينة إذا كانت لا تتوافق مع ما نؤمن به. وهو أقرب إلى الانحياز التأكيدي، لكنه يتصل هنا بالإدراك بحدّ ذاته. فهو الميل إلى عدم ملاحظة ونسيان المنبهات التي تسبب عدم الراحة العاطفية وتتعارض مع المعتقدات السابقة بسرعة أكبر.
على سبيل المثال، يتجاهل الطلاب المعلومات العلمية التي تتصل بنشأة الكون أو تطور الوجود البشري، وأحيانًا لا ينتبهون إليها تعليميًّا؛ لأنها تخالف مُعتقداته، وتُسبَب قلقًا نفسيًّا لديهم.
•عقلية التفكير كالقطيع الانحياز القطيعي
وتعني السماح للآليات الاجتماعية للتأثير الجماعي (group situation) من خلال الانصياع لنمط تفكير الجماعة والدفاع عنه ومأنه معرفة الشخص نفسه، بل ممارسة التلفيق أحياناً أي التبرير لها لتجنب الدخول في صراع.
أثناء التفكير القطيعي، يتجنب بعض المشاركين طرح وجهات النظر التي قد تؤدي إلى عدم توافق الآراء، في محاولة منهم بألا يظهروا في صورة الحمقى أو لتجنب غضب بعض المشاركين أو عقوباتهم أو حتى السخرية منه.
وهذه احدى مساوئ التفكير القطيعي حيث لا تُطرح الأفكار المعارضة أو التي من خارج الصندوق، لكي لا يكون الشخص منبوذاً من الجماعة.
لمزيد من الامتناع عن الحوار والتمسّك بمعرفة سائدة وثابتة، يُمارس البعض مغالطة تسميم البئر
وهي محاولة دحض الحجة من خلال التشكيك بصدق المصدر، (البئر الذي تنهل منه)، الذي يعتمد عليه الخصم، وهي تشبه مغالطة الشخصنة، وتختلط هذه المُغالطة بمغالطة الشخصنة التي تقوم على مهاجمة الشخص الذي يقدم الحجة، بدلاً من مناقشة الحجة نفسها.
ولمزيد من التمسّك بالأفكار يعتمد البعض، مغالطة تكرار الفكرة حتى الغثيان
تأتي الجملة التي تدل على هذه المُغالطة من: Ad nauseam، وهو مصطلح لاتيني يعبر عن الوصول بالنقاش إلى حدّ الغثيان وأصل المفردة هي نَوَ (نواء) البحر أو دوار البحر.
وتشير العبارة المتداولة بهذا النوع من المغالطات؛ "تمت مناقشة هذا الأمر إلى حد الغثيان"، إلى حدّ ادعاء أن الموضوع قد تمت مناقشته على نطاق واسع، أو قتلوه بحثًا! وأن الأشخاص المعنيين قد سئموا منه. وهذا الدعاء من أجل إيقاف النقاش وإخراس الآخرين!
مغالطة الالتماس الخاص
تندرج هذه المغالطة ضمن المغالطات النفسية. ويبدو أنها ترتبط بالتزلف، والتسويغ والتحريف (أي تجاهل النقاش).
من أمثلتها: كل الناس لها حق في النقد، لكن أنت لست مثلي، لذلك ليس لديك حتى الحق في التفكير أو إبداء الآراء بشأن أفكاري!
كل الناس تحت القانون، لكن أنا أعاني وما تصرفت به لا يستوجب معاقبتي!
بعض العلماء يمارس هذه المغالطة بممارسة ما يدعى (إنقاذ الظواهر). فمثلاً كانت إضافة ألبرت أينشتاين للثابت الكوني إلى النسبية العامة بهدف السماح بوجود كون ثابت أمرًا غير مقصود. رغم أنه أشار إليها لاحقًا باعتبارها "أعظم خطأ ارتكبه".
فأحياناً نريد استثناءات في الظاهرة العلمية لإنقاذ نظريتنا أو قوانيننا.
•تحيّز الولاء
ناتج عن ولاء المرء أو الشخص الحزبي أو الإيديولوجي أو الباحث أو حتى الطبيب أو المُعالج ... لمدرسة فكرية معينة ولهذا يرفضون فكراً جديداً
•تأثير انعكاس سيميلويس
إنه من نفس فصيلة الانحيازات تحت تأثير الآخرين، بحيث يتم رفض الأدلة الجديدة، والأفكار الخارجة عن الاعتياد، لأنها لا تتوافق مع المعايير والمعتقدات والنماذج الحالية
مغالطة العيش فقط في الحاضر:
يشكل الحاضر وما اعتدنا عليه مانعاً شديداً للدخول في الجديد وتجريبه، ولهذا ينحو بعضُنا نحو تكرار الحاضر بطريقة تمنع عنّا النجاح أو جني الثروات، لأننا ننطلق مما نعرفه لا مما لا نعرفه. فالحاضر معروف أما الجديد فهو المجهول، وغالبية البشر يخشون من المجهول، وبالتالي يتجنّبون المُقبل والجديد ويتمسكون بالحاضر كما لو أنهم يتمسكون بالماضي. وبدلاً من أن يكون الحاضر نقطة انطلاق نحو المستقبل بعقل مُنفتح فإنهم يجعلون من الحاضر (ماضياً!!! مُستمرّاً) يلجم أيّ جديد كما لو أن الحاضر سلفيّة بمعنىً ما!
هنا يصبح المرء كالسكير، الذي أضاع مفاتيحه في العتم ولا يبحث عنهم إلاّ تحت ضوء البلديّة. فهو كمن يبحث عن المستقبل في الماضي والحاضر لا في المستقبل. يُخطط لحياته وفقاً لما نعرفه عن حياة الذين مضوا أو الذين نراهم في الحاضر، لا وفقاً لما يقتضيه المستقبل، الذي لا يكون تكراراً للماضي ولا للحاضر، ولا لما عاشه الآخرون. فكل نجاح هو وليد ذاته وظروفه وتفرّده.
مغالطة عدم الاتساق الاستعرافي
في عام 1957 وضع ليون فيستنغر نظريته (عدم الاتساق المعرفي: Cognitive dissonance) والتي جرى تطبيقها من قبل باحثي علم النفس السياسي على عدد من زعماء العالم.
تقوم نظرية فيستنغر على نقطة مركزية هي أن الفرد تسيطر عليه فكرة "مهيمنة" على منظومته المعرفية، وما إن يكشف الواقع او البحث العلمي عن "عدم اتساق" تلك الفكرة مع معطيات الواقع او ما يكشفه العلم، يميل الفرد لإعادة تفسير الواقع بطريقة تحايليّة "تعيد الاتساق بين الفكرة المهيمنة وبين الواقع او نتائج البحث العلمي"، ويعطي (فيستنغر) مثال المدخن الذي يدرك تماما الادراك ان الدخان سبب للمرض وللإنفاق المالي ولتلويث البيئة ... الخ إلا انه يصر على التدخين، فإذا سألته لماذا تدخن ولديك كل هذه السلبيات عن التدخين ..؟ هنا يبدأ في اختراع حيل لتبرير سلوكه المتناقض مع معطيات الكشف العلمي أو مع شواهد الحياة اليومية.
ومن أبرز تقنيات التحايل المعرفي:
أ- تفسير أي معلومة جديدة مناقضة لفكرة الفرد المهيمنة بطريقة تجعلها تبدو متسقة مع الفكرة المهيمنة عليه!
ب- التشكيك في مصدر المعلومة الجديدة المناقضة للفكرة المهيمنة عليه!
ت- اعتبار الاكتشاف الجديد او الواقع المناقض للفكرة المهيمنة من باب "الحالة الشاذة" التي لا يُبنى عليها
ث- البحث عن أية مؤشرات مهما كانت هامشية تتسق ومنظومتة المعرفية وفكرته المهيمنة ليتكئ عليها.
•مُغالطة الاحتكام إلى الحجر
Appeal to the stone
هي مغالطة منطقية ترفض حجةً ما باعتبارها غير صحيحة أو سخيفة. يتم الرفض من خلال تكرار أن الحجة سخيفة، دون تقديم مزيد من الحجج. ترتبط هذه النظرية ارتباطًا وثيقًا بالإثبات عن طريق التأكيد بدون وجود أدلة وراء هذا البيان، ومحاولته الإقناع دون تقديم أي دليل.
صاحب مبدأ الاحتكام إلى الحجر. الدكتور صامويل جونسون، يعود أصل اسم "الاستنجاد بالحجر" إلى جدال بين د. صومائيل جونسون وجيمس بوسويل حول فلسفة بيركلي المثاليّة الذاتية، (المعروفة سابقًا باسم "اللامادية"). فبعد أن خرجا من الكنيسة، وقفا يتحدثان لبعض الوقت عن مغالطة الأسقف بيركلي الذكية لإثبات عدم وجود المادة، وأن كل شيء في الكون مثالي فحسب. ولاحظا أنه على الرغم من اقتناعهما بأن عقيدته غير صحيحة، فمن المستحيل دحضها. وبسرعة أجاب جونسون، عندما ضرب قدمه بقوة هائلة على حجر كبير، حتى ارتد عنه، قائلاً "أنا دحضتها على هذا النحو، ويبدو أن قصد جونسون كان الإشارة إلى أنه من السخف أن يصف بيركلي مثل هذا الحجر بأنه "غير مادي"، في حين أن جونسون كان في الواقع قادرًا على ركله بقدمه.
•مغالطة الجهل الذي لا يقهرأو الحجّة بالعناد
مغالطة الجهل الذي لا يقهر مغالطة استنتاجية دائرية، حيث يرفض الشخص المعني تصديق الحجة ، متجاهلًا أي دليل مقدم، فقط بعنادٍ!!!.
والطريقة المستخدمة في هذه المغالطة هي إما تقديم تأكيدات دون مراعاة الاعتراضات أو رفض الاعتراضات ببساطة من خلال تسميتها أعذارًا أو تخمينًا أو قصصًا لا تهمني أو القول إنها دليل على لا شيء، كل ذلك دون إظهار كيفية ملاءمة الاعتراضات لهذه المصطلحات.
إنها مشابهة لمغالطة الاحتكام إلى الحجر، سابقة الذكر، حيث يرفض المرء جميع الأدلة والمنطق المقدم، دون تقديم أي دليل أو منطق يمكن أن يؤدي إلى استنتاج مختلف.
•تأثير النعامة
تأثير النعامة ، المعروف أيضًا باسم مشكلة النعامة
يأتي الاسم من الأسطورة الشائعة (ولكن الكاذبة) التي تقول إن النَعام يدفن رأسه في الرمال لتجنب الخطر. هذا التأثير هو تحيّز استعرافيّ حيث يميل الناس إلى "دفن رؤوسهم في الرمال" وتجنب المعلومات السلبية المحتملة ولكن المفيدة، مثل ردود الفعل على التقدم، والنقد، لتجنب الانزعاج النفسي؛ حيث تبيّن بالتجربة أن الذين تم تقديم معلومات سلبية لهم كانوا أكثر عرضة لتجنب تحديث معتقداتهم.
ومن أسباب هذا السلوك:
1.التنافر الاستعرافي
وهوما يتأتى من عدم الارتياح النفسي ، عندما يحمل الفرد اعتقادين متضاربين أو أكثر
2.الموثوقية
وجد الباحث تشانج وآخرون (2017) أن بعض الذين أظهروا تأثير النعامة كان ذلك لأنهم لم يثقوا في المعلومات المقدمة، وبشكل خاص بالنسبة للمعلومات السلبية؛ فالناس أكثر عرضة للثقة في تعزيز الأفكار لديهم بشكل إيجابيّ، من الأفكار المُعاكسة لمعتقداتهم والتي تُوصف بالسلبيّة .
3.النفور من الخسارة
وهو ميل الناس إلى الشعور بألم الخسائر بشكل أقوى من متعة المكاسب المكافئة .
•الواقعية الساذجة / النقطة العمياء للتحيز أو عمى التحيّز
وفيها نعتقد أننا نرى العالم بموضوعية، وأن الآخرين الذين لا يرون العالم بنفس الطريقة هم غير مطلعين أو غير عقلانيين أو متحيزين. والفشل (في نفس الوقت) في إدراك أنه منحازٌ بدوره وربما أكثر من ذاك الذي يرى انحيازه.
أنشأ هذا المفهوم إميلي برونين، عالم النفس الاجتماعي من قسم علم النفس بجامعة برينستون، مع دانيال لين ولي روس. وقد سُمي هذا التحيز باسم بقعة التحيز العمياء نسبة لنقطة العمياء بالعين. ويبدو هنا أن معظم الناس يظهرون نقطة عمياء للتحيز، بنسبة أكثر من 85٪.
إنه انحياز لتخطئة الآخرين وعدم رؤية أخطائنا. وفي هذا نوع من إرضاء الذات.
ويتعزّز لدى الذين تعرّضوا في طفولتهم لتقويض مكانتهم وأفكارهم وشخصيّتهم، ولدى الذين لديهم نوع من أنواع حبّ التسلّط وفرض مكانتهم ولو كانت جاهلة.
التفكير بالتمنيّ أو الرغبوي
إن تأثيرات التفكير بالتمني (Wishful Thinking)، ما يدعم الثقة المُفرِطة بالذات؛ حيث يبالغ الناس في تقدير احتمالية حدوث حدث ما بسبب استحسانه.
لقد أظهرت الدراسات أنه في حالة تساوي كل العوامل الأخرى، فإن الأشخاص سيكونون متفائلين بشكل غير واقعي، ويتوقعون أن تكون النتائج الإيجابية أكثر احتمالية من النتائج السلبية. كما تشير الأبحاث إلى أنه في ظل ظروف معينة، مثل عندما يزداد التهديد، تحدث ظاهرة عكسية وتكون الميول نحو التشاؤم، بدلاً من التفكير بالتمنيّ الإيجابي. وأول ما يسم التفكير الرغبوي غياب الواقع .
وهنا غالبًا ما يكون صاحب التفكير الرغبويّ واثق بنفسه لدرجة مبالغ بها. دائمًا ما تشير الدراسات الرغبات الإيجابية أنها الأكثر احتمالية من النتائج السلبية في نظر الرغبَوي. هذا التفكير يعد انحرافًا أو انحيازاً معرفيًا وطريقة سيئة لاتخاذ القرار.
وقد وصف كريستوفر بوكر التفكير بالتمني بعبارة:" دائرة الخيال"؛ وهي ذلك النموذج المتكرر ذهنيًا في حياة الأشخاص ويعيشون عليه لتلطيف حياتهم من منغصاتها وصعوباتها، ويتكرّر أيضًا في السياسات وفي التاريخ حيث يتناقل الناس التاريخ وكأنه تاريخ الأخيار أو كأن البشر ملائكة.
•انحياز الرؤية النفقية Tunnel Vision Bias))
في أصل المُصطلح، رؤية النفق هي فقدان رؤية الأطراف، مع احتباس الرؤية المركزية، مما يؤدي إلى مجال رؤية ضيق يشبه النفق الدائري، ونستخدمه هنا كنايةً عن الرؤية الفكرية، التي لا ترى إلاّ باتجاه محدد دون أن تتسع لرؤية الجوانب كافّةً .
معرفيًّا هي حالة شبه هيستيرية! تصيب المرء فلا يرى إلاّ ما يريد.
والواقع أن هذا يصيب الأفراد والمجموعات، عندما لا يريدون رؤية إلاّ ما في رؤوسهم وما يرضيهم ولا يريدون سماع إلا ما يرضيهم.
هذا النوع من الانحياز، يظهر لدى الشخصيات الإيديولوجية والمتعصبة والمتعنّتة التي تعتبر ما في رأسها هو كل ما في الدنيا، فلا ترى أو تسمع غيره.
تُشير الرؤية الضيقة مجازيًا إلى مجموعة من القواعد والمغالطات المنطقية الشائعة التي تدفع الأفراد إلى التركيز على اما يتوافق مع آرائهم واستبعاد الأفكار التي لا تتوافق مع وجهة نظرهم. إنها ظاهرة يتم ملاحظتها وبحثها على نطاق واسع في مجال علم الجريمة بسبب انتشارها وإمكاناتها الخطيرة في خلق قناعات غير صحيحة. ترتبط الرؤية الضيقة أيضًا بالتحيز التأكيدي سابق الذكر؛ حيثُ الاعتماد المفرط على المصادر الخارجية التي قد تكون غير دقيقة، ولكنها تدعم رأي الفرد، في حين أن الرؤية النفقيّة هي الاعتماد المفرط على المعلومات الداخلية مع تجاهل المعلومات الخارجية الصحيحة.
والحقيقة، أن من يظن أنه يمتلك الصح مستبدٌ وجاهل؛ لأنه لو وجد في غير زمان وغير مكان لكان صحيحه مختلفًا، ولهذا فهو مهما دافع عن قناعاته باعتبارها صح مطلق، فإنه يدافع عن صحيح غيره الذي ورثه بحكم الزمان والمكان والفرص المتاحة للمعرفة. فالصحيح هو كل ما يقتنع به المرء. ولهذا لا يُوجد صح واحد، بل توجد صحائح.
التقويض بانعدام القدرة على الفهم
يحدث أن شخصًا يستمع أو يقرأ نصّاً ويشعر أنه لم يفهمه أو يشعر بالغيرة من صاحبه، مصحوبًا باستثارة عقدة النقص لديه، فيطفق ليقلل من قيمة ما سمع أو قرأ، حتى يدفع عن نفسه الشعور بالجهل أو قلة الفهم.
ويذهب البعض إلى النيل -أحيانًا- من القائل أو الكاتب، بتقويض قيمته في شخصنةٍ مُفرطة، ساحبًا تقويض شخصيته بقدم القدرة على معرفة واستيعاب المعنى إلى تقويض قائله، بأن يتناولهُ شخصيًّا، وبهذا يحقق الفاعل توازنًا نفسيًا يعوضه الشعور بالنقص، بإنقاص الآخر!
•رفض التعلم نسبةً للتشاؤم أو التفاؤل
يحدث أحياناً أن يتقدم عالمٌ بفكرةٍ، فتوحي لمتلقيها بأنها تثير التشاؤم، وهو يُعاني منه ومن تبِعاته، أو توحي له -بالعكس- بأن فيها التفاؤل المُفرط الذي لا يُقنعه، وفي الحالتين يخلط الفكرة بما توحيه من تشاؤم أو تفاؤل ، فيرفضها.
إن أغلب الأفكار، وخاصة الطروحات العلميّة تكون ذات صُبغة مُحايدة نسبيًا عندما يتمُ تلقيها كمادةٍ للمُعالجة العقليّة المحض، وليس لتداخلات الشعور المُنحاز اصلاً للرفض أو للقبول.
إضافة تعليق جديد