ينتظرون من يمدّ لهم يد المساعدة: تجار وصناعيون «مفلسون» بأمر الحرب
كان يشار إليه بالبنان عند الحديث عن صناعة الألمنيوم في سوريا، لكنه اليوم، وبفعل الحرب وتدمير معمله الذي تتجاوز تكلفته 15 مليون دولار، أصبح على «الحديدة» ولا يملك ككثير من السوريين سوى كتلة كبيرة من الديون لا يعرف كيفية سدادها. حال هذا الصناعي هي حال العديد من الصناعيين والتجار الذين أفقدتهم الحرب كل ما يملكون، ولذلك فإن القصص التي يجري تناقلها بين السوريين عن صناعيين وتجار تحولوا من مالكين وأصحاب منشآت متوسطة وكبيرة إلى أصحاب ورش مستأجرة في أفضل الأحوال أو إلى رجال أعمال «مفلسين» ليست بمبالغات، والتقديرات الإحصائية المتعلقة بحجم الخسائر الاقتصادية للحرب تحكي جانباً من تلك المأساة.
فمثلاً، يؤكد «المركز السوري لبحوث السياسات» أن «إطالة أمد النزاع المسلح أدت إلى عمليات إغلاق وإفلاس على نطاق واسع، وقد ترافق ذلك مع تخريب واسع طاول الشركات والبنية التحتية، نتيجة تنامي أعمال النهب والسلب، فضلاً عن عمليات الهرب والفرار التي حصلت في أوساط القوى العاملة المؤهلة والماهرة. وقد شمل الانخفاض الهائل في إنتاج الصناعات التحويلية كلاً من الشركات العامّة والمشاريع الخاصة، إلا أن الأخيرة كانت الأكثر تضرّراً وتأثّراً بعدما كانت تقدّم الحصة الأكبر من الإنتاج». كذلك، يؤكد فقدان ما يصل إلى نحو 2.9 مليون شخص لأعمالهم خلال سنوات الحرب أن أصحاب العمل فقدوا أو استنفدوا كل إمكانية مادية للاستمرار... فهل يمكن اعتبار كل ذلك مؤشراً على «إفلاس» حقيقي للكثير من التجار والصناعيين؟
يعرّف القانون السوري الإفلاس بأنه «توقف التاجر عن تسديد ديونه التجارية»، ولخطورة النتائج المترتبة على الإفلاس ورغبة منه في المحافظة على حقوق الأفراد والهيئات، اشترط المشرّع السوري صدور حكم قضائي بإعلان الإفلاس، وحدّد إجراءات تفصيلية لتنفيذه. وبناءً على ذلك، فإن شريحة واسعة من التجار والصناعيين غير القادرين اليوم على سداد ديونهم التجارية هم عملياً وقانونياً في عداد «المفلسين»، إلا أنه بحسب مدير مديرية التجارة الداخلية في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بسام صيوح، فإن المديرية «لم تسجل أي حالة إفلاس، سواء كانت لتجار أو شركات»، مشيراً إلى وجود «ست شركات فقط في جميع محافظات البلاد حلّت نفسها هذا العام لأسباب متعلقة برغبة الشركاء والمؤسسين واتفاقهم رضائياً على حل الشركة أو لانتهاء مدة ترخيصها». لا بل إن صيوح بدا متفائلاً بناءً على بيانات الربع الأول من العام الحالي «فتسجيل الشركات كان ممتازاً، وإذ استمر على هذا النحو لنهاية العام الحالي فإن هناك إمكانية لتجاوز بيانات تسجيل الشركات في عام 2010 وحتى في عام 2009».
الأمر نفسه في غرفة تجارة دمشق، التي أكد مديرها عامر خربطلي أن «الغرفة لم يردها من القضاء أي حكم بإشهار إفلاس أي تاجر»، مضيفاً إلى أنه «قد تكون هناك حالات أوقف فيها التجار نشاطهم أو لم يجددوا انتسابهم إلى الغرفة، لكن الأمر لم يصل إلى مرحلة الإفلاس، الذي يصدر بحكم قضائي».
ويعود تاريخ آخر حادثة مشهورة للإفلاس في سوريا إلى عام 2010، عندما أعلنت شركة الجاز في حلب إفلاسها، بعد أن جمعت أموالاً تصل قيمتها إلى أكثر من مليار ليرة، وقبلها بسنوات أُعلن إفلاس ثلاث مجموعات صناعية كبرى في مدينة حلب أيضاً هي: الكويفاتي، جربوع، والديري.
الإفلاس «المبطن»
عدم الإعلان رسمياً وقضائياً لإفلاس تجار وصناعيين في وقت تتراكم فيه قصص الفعاليات والمنشآت الاقتصادية التي سوّتها الحرب بالأرض، أمر يفسره نائب رئيس غرفة تجارة دمشق بشار النوري «بحرص التجار والصناعيين على سمعتهم، ورغبتهم في العودة إلى العمل لسداد الديون المترتبة عليهم وتعويض ما خسروه». وأكد وجود حالات عديدة لما سمّاه «الإفلاس المبطن». فهناك تجار وصناعيون كثر فقدوا خلال سنوات الحرب كل ما يملكون وأصبحوا ملاحقين من قبل الجهات الدائنة، سواء كانت بنوكاً ومصارف أو شركات ومؤسسات، أي إنهم وصلوا فعلياً إلى مرحلة الإفلاس غير المعلن رسمياً، إنما كل الفعاليات التجارية والصناعية تعلم به».
وهذا أيضاً ما يراه مستشار تطوير الأعمال الدكتور هشام خياط، إذ يوضح أنه «في اﻷحوال العادية يُعلَن الإفلاس لوقف مطالبات الدائنين بديونهم والتمهيد لحاﻻت التصفية، أما اليوم فقد اعتاد الجميع الخسائر، سواء أكانت مادية أم بشرية، فلم تعد التوقعات تصبّ في إطار الحفاظ على المطاليب، بل الحفاظ على الموجودات». وأكد وجود «حاﻻت كثيرة تجاوزت حالة الإفلاس لتصل إلى الخروج من السوق وقطاع اﻷعمال، وخلفت وراءها صناعيين وتجاراً في المربع اﻷول».
وبغض النظر عن بعض الحالات التي قد يجد أصحابها في الإفلاس مهرباً من تسديد ما يترتب عليهم من التزامات مالية تجاه الغير، تأمل الشريحة الأوسع من التجار والصناعيين أن تحمل الأيام القادمة جديداً يمكنهم من إعادة تشغيل معاملهم ومنشآتهم، واستثمار سمعتهم وعلاقاتهم للانطلاق من جديد، ولا سيما أن مدير مديرية التجارة الداخلية أشار إلى أن «بعض الشركات التي كانت متعثرة استطاعت العمل من جديد بعد معالجة أوضاعها ومشاكلها وتسويتها». لكن ما هو هذا الجديد الذي تنتظره الفعاليات «المفلسة»؟
نائب رئيس غرفة تجارة دمشق، يرى أنه «عوضاً عن ملاحقة المتعثرين والحجز على منشآتهم أو ما بقي منها ومنعهم من السفر، فإن الأجدى للاقتصاد الوطني هو مدّ يد العون لهم ومساعدتهم وفق شروط معينة على إعادة إطلاق عجلة الإنتاج في منشآتهم، وبالتالي إتاحة الفرصة لهم لتسديد ما يترتب عليهم من ديون وقروض، وفي الوقت نفسه تشغيل آلاف العاطلين من العمل وتأمين احتياجات السوق، إنما الاستمرار بالإجراءات العقابية لن يجدي نفعاً، فلا المعامل والمنشآت ستعود للعمل ولا الدائنون سيحصلون على ديونهم».
مثل هذه الخطوة، التي تأمل الفعاليات الاقتصادية من الحكومة اتخاذها، لا تزال بعيدة عن فكر صانع القرار الاقتصادي في سوريا، بدليل غياب أي دراسات ترصد تطور ظاهرة الإفلاس والخيارات المتاحة لمعالجة تأثيراتها. وفي هذا السياق يبين الدكتور خياط أنه «ما من شك في أننا نعيش حالة غياب للبيانات والإحصاءات في كل المجاﻻت، ومنها بيانات وإحصاءات قطاع اﻷعمال، وهذا يؤدي بالنتيجة إلى تقدير خاطئ للخسائر واﻷضرار، ويضع صانع القرار في مساحة الظلمة عندما يحاول التخطيط للغد، سواء للتعافي أو للنمو».
زياد غصن: الأخبار
إضافة تعليق جديد