إدلب تحت حكم "القاعدة" : مدينة سعودية على أرض سورية
ثمانية اشهر على حكم "القاعدة" بفصائلها المختلفة لمدينة إدلب كانت كفيلة بتحويل المدينة الواقعة في أقصى الشمال السوري، قرب تركيا، إلى مدينة سعودية الشكل والنظام والعادات التي تفرضها الفصائل "القاعدية".
لا توجد إحصاءات دقيقة لعدد السكان المتبقّين في إدلب التي كان يقطنها حوالي 600 ألف نسمة قبل اقتحام "جيش الفتح" للمدينة في 28 آذار الماضي، إلَّا أنَّ سكاناً محليين أكَّدوا أنَّ ثلاثة أرباع المدينة خالية من السكان في الوقت الحالي، خصوصاً بعد نزوح قسم كبير من العائلات نحو الداخل السوري، وقرى ريف إدلب، وأرياف حماه وحمص والساحل السوري.
مع سيطرة "جيش الفتح" الذي تشكّل "جبهة النصرة" عموده الفقري، ويعتبر السلفي السعودي عبد الله المحيسني عرّابه وصاحب الكلمة العليا فيه، على المدينة، تعالت أصوات عديدة من قبل هيئات ومؤسّسات معارضة، بينها "الائتلاف" المعارض الذي بحث إمكانيّة نقل مقاره من تركيا إلى إدلب على اعتبارها "مدينة محررة".
غير أنَّ المحيسني، وعبر تغريدة على "تويتر"، أجهض تلك المساعي، معلناً إدلب "إمارة سلفيّة"، ليتمّ على الفور تشكيل "محكمة شرعية" اتّخذت من القصر العدلي في المدينة مقراً لها، لتبدأ بعدها عمليات تصفية وإعدام كل من لا يتنتمي إلى "الفكر السلفي الوهابي"، إضافة إلى تصفية الأقليات التي كانت تقطن في المدينة.
وشهدت المدينة إعدام رجل ثمانيني مسيحي وابنه هما الياس نجيب خال (83 عاماً)، ونائل الياس خال (44 عاماً)، الأمر الذي ساهم في إفراغ المدينة من جميع مسيحييها، الذين نزح من تبقّى منهم نحو مناطق الساحل السوري.
الصفعات المتتالية التي تلقاها المجتمع الإدلبي، ساهمت بشكل كبير في تمهيد الأرض لقبول "القوانين والتشريعات السلفية"، لتنتقل بعدها الفصائل "الجهادية" إلى خطوات لاحقة.
فبعد أقلّ من شهرين على السيطرة على مدينة إدلب، أصدرت "الهيئة الشرعية" قراراً يُلزم سكّان المدينة بارتداء اللباس الشرعي الذي يماثل شكل اللباس في السعودية السلفية. وإضافة إلى ذلك، نفّذت الفصائل "الجهادية" عدة حالات رجم لنساء اتهمن بـ "الزنا"، آخرها كان رجم سيدة داخل سجن، وفق ما وثّق ناشطون من المدينة.
بموازاة ذلك، بدأ السعودي القاعدي عبد الله المحيسني بمدّ أذرع "القاعدة" التي تستمد فكرها من الفكر السعودي الوهابي في المدينة وريفها، فأطلق لذلك "مركز دعاة الجهاد"، الذي يضمّ سلسلة: "معاهد شرعية"، و"مراكز دعوية"، و "معسكرات تدريبية"، تستهدف الأطفال والنساء على وجه الخصوص.
شريط دعائي مصوّر نشره الحساب الرسمي لـ"مركز دعاة الجهاد" بعنوان "مسرحية عن الحجاب في معهد التوحيد"، ربَّما يمكن أن يعطي تصوراً واضحاً عن شكل "إمارة إدلب". تظهر في التسجيل فتاتان، الأولى تؤدي دور فتاة مسيحية، والأخرى مسلمة، ليدور حوار طويل تتخلّله الشتائم، في محاولة لـ "تقريع الآخر"، وزرع أفكار حاقدة على "كلّ من لا يشبه الجهاديين".
تعيش مدينة إدلب، في الوقت الحالي، بعيداً عن لهيب المعارك بعد تضمينها في هدنة كفريا والفوعة، والتي ينص أحد بنودها على وقف استهداف القريتين مقابل عدم قيام الطائرات السورية باستهداف مدينة إدلب وعدة قرى أخرى في حين تقوم الدوريات "الشرعية"، و "المحاكم الشرعية" بتضييق الخناق على من تبقّى من سكان المدينة.
آخر قرارات "المحكمة الشرعية" طالت مركز الجامعة في إدلب، الذي كان سابقا فرعا لجامعة حلب وهللت وطلبت الفصائل المعارضة بإطلاقه كـ "أول جامعة في منطقة محررة"، حيث اقتحم مسلحون مركز الجامعة وقاموا بإغلاقها بتهمة "الاختلاط".
بعد ساعات قليلة من اقتحام مسلحي "المحكمة الشرعية" لمقر الجامعة أصدر القائمون عليها قرارا بتغيير نظام الدوام ليصبح " ثلاثة أيام للذكور، وثلاثة أيام للإناث"، الأمر الذي يحقق الفصل بين الجنسين.
تعيش إدلب في الوقت الحالي التي يتحكم بها "الجهاديون" وعلى رأسهم المحيسني لتصبح المدينة السورية أشبه بتلك المدن الموجودة في الدولة النفطية، التي تحكمها "الوهابية السلفية".
المصدر: الخبر
إضافة تعليق جديد