إسرائيل تتسلح بالغموض: الفنلنديون قتلوا القنطار!
كعادتها عند كل جريمة اغتيال، لا تلجأ إسرائيل إلى سيد الأدلة بل إلى لعبتها المفضلة «سياسة الغموض» التي تشي بما صنعت يداها من دون أن تتلفظ بكلمة.
وهذا كان حال رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الذي دوّى صمته إزاء اغتيال سمير القنطار في دمشق، في مستهل اجتماع حكومته الأسبوعي. ورغم التوجيهات بإعداد مستوطني الحدود الشمالية لاحتمالات الرد من جانب «حزب الله»، وعقد اجتماع خاص للمجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية بعد ظهر أمس، وجد وزير الطاقة المقرب من نتنياهو، يوفال شتاينتس، الوقت للتندر والقول إنه ربما نفذ الاغتيال جهاز الاستخبارات الفنلندي.
ولم يتطرق رئيس الحكومة الإسرائيلية أبداً، في مستهل اجتماع حكومته الأسبوعي أمس، إلى اغتيال القنطار. وركز كلامه على عملية الطعن التي وقعت في رعنانا قبل يومين، معلناً «أننا في نضال حازم ومتواصل ضد الإرهاب».
وكان واضحاً أن أي جهة رسمية إسرائيلية لن تعلق على الأمر، ضمن سياسة اختطتها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تجاه العمليات التي تنفذها القوات الإسرائيلية أو أجهزتها الأمنية على الأراضي السورية. فقط وحده وزير الطاقة يوفال شتاينتس رفض التعليق على الاغتيال، وقال إنه لن يأسف إن كان الخبر صحيحاً، مضيفاً «أن القنطار كان شخصاً شريراً. وربما أن جهاز الاستخبارات الفنلندي عمل هنا وقام بفعل جيد».
وقد أعلن عن عقد اجتماع للمجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية في أعقاب اغتيال القنطار، وازدياد التوتر على الحدود مع لبنان. وتم تبرير عقد الاجتماع بأنه كان مقرراً من قبل، لكن من المؤكد أنه ستُبحث فيه آخر التطورات ذات الصلة بعملية الاغتيال وعواقبها، خصوصاً في ظل تزايد المخاوف من رد ثأري لـ «حزب الله».
وأكثرت وسائل الإعلام الإسرائيلية من نشر عبارات التشفي من جانب عائلات يهودية ارتبط اسمها باسم القنطار، سواء من سقط من أبنائها قتلى أو جرحى في عمليته البطولية في نهاريا أو من سقطوا في العمليات التي قادت إلى الإفراج عنه. وتحاول هذه العبارات التلويح بمبدأ أن الحساب أُغلق، وأن اليهودي لا ينسى، ولو بعد حين أن يأخذ الثأر ممن مسّ به. وتنطلق عبارات التشفي هذه من روح الانتقام التي اعتمدتها إسرائيل، والتي تغلفها حالياً بفكرة الردع.
ولكن، بعيداً عن مظاهر التشفي هذه، ظهر القلق جلياً في التحليلات التي تبحث في رد الفعل المحتمل من جانب «حزب الله». وفي هذا السياق يمكن الحديث عن مدرستين تظهران في التحليلات والتقديرات، وهما تعبران أيضاً عن التردد الذي يصاحب التفكير في اتخاذ القرار باغتيال شخصيات من «حزب الله». وأولى هاتين المدرستين ترى أن «حزب الله» غارق اليوم في الحرب في سوريا، حيث لم تعد إسرائيل الجهة التي يركز عليها اهتمامه. والمدرسة الثانية ترى أن إسرائيل لا تزال موضع اهتمام الحزب، لكنها لم تعد في مقدمة أولوياته. وينتج من هذين التقديرين اختلاف في تقدير رد الفعل، الذي يتراوح بين عدم فعل شيء إلى تنفيذ عمليات «فوق الصفر ودون التوريط».
وفي هذا السياق كتب المعلق العسكري لصحيفة «هآرتس» عاموس هارئيل أن اغتيال القنطار، «الذي يقود شبكة إرهاب درزية ضد إسرائيل من الحدود السورية برعاية إيران، يبشر بمرحلة جديدة من التوتر الأعلى من المعهود في مثلث الحدود الإسرائيلي - السوري - اللبناني». وأشار إلى أن اغتيال القنطار لا يبعث الأسف لدى أي إسرائيلي بسبب ماضيه، وبسبب ما كان يفعل مؤخراً في ما يسمى بـ «المقاومة الوطنية السورية في الجولان».
وأضاف هارئيل أن «حزب الله» خرج تدريجياً من الصورة هناك، لكن إيران بقيت ترعى القنطار، وأيضا فرحان الشعلان الذي استشهد أيضا في القصف. واعتبر أنه إذا صح أن إسرائيل من نفذ القصف فإن العملية كانت تحسباً من فعل مستقبلي وليس تصفية حساب قديم. ولذلك لاحظ هارئيل أن قادم الأحداث يتعلق كثيرا بإيران، خصوصاً أن تجربة إسرائيل مع عمليات ضد «حزب الله» في سوريا بلورت في الغالب ما يوصف بسياسة مكبوحة. وأشار إلى أن الاختبار الأكبر للحزب تمثل في الغارة التي أودت بالشهداء جهاد مغنية وجنرال إيراني وخمسة نشطاء آخرين. وقد رد «حزب الله» على الغارة بهجوم مركز بعد 10 أيام بصواريخ مضادة للدروع قرب مزارع شبعا. ولم ترد إسرائيل بحلقة جديدة فهدأت الأوضاع.
وخلص هارئيل إلى أن من الجائز أن تتكرر الحالة الأخيرة، لكنه استدرك أن العنوان حالياً هو إيران أكثر من «حزب الله». وكتب أن لإيران اعتبارات أخرى، بينها اتفاق فيينا والحرب في سوريا، وأي رد سيأخذ ذلك بالحسبان. وأشار إلى أن اغتيال القنطار في ظل ما يجري في سوريا هو مقامرة لن تظهر نتائجها إلا لاحقاً.
من جانبه، كتب المعلق الأمني لموقع «إسرائيل ديفنس» عمير ربابورات أن اغتيال القنطار ليس انتقاماً لقتل عائلة هارن في نهاريا قبل عقود، بل لأن القنطار يشكل رمزاً، وهو «أولاً وقبل أي شيء يرتبط بتجسيد مبدأ الخطوط الحمر التي تنفذها إسرائيل في الجبهة الشمالية منذ سنوات». وأضاف أن المبدأ المعلن الأول هو أن إسرائيل لن تسمح بنقل أسلحة ذات أهمية استراتيجية للجبهة السورية أو اللبنانية، وهو ما قاد مراراً إلى غارات على قوافل أسلحة. والمبدأ الثاني، الأقل شهرة، هو أن إسرائيل لن تسمح بتحويل هضبة الجولان إلى حلبة قتال ضد إسرائيل، وهو ما حاولت إيران و «حزب الله» فعله. ولمنع حدوث ذلك نفذت إسرائيل غارات قُتل فيها في العام الماضي جهاد مغنية وآخرون وضمنها، كما يبدو، حان وقت سمير القنطار.
وأشار ربابورات إلى أن اغتيال القنطار ليس مفاجئاً إذا أخذنا بالحسبان الخطوط الحمراء الإسرائيلية، ونشاط القنطار في السنوات الأخيرة، بما فيه قيادته لعمليات ضد إسرائيل من الهضبة، خصوصاً من قرية الخضر. وأضاف أنه رغم معرفة إسرائيل لخطوات القنطار إلا أن اغتياله ليس بالأمر الهين، لأنه يتطلب معلومات استخبارية تعتمد على أناس من لحم ودم وليس فقط معلومات من بعيد.
واعتبر أن اغتيال القنطار وقع في أقل الظروف مواءمة لـ «حزب الله» بسبب الحرب في سوريا. وكتب أن فتح جبهة ضد إسرائيل هو آخر ما يناسب الحزب، ما يدفع للاعتقاد أنه سيكتفي برد محدود.
وكتب معلق الشؤون العربية في موقع «والا» آفي يسسخاروف أن «حزب الله» يواجه حالياً معضلة إن كان سيرد أم لا، وإذا كان سيرد فكيف وبأي قوة. وقال إن هذه المعضلة رافقت «حزب الله» مؤخراً، مستذكراً رد الحزب بعد استهداف الشهيد جهاد مغنية. وأشار إلى أنه في ظل الوضع القائم لا يبدو أن «حزب الله» معني بتصعيد شامل، رغم أن اغتيال القنطار يشكل «ضربة غير بسيطة لحزب الله على الصعيدين العملي والرمزي. فالهجوم يظهر مدى انكشاف التنظيم من الناحية الاستخبارية».
واعتبر المعلق الأمني لصحيفة «معاريف» يوسي ميلمان أن «حزب الله» بات أمام اختبار: هل سيرد على اغتيال القنطار أم لا ؟ ورأى أن الحزب، حتى إذا رد، فإنه ليس من مصلحته أن يتم الرد على الحدود الإسرائيلية - اللبنانية، لأن إسرائيل سترد بشدة كبيرة.
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد