مطاعم سورية في السودان بسبب الحرب
افتتح مطعم "شاورما أنس" في أحد الشوارع المزدحمة في الخرطوم، حيث الحركة على قدم وساق لخدمة الزبائن بتقديم سندويتشات وأطباق سورية من الدجاج واللحوم.
وقد يتعرف الوافدون من دمشق على إسم المطعم الأصلي في العاصمة السورية على مسافة 2000 كيلومتر من العاصمة السودانية.
ويلفت أنس خالد، صاحب المطعم الانتباه الى أن "كل الشباب الذي يعمل معي هارب من الحرب. وأنا أشغّل نحو 40 سوريا بين فرعين وآويهم جميعاً".
ويفر غالبية السوريين الهاربين من الحرب الأهلية الدائرة منذ نحو خمس سنوات إلى دول مجاورة مثل تركيا ولبنان والأردن أو يقومون بالرحلة المحفوفة بالمخاطر إلى أوروبا بحرا أو سيراً على الأقدام.
لكن في الوقت الذي تتجه فيه بعض الدول الأوروبية لإغلاق أبوابها وتواجه الدول المجاورة صعوبات في مجاراة سيل الوافدين، بدأ عدد متزايد من السوريين يجدون ملاذا غير متوقع في السودان.
ورغم أن السودان يعيش أزمة اقتصادية وتمرداً في أقاليم مترامية فقد فتح أبوابه فأتاح للسوريين الأمان ومعاملتهم معاملة المواطنين، بما يتيحه لهم ذلك من إمكانية الحصول على خدمات الصحة العامة والتعليم.
وتوصل مسح أجرته لجنة دعم العائلات السورية في تموز 2015 إلى أن أكثر من 100 ألف سوري يعيشون في السودان، وذلك كنتيجة مباشرة للحرب وقد تزايد العدد منذ ذلك الحين.
وصل خالد إلى الخرطوم العام 2007 قبل سنوات من بدء الحرب السورية، لكنه لم يفتتح مطعمه سوى العام 2014 للمساعدة في إيجاد وظائف لطوفان السوريين الفارين من الصراع الذي سقط فيه 250 ألف قتيل وأرغم الملايين على النزوح عن ديارهم.
يقول خالد: "قبل أن يبدأ السوريون الهجرة إلى هنا بأعداد كبيرة كنت أعمل في مطعم ومصنع. وبدأت المطعم كوسيلة لمساعدة الشباب الوافدين الذين عرفت أنهم سيعانون في سبيل إيجاد عمل ودفع الإيجار".
ويشير إلى رجلين يدير أحدهما سفداً من لحم الدجاج ويتلقى الثاني النقود من الزبائن: "هذا قريبي وهذا قريبي. أعرف معظمهم من أيام ما كنت في البلد وعرفت أنهم آتون. فأي شخص فوق سن الثامنة عشرة ليس أمامه خيار سوى السفر أو الالتحاق بالجيش ومواجهة الموت المحتم".
وقد شجعت اللغة الواحدة وإمكانية الحصول على مساعدة الأصدقاء القدامي والأقارب الموجودين في السودان عدداً أكبر من السوريين على بدء حياة جديدة فيه. وأصبحت شوارع الخرطوم تمتليء بالمطاعم السورية.
وكل أسبوع تصل رحلتان جويتان من دمشق، وتمر الأسر السورية من دون عناء من مكاتب فحص جوازات السفر، إذ لا تحتاج إلى تأشيرات للدخول، وذلك على النقيض من القيود المشددة المفروضة على الحدود التي يواجهها السوريون في مختلف أنحاء العالم.
ويقول رئيس مفوضية اللاجئين في السودان أحمد الجزولي: "بدأنا الضغط لاستيعاب اللاجئين السوريين قبل أكثر قليلاً من عام. في البداية كان العدد صغيراً، لكنه زاد فيما بعد في أعقاب صدور أوامر من الرئيس بالسماح بدخول اللاجئين السوريين البلاد من دون تأشيرة".
وكان السودان قد نأى بنفسه في العام الأخير عن إيران التي تحالف معها لفترة طويلة، وهي من داعمي الرئيس السوري بشار الأسد.
وتحسنت العلاقات السياسية بين السودان والسعودية التي تدعم المعارضة التي تقاتل لعزل الأسد من السلطة وعرضت المملكة مساعدات اقتصادية على السودان تحتاج إليها الخرطوم بشدة.
* واقع صعب
ورغم شعور السوريين بالامتنان للهروب من أخطار الحرب والضغوط النفسية في وطنهم فهم يواجهون تحديات اقتصادية في العاصمة السودانية.
وأدى نقص المعروض من الوحدات السكنية والطلب الخارجي إلى ارتفاع أسعار الاراضي والايجارات، ما أثر على الوافدين الجدد.
ووصل عبد الكريم أبو زمار (28 عاماً) الذي يعمل في المطبخ لدى مطعم خالد، إلى السودان من تركيا في صيف العام 2015 بعد أن ظل يكافح لإيجاد عمل في سوق العمل المتشبع هناك.
ويقول أبو زمار: "اتصلت بعائلة سودانية على فايسبوك وأبلغتهم بخططي للانتقال إلى السودان. واستقبلوني في المطار ورحبوا بي في بيتهم".
ويضيف: "أقمت معهم شهراً قبل أن اتصل بأنس جاري في سوريا وبدأت العمل معه".
ورغم أن أبو زمار يعمل ورديات كل منها 12 ساعة، فهو يواجه صعوبات في سد كل احتياجاته.
ويقول: "أنا خاطب بنت سورية قابلتها هنا لكن أجري لا يغطي كلفة الايجار. وهذا مرهق لأن كلفة المعيشة ترتفع والأجور كما هي"، مضيفاً "بعد أن فقدت أبناء عمي وأصدقائي في الحرب في الوطن أصبح كل ما أريده هو الاستقرار".
ورغم المصاعب فقد أبدى من بدأوا حياة جديدة في السودان امتنانهم الشديد.
ففي تموز الماضي بدأ مجموعة من السوريين مبادرة بعنوان شكراً للسودان ووزعوا الحلوى والمياه على السيارات المارة.
ويرى مؤسس لجنة دعم العائلات السورية في السودان، مازن أبو الخير الذي يحمل الجنسيتين السورية والسودانية منذ ما قبل الحرب، انه "إذا أغلق السودان أبوابه فأمام السوريين خياران: تركيا أو البحر. والكل شاهد المآسي التي تحدث في البحر".
(رويترز)
إضافة تعليق جديد