السوريون و«جنيف 3».. البحث عن التفاؤل!
لعلَّها من المفارقات الغريبة أن يهتمّ السوريون بكثير من الملفات الإقليميّة والدوليّة وألَّا يظهروا وجود أيّ التفاتة حيال ما يحدث في جنيف، حيث بدأت، يوم أمس، مفاوضات تجمع الأفرقاء السوريين لبحث آفاق حل سياسيّ ينهي الحرب المتواصلة منذ خمس سنوات.
ربَّما هي قسوة الحرب التي دفعت بالوضع المعيشي ومستقبل الحياة إلى صدارة الأولويات، بعيداً عن جنون السياسة ومفاوضاتها.
في مختلف الشوارع الدمشقيّة، سواء تلك التي لا تغيب عنها الرفاهية والحياة الراقية، أو تلك التي باتت التدفئة فيها زائراً غريباً، ثمَّة أحاديث كثيرة يتناقلها السوريون، إلَّا الحلّ السياسي.
وأبعد من ذلك، فإنَّ قلّة من الناس تستذكر أنَّ المدينة السويسريّة تستضيف، في هذه الأثناء، مباحثات قد تشكّل الشرارة الأولى لبدء التسوية السياسيّة في بلد يقترب من العام السادس للحرب.
كلام عن القذائف وغلاء المعيشة والكهرباء والمياه ومواجهة البرد. آخرون يتحدّثون عن مخطّطات للسفر وركوب «البلم»، فيما يبكي غيرُهم رفاقَهم الغارقين في بحر إيجة اليوناني.
في المقابل، ثمّة فئة تتطلّع إلى المفاوضات لعلّها تكون الفصل الأول في بداية تسوية سياسية طال انتظارها.
يقول مهند (39 عاماً)، وهو شاب دمشقيّ يعمل «صيدلانياً»، إنَّ حالة من فقدان الأمل بأيّ تسوية سياسيّة، دفعت الكثيرين إلى التركيز على مواجهة الحياة القاسية بعيداً عن اتفاقات وتفاصيل ليست سوى حبر على ورق. ويضيف: «قضيت فترة من عمري في لبنان، ووالدي كان هناك لمدة طويلة حيث كان الناس يفكرون بفترات وقف إطلاق النار للتنقل بين الحواجز أو شراء حاجياتهم.. كانوا يقرأون الصحف ويسمعون عن اتفاقات في لوزان وجنيف والطائف ثم يكملون حياتهم.. اليوم، رغم اختلاف الظروف، نعيش وضعاً مماثلاً: إنَّها الحرب».
لسلمى (45 عاماً) رأيٌ يتقاطع نسبياً مع ما قيل أعلاه، إلَّا أنَّها تميل إلى كفّة الميدان أكثر. تعتبر الموظّفة الخمسينية أنَّ حسم الجبهات الساخنة يبدو أكثر أهميّة من الحلّ السياسي الذي لا يشغل بالها كثيراً. تقول: «أنا مع الدولة السوريّة، والدولة قالت إنَّ أولويّتها محاربة الإرهاب، وهذا ما أراه حلاً ناجعاً.. الحسم في درعا وداريا والغوطة يعني أنَّ الجيش يستغلّ خلافات القوى الكبرى ويعيد سيطرته على الأرض، وعندها سيتغيّر كل شيء في السياسة».
اما باسل (25 عاماً ـ صحافي) فيبدي قدراً أكثر تفاؤلاً بـ«جنيف 3» الذي ينعقد بظروف مختلفة عن الجولتين الماضيتين، يعقّب ابن مدينة حماه قائلاً: «أعتقد أنَّ عقد اللقاء بمن حضر، وإصرار الولايات المتحدة وروسيا على انعقاده، يعبّر، للمرة الأولى، عن رغبة جديّة بحلّ الأزمة السوريّة.. إنَّها الخطوة الأولى على طريق طويل من اللقاءات والمباحثات الهادفة إلى إنهاء الأزمة». ويختلف الشاب مع فكرة عدم اهتمام السوريين بالمسار السياسي «فهم مزروعون بالأمل ويحاولون التمسّك به، لعلّه يكون بداية لنهاية الحرب، ربّما لهذا السبب هناك نسبة لا بأس بها متفائلة باللقاء السوري ـ السوري».
من جهته، يعتقد واصل أنَّ السوريين «مهتمون جداً بموضوع جنيف، وإن كان المشهد الذي يبدو للمتتبّع بأنَّ السوريين سئموا مثل هذه المحاولات للوصول إلى حلّ سياسي». يردف الشاب العشريني الذي يعمل في إذاعة محلية: «برغم ذلك، فإنَّ السوريين، بكل أطيافهم وانتماءاتهم واصطفافاتهم السياسيّة، باتوا يؤمنون بأنَّ الحلّ العسكري لن يؤدّي إلَّا إلى مزيد من الدمار والدماء، في ظلّ تمدّد التنظيمات الإرهابيّة في الشمال والشمال الشرقي.. إنّما الحلّ السياسي هو القادر على وضع السوريين على بداية الطريق الذي يؤدي إلى نهاية الحرب».
ويرى الشاب أنَّ «مجرد جلوس الأفرقاء إلى طاولة المفاوضات وبداية الصراع التفاوضي والسياسي ووقف إطلاق النار، لتتلاحق خطوات تعزيز الثقة من الجانبين، هو إنجاز ونتيجة إيجابية لعموم السوريين، مهما طال الصراع السياسي أو قصر، بمعنى تحويل العمل العسكري إلى صراع سياسي هو الإنجاز الحقيقي في هذه المرحلة».
طارق العبد
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد