ضحايا لبنان الوطن حكماً ومعارضة
المحكمة الدولية مشكلة,والثلث «الضامن» أو «المعطل» مشكلة, والتهافت الاقليمي والدولي على لبنان أكثر من مشكلة...لكنني وأنا أتحدث عن «المعتصمين» لا أفكر بالأكثرية ولا بالمعارضة.
أفكر فقط بشباب لبنان.
هؤلاء,داخل الساحات وخارجها, معتصمون منذ ولدوا, لا يسأل عنهم أحد من الذين حكموا لبنان طوال العقود السبعة الأخيرة أو الذين لم يحكموا بعد.
عندما رسم جنرال فرنسي في العشرينيات من القرن الفائت, حدود «لبنان الكبير» فكر في أن الجبل لا يكفي من دون سهل, وأن الدولة تحتاج الى شاطئ, وأن السهل والجبل والشاطئ دولة قابلة للحياة, وقد يكون على حق.
وعندما أطل بشارة الخوري ورياض الصلح بـ«الميثاق الأول» (الماروني السني بامتياز ( أدرك اللبنانيون أن عليهم «التعايش» في ظل المادة 95 من الدستور, ولو «موقتة», وأن المساومة التي قضت برفض الانتداب الفرنسي, ورفض الذوبان في «الاوقيانوس» العربي, رهان على بناء دولة وولادة وطن.
الرهان الذي بدأ في مطلع الاربعينيات لم يصمد طويلاً. فقد سقط «الميثاق» بما يشبه الصدمة الدراماتيكية في تجربة 1958, ثم عاد فسقط مرة اخرى سقوطاً قاتلاً في تجربة 1970, قبل أن يعاود السقوط وينهار انهياراً كاملاً في الحرب الأهلية التي تواصلت حتى العام 1990.
وعندما اجتمع نواب لبنان أو من تبقى منهم في أعقاب سني الحرب, بحثاً عن «ميثاق بديل», كان لبنان قد خسر نصف شبابه على الأقل بين قتيل وجريح ومهاجر ومهجر, واستقر النادبون في مأتم الوطن على خيار «الطائف».
هذا «الطائف» ظل منذ ولادته لغزاً أو أحجية, والسنون الـ15 الأولى من تطبيقه كان عنوانها «الرعاية السورية». وجاك شيراك نفسه صديق لبنان الكبير أقر مبدأ هذه الرعاية داخل مجلس النواب اللبناني في ساحة النجمة أو «ساحة الساعة».
وسنوات ما قبل الطائف وما بعده كانت مزيجاً من الحرب الداخلية و«حروب الجنوب» الصغيرة والكبيرة, من اجتياح 1978 الى اجتياح 1982, الى سائر الاجتياحات الجوية والبرية شبه اليومية, وآخرها عدوان تموز الفائت.
المهم أن هذه التجربة التي عطلت فرص التنمية, وحولت لبنان الى «ساحة» لحروب تتواصل, شكلت سبباً اضافياً لهجرة الشباب اللبناني الى دنيا الله الواسعة.
اليوم, بعد ست سنوات على الانسحاب الاسرائيلي €البري€, وسنتين على الخروج السوري, وبعد أكثر من 15 اغتيالاً وتفجيراً لم نهتدِ حتى الآن الى أي «حقيقة» وطنية, وكأننا لا نزال في أواسط القرن التاسع عشر أو مطلع القرن العشرين, أو كأن الثابت الوحيد في لبنان هو التغيير الذي يقرره الآخرون من خارج لبنان, فيما لبنان يعيش المتاهة الدائمة.
لماذا كل هذه التفاصيل؟
لسبب وحيد هو أن لبنان الوطن أو ما يفترض أنه وطن لا يزال وفياً لاقطاعييه وأحزابه المسلحة وغير المسلحة, وميليشياته السياسية, وعنصرياته وطوائفه ومذاهبه واخفاقاته الكبيرة والصغيرة, لكنه ليس وفياً ولا لحظة لشبابه.
انهم يهاجرون الى العواصم القريبة والبعيدة, بحثاً عن عيش كريم, ويتقاطرون كل يوم, منذ الاستقلال أمام أبواب السفارات, وطموحهم تأشيرة سفر أو اقامة عمل, أو مواطنة دائمة.
شباب لبنان لم يشعروا يوماً بأن لهم وطناً يعتصمون به.
أوطان الآخرين هي ملاذهم الدائم.
وهؤلاء المعتصمون في ساحتي رياض الصلح والشهداء, لم يعتصموا يوماً بساحة الوطن. كذلك حال التائهين امام الأبواب الغريبة, في شوارع القيظ الخليجية, والبرد الأوروبية, كما في الصحارى الاسترالية والسهوب الكندية الجليدية.
انهم لاجئون في وطنهم, ومواطنون بلا جذور أو هوية او انتماء.
انهم ضحايا لبنان الوطن, حكماً ومعارضة.
وهم في نهاية المطاف الوطن الضحية.
فؤاد حبيقة
المصدر: الكفاح العربي
إضافة تعليق جديد