المهمة المقبلة للجيش اللبناني
بصرف النظر عن التوترات السياسية المتصاعدة في لبنان وعدم ثبات زئبق ميزان التوازن السياسي, العصي على الهدوء, فإن الوضع الامني هو الذي شغل بال ليس اللبنانيين فحسب, بل العواصم العربية المتوجسة خيفة على لبنان.
ومرد هذه المخاوف لا يقتصر على احداث يومي الثلاثاء والخميس في 23 و25 كانون الثاني €يناير€ التي استخدمت فيها الاسلحة النارية, بل يتجاوز ذلك الى تلمس حركة تسليحية لبعض الاحزاب والتيارات السياسية على اختلافها ولا سيما في العاصمة وبعض المناطق الجبلية, وكذلك اتساع الحديث والتوقعات عن حصول اغتيالات سياسية لمزيد من التأزيم السياسي. حتى ان البعض حدد بأن الاهداف سوف تكون اهدافاً ثانوية بسبب استحالة الوصول الى هدف كبير.
حسب العادة فإن التوقعات في هذا المجال غالباً ما كانت تنجح ليس بسبب معلومات يعتد بها, وانما بهدف ابقاء حالة التشنج على حالها او تغذيتها. واذا كان من الصعب رد اقدار الاغتيالات ولو أن ذلك ليس مستحيلاً, فإن اكثر ما يقلق هو تفشي الفوضى مع اقتراب الذكرى السنوية لاغتيال الرئيس رفيق الحريري, وهو ما يجري العمل على استباقه من خلال خطة امنية تمنع اي تصادم بعد حملات الشحن التي شهدت محطتين في المواجهة يوم الاضراب العام الذي نفذته المعارضة اللبنانية وبعده بيومين من خلال الاحداث المقلقة في جامعة بيروت العربية ومحيطها اذ سقط في هاتين المحطتين ثمانية قتلى واكثر من ثلاثمئة جريح, وتم توقيف العشرات الذين يستمر التحقيق معهم بالرغم من بعض المداخلات السياسية لاطلاق البعض.
واحداث يوم الجامعة العربية وما تلاها من إشكالات متنقلة دفعت القيادات الامنية الى اتخاذ اجراءات ولا سيما من الجيش اللبناني الذي يتحمل اعباء ضخمة في هذه المرحلة من دون تأفف بالرغم من نيله العديد من الشظايا السياسية والاصابات البشرية.
وحسب مراجع امنية فإن الجيش وقوى الامن الداخلي عززا ابتداء من الخميس الماضي وجودهما في محافظة بيروت واستقدما تعزيزات اضافية بشرية ولوجستية, وان انتشار القوى الامنية شمل كل المناطق التي تعتبر مرشحة للتوتر والتي شهدت احتكاكات مباشرة عنيفة او خفيفة. وقد قسمت بيروت اضافة الى أمكنة انتشار القوى الامنية سابقاً قطاعين: الاول تحت سيطرة الجيش ويشمل مناطق كورنيش المزرعة والبسطة وشارع مار الياس وبربور, والثاني تحت سيطرة قوى الأمن ويشمل خصوصا الطريق الجديدة بمعنى ان الجيش تسلم المناطق الاكثر احتكاكا والتي تعتبر نقاط تماس بسبب جهوزيته البشرية واللوجستية فيما تسلمت قوى الامن المناطق المتجانسة والاخف توتراً. ويلاحظ بطبيعة الحال ان اكثر هذه المناطق المعززة موجود في الشطر الغربي من العاصمة فيما لم تتضاعف التعزيزات في الاشرفية. وقد عززت قوى الامن عديدها باستقدام قوى سيارة مجهزة تقارب تركيبتها اللوجستية تركيبة الجيش بتدريباتها وآلياتها وعتادها وقد اصبح عديد القوى نحو 4000 عنصر تتبع شرطة بيروت وتخضع تلقائياً لامرة المدير العام لقوى الأمن الداخلي, فيما تتولى غرفة العمليات المشتركة التنسيق المستمر بين الجيش وقوى الأمن الداخلي وفق المعطيات اليومية ميدانياً. وقد اعدت القوى الامنية ترتيبات جديدة للانتشار وتوقعت مصادر أمنية انعكاسا تدريجيا لخطاب القوى السياسية المحذرة من الاقتتال الداخلي مما يعني انحسار اي توتر ميداني.
ولا تقلل المراجع الامنية اهمية ما حدث الاسبوع الماضي وصعوبة عمل الاجهزة في ضبط الوضع, الا انها تؤكد ان الترتيبات الامنية ترتبط مباشرة بالاستعداد لذكرى 14 شباط متوقعة ضبطا تاما لهذا اليوم نتيجة صيغ تفاهم سياسية يعمل عليها وسطاء.
وتبدو هناك ملاحظات على الخطة بسبب توزيع القوى حسب المناطق الا ان احدا لا يريد اشهار هذه الملاحظات, خصوصا ان الجيش اللبناني واستنادا الى توجيهات قائده العماد ميشال سليمان شدد على عدم تكرار ما حدث من اشكالات سابقة, وهو توجه الى العسكريين بتوجيهات شدد فيها على دورهم الوحدوي والتزامهم الكامل بالولاء للمؤسسة, خصوصا وان البعض حاول النيل من صورة المؤسسة بتوزيع ولاءات بعض الضباط على هواه من اجل تشويه صورة الجيش.
ويبدو ان جميع الاطراف فهمت رسالة الجيش بانه لن يسمح مجددا العبث بالامن, ولذلك سارع العديد من القيادات الروحية الى تحريم الاقتتال الداخلي مهما كان ولا سيما بعد رفض قيادات المعارضة الانجرار الى الفتن. الا ان ذلك يبقى في اطار الدعوات التي لن يستمع اليها بالطبع اللاعبون الكبار على ارض لبنان ولهم ادواتهم القادرة على الضرب هنا او هناك لتأجيج الوضع في ضوء الاحتقان الداخلي مضافا اليه الوضع المتفجر في المنطقة.
وفي تقدير بعض الأوساط الخارجية المعادية لـ«حزب الله» والدور الاقليمي لكل من سوريا وايران, أن الظروف قد تكون مواتية لاحراج المعارضة اللبنانية وحلفائها الخارجيين في اعقاب سقوط عشرات القتلى والجرحى. وهذه الاوساط تبحث عن اوجه الأزمة التي يعيشها «حزب الله» بصورة خاصة, بعدما كشفت التطورات انه ليس الحزب الوحيد الذي يحمل السلاح, وأن اطرافاً أخرى لها ايضاً ميليشياتها واسلحتها المخزونة في الجبال والمغاور, وان الاطراف الموالية ليست مقصرة في اقتناء السلاح وتدريب المقاتلين. والسلاح, كما هو معروف هو «زينة» السياسات الطائفية في لبنان, والانتقال من الصراع السياسي الى الصدام المسلح كان على الدوام «عقب اخيل» القاتل في جسد الديمقراطية اللبنانية الهشة.
ولأن «حزب الله»يرفض استخدام سلاحه ومقاتليه في الداخل فإن كثيرين من اخصامه يعتقدون ان الوقت ملائم لحشره في الزاوية, بالرغم من ان قوى الاكثرية والمعارضة معاً تعرف ان القوى الخارجية المعنية لم تعط حتى الآن الضوء الاخضر لحرب اهلية جديدة. ايران, مثلاً, تبدو حريصة كل الحرص على وقف الانزلاق الى العنف الذي يخدم في النهاية مصلحة خصومها, وسوريا كانت ولا تزال حريصة على وحدة لبنان, والسعودية بدورها حريصة على اقامة علاقات جوار متوازنة مع ايران الدولة بالرغم من خصومتها مع ايران الثورة, وهي لا تريد ان يتدهور الوضع في لبنان بصورة تفجر هذه العلاقة, وهذا يعني ان الضحايا الذين سقطوا حتى الآن يمكن وضعهم في خانة «المضاعفات غير المحسوبة» التي طوقها قرار «حزب الله» وحلفائه تطويق الفتنة ووقف التصعيد.
وفي الصالونات السياسية للاطراف الداخلية التي تعمل على الغاء «حزب الله» او تحجيم دوره على الاقل, كلام عن ان الحزب حريص ايضاً بل أولاً على عدم تفجر الوضع في الجنوب لأنه لا يريد ان يمنح اسرائيل فرصة لاستئناف الحرب بهدف استعادة هيبتها المفقودة من جهة, ولأنه يرفض ان يتعرض اهل الجنوب لعملية تهجير جديدة واسعة قد تقود الى مضاعفات غير مأمونة النتائج, وقد ألمح السيد حسن نصر الله الى هذا التخوف في اطلالاته الأخيرة. وعلى هذا الاساس تتعاون المقاومة مع «اليونيفيل» المعززة على تدارك خطر احتمال ان يلجأ بعض المتطرفين €تنظيم القاعدة مثلاً€ الى عمليات انتحارية لدفع القوات الاطلسية الى الانسحاب, فيتحمل الجنوبيون تبعة هذه العمليات, وتستأنف اسرائيل «حرب الأسيرين» بتغطية دولية واسعة.
استناداً الى هذه المعطيات يقول الكثيرون ان «حزب الله» يعيش حسابات دقيقة في هذه المرحلة, والمسألة بالنسبة إليه لم تعد مسألة مشاركة فاعلة في الحكومة بقدر ما باتت مسألة الخروج من الاعتصامات والتظاهرات بأقل ما يمكن من الاضرار الجانبية, وتدارك الانزلاق الى الفخاخ التي تنصبها بعض الاطراف الداخلية والاقليمية والدولية.
وفي أي حال تبدو مهمة الجيش والقوى الامنية في الأيام والاسابيع المقبلة سهلة ومعقدة في آن. انها سهلة اذا صفت النيات وتم تجاوز «قطوع 14 شباط» بهدوء بالتعاون مع الاطراف السياسية المعنية, وهي صعبة حتى آخر حدود التعقيد اذا حاولت الجهات المناوئة للمعارضة توظيف ما تعتبره «نقاط ضعف» حزب الله في املاء شروطها السياسية للعودة الى المؤسسات الدستورية... وعودة عمرو موسى تعتبر المحك الجديد لكل النيات.
يونس عودة
المصدر: الكفاح العربي
إضافة تعليق جديد