إنشاء أول منظمة للغاز الطبيعي على غرار منظمة أوبك
أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مؤتمره الصحافي السنوي في الكرملين ان «إنشاء منظمة للغاز الطبيعي شبيهة بمنظمة أوبك فكرة مثيرة يجب التفكير الجدي فيها».
وجاء هذا الكلام بعد تصريحات لمرشد الثورة الإسلامية في إيران علي خامنئي، الذي رحب خلال اجتماعه مع مسؤولين روس بفكرة إنشاء منظمة للغاز الطبيعي. فإيران وروسيا تملكان نصف احتياط الغاز الطبيعي في العالم. ويرى مراقبون غربيون ان أي خطوة لإنشاء هذه المنظمة قد ينتج منها ترتيبات جديدة تعيد صيـــاغة التحالفات الإستراتيجية والاصطفافات، بالإضافة إلى إحداث إرباك في أسواق الطاقة.
وتعتمد غالبية دول أوروبا في شكل كبير على استيراد الطاقة، والمعروف ان أوروبا تستورد حالياً أكثر من 50 في المئة من احتياجاتها للطاقة. ومن المتوقع ان يرتفع هذا الرقم إلى 70 في المئة عام 2030، بحسب دراسة للكونغرس. وتضيف الدراسة ان ألمانيا تستورد 32 في المئة من طاقتها من روسيا. كما ان الدول الأوروبية تستورد 25 في المئة من حاجاتها للطاقة من روسيا أيضاً. واليوم بتنا نرى ان النفط والغاز الطبيعي أمسيا بمثابة ورقة تفاوض ونفوذ في التعاطي مع الأمور المصيرية في العالم، وحاولت روسيا ان تظهر في اجتماع هيئة الاقتصاد العالمي الذي عقد خلال مؤتمر دافوس الأخير أنها قوة سياسية واقتصادية وأنها تشكل جزءاً مهماً في قمة الأسواق التي تؤمن بالحرية وأنه لا ينبغي ان تقلق الغرب.
وأعلن نائب رئيس الوزراء الروسي ميدافيدوف ان روسيا دولة مختلفة عن السابق، أي عن الحقبة السوفياتية، بحيث ان الاقتصاد الروسي استطاع ان يعيد بناء هيكليته معتمداً على النفط والغاز الطبيعي كمادة أساسية باتت تشكل جزءاً كبيراً من إيرادات الناتج القومي المحلي الروسي. وقد شهد عهد بوتين ارتفاعاً في الأسواق المالية الروسية من 74 بليون دولار بداية عام 2000 إلى أكثر من تريليون دولار نهاية عام 2006.
ويجري الأوروبيون محادثات مع روسيا للوصول إلى اتفاق جديد يخولها البدء ببيع الطاقة، ليس فقط لزبائنها الأساسيين في أوروبا الوسطى وأوروبا الشرقية، إنما لزبائن جدد في فرنسا وإيطاليا وإسبانيا. وطالب الأوروبيون موسكو السماح لشركاتهم بتطوير احتياط الطاقة الروسية، لكن موسكو رفضت ان تسمح للشركات الأجنبية بامتلاك خطوط أنابيب النفط.
ويعتقد الأوروبيون ان روسيا لا تؤمن بالأسواق الحرة وأنها تسعى إلى رفع أسعار الطاقة للحصول على مكاسب وأرباح كبيرة، بالإضافة إلى ان شركة «غازبروم» الروسية بدأت تتصرف كأنها تحتكر القدرة على رفع أسعار الغاز الطبيعي بخاصة مع أوكرانيا التي لا تملك أي بديل لاستيراد الغاز، بحسب المصادر الغربية. ورفعت «غازبروم» أسعارها ثلاثة أضعاف وهددت برفعها ستة أضعاف. وكان بوتين أعلن عام 2003 ان «غازبروم» قوة سياسية واقتصادية لها نفوذها في كل العالم.
وأدى الصراع الروسي - الأوكراني إلى التهديد بقطع الغاز الطبيعي عن أوروبا، ما أثار المخاوف لدى الأوروبيين وجعلهم والأميركيين يفكرون بإجراء تحالفات وإستراتيجيات جديدة. وحذرت دراسة الكونغرس من ان التقارب الروسي - الألماني قد يضعف مساعي الولايات المتحدة وأوروبا إلى تطوير مصادر للطاقة والبحث عنها في روسيا وغيرها. وتخوف مسؤولون أميركيون من ان ألمانيا قد تصبح معتمدة على الطاقة الروسية وتبتعد عن حلفائها الغربيين.
وتأتي المخاوف الغربية من ان روسيا وإيران تعملان معاً للتأثير في الأسواق النفطية، ما يثير قلق الدول الغربية. وفي الوقت نفسه عززت موسكو علاقاتها مع طهران في السنوات الماضية بالمساهمة في المشاريع النووية الإيرانية وبيع إيران صواريخ أرض - جو دفاعية. فما الذي يمكن لأميركا وأوروبا ان تفعلاه لمواجهة التحالف الاستراتيجي المحتمل بين إيران وروسيا من جهة، وبين روسيا وألمانيا من جهة أخرى؟ ويلح السؤال بعدما أبرمت شركة «غازبروم» عقداً مع حكومة المستشار الألماني السابق غيرهارد شرودر، سمح للشركات الألمانية بتطوير أنابيب الغاز الروسية في قاع بحر البلطيق كترتيبات خاصة ستؤمن حاجات ألمانيا وتبقي الدول الأوروبية الأخرى بعيدة من أي منفعة.
وماذا سيكون نصيب الشركات الأميركية التي تعودت على جني الأرباح الكبيرة من شركات النفط والغاز الطبيعي؟ فقد أظهرت النتائج الأخيرة لأرباح الشركات الأميركية أرقاماً خيالية فاقت 140 بليون دولار، وكانت آخرها شركة «إكسون - موبيل» التي بلغت أرباحها لعام 2006 39.5 بليون دولار أي 108 ملايين دولار في اليوم. وتأمل هذه الشركة، وهي الأكبر في بورصة وول ستريت، ان تستكمل عقود النفط والغاز الطبيعي، خصوصاً أنها وشركة «شل» وشركات نفطية أخرى، تخشى أن تواجه مستقبلاً صعباً بما ان احتياطات النفط والغاز الطبيعي التي لم تستخرج بعد تقع في بلاد لا يسمح للشركات الأجنبية بالدخول إليها.
تأتي كل هذه التحديات فيما ترتفع فيه وتيرة التأزم السياسي والأمني في الشرق الأوسط، ويبدو مستقبل روسيا السياسي مبهماً فيما هي مقبلة على انتخابات رئاسية في آذار (مارس) 2008، علماً ان بوتين لا يستطيع ان يترشح لولاية رئاسية ثالثة. ويتزامن هذا الأمر مع رحيل الرئيس الأميركي جورج بوش في تشرين الثاني (نوفمبر) 2008. فهل يؤدي رحيل الرئيسين بوتين وبوش إلى زيادة التوترات العالمية، أم سيشكل بداية لمرحلة جديدة في العلاقات الدولية؟
كامل وزنة
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد