كيف تنظر الولايات المتحدة إلى حربها مع إيران في العراق
الجمل: نشر معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى -والتابع لأجهزة ومؤسسات اللوبي الإسرائيلي في أمريكا- ورقة الرصد السياسي رقم 1198، والتي أعدها الباحث بالمعهد جيفري وايت، وكان عنوان الورقة (محاربة إيران داخل العراق).
يشير الباحث في بداية الورقة إلى التقرير الاستخباري الأمريكي الصادر بتاريخ 11 شباط الحالي، والذي تضمن جملة من الاتهامات الامريكية ضد إيران، تمثلت في الآتي:
- قيام إيران بتزويد حلفائها داخل العراق بالأسلحة والعتاد العسكري.
- قيام إيران بتقديم الأموال لحلفائها داخل العراق.
وذلك إضافة إلى الاتهامات الأمريكية الأخرى ضد إيران، والتي تمثلت في وجود 32 ألف عنصر إيراني داخل العراق، وانتشار فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني داخل العراق.
كذلك يشير الباحث إلى الإدراك السياسي الإيراني إزاء العراق، وذلك على أساس اعتبارات أن إيران:
- تفضل أن يهيمن الشيعة على العراق.
- تفضل وجود حكومة عراقية تابعة لطهران.
- تفضل إيران ألا يستقر العراق في الوقت الحالي، وذلك حتى لا ينجح النموذج الديمقراطي الأمريكي الذي تسعى الإدارة الأمريكية لإقامته وتوطيده في العراق، تمهيداً لتعميمه في بقية دول الشرق الأوسط.
- تفضل استغلال الأزمة العراقية لاستنزاف قدرات الولايات المتحدة وإضعاف وجودها في المنطقة.
تناول جيفري وايت محاربة إيران داخل العراق، ضمن ثلاثة نقاط، يمكن عرضها على النحو الآتي:
* أبعاد التحدي الإيراني:
يتميز التحدي الإيراني داخل العراق بستة أبعاد رئيسية هي:
• البعد العسكري: ويتمثل في تدفقات الأسلحة الإيرانية إلى العراق، كذلك قيام إيران بتدريب العناصر العراقية، وتقديم الاستشارات العسكرية والاستخبارية للميليشيات المتحالفة معها، وأيضاً يشير الباحث إلى قوات فيلق القدس التابعة للحرس الثوري الإسلامي الإيراني، والموجودة حالياً في العراق، وقيامها بالكثير من العمليات العسكرية والأمنية السرية داخل العراق، كما يشير الباحث إلى العلاقات والروابط الوثيقة التي تجمع قادة فيلق القدس بزعماء الميليشيات العراقية.
• البعد السياسي: تحاول إيران السيطرة على الوضع السياسي الداخلي العراقي، عن طريق علاقاتها وروابطها مع الأحزاب السياسية والميليشيات والجماعات الدينية الشيعية العراقية. ويقول الباحث: إن إيران استطاعت بنجاح أن تنسج شبكة نفوذ وسيطرة واسعة شديدة التعقيد وعالية الكفاءة والفعالية داخل العراق، ويشير الباحث جيفري وايت إلى إن إيران لا تقدم الدعم للحركات والقوى الشيعية، بل وتقدم الدعم للحركات السنية المتطرفة التي تركز حصراً على محاربة القوات الأمريكية والقوات المتحالفة معها.
• البعد الاجتماعي: استطاعت إيران فرض نفوذها الاجتماعي الكامل في جنوب العراق، وذلك عن طريق شبكة الخدمات الاجتماعية الواسعة التي استطاعت بناءها، ويقول جيفري وايت: إن إيران تقدم المساعدات الطبية والعلاج وتبني المستشفيات والمراكز الصحية وتدعم الخدمات التعليمية والمؤسسات الدينية.
• البعد الاقتصادي: لإيران روابط اقتصادية قوية مع العراق، فهي تدعم الأسواق العراقية عامة وأسواق جنوب العراق خاصة، بالسلع الإيرانية، والتي أصبح معظم سكان العراق عموماً، وكل سكان جنوب العراق يعتمدون عليها بالكامل في حياتهم اليومية، وحالياً فإن الأسواق في جنوب العراق قد تتوقف عن العمل وتُصاب بالشلل الكامل إذا انقطعت السلع الإيرانية عنها، وتشير إحصاءات معاملات منطقة التجارة الحرة بالبصرة إلى سيطرة إيران على كامل معاملاتها التجارية.
كذلك افتتحت البنوك الإيرانية فروعاً لها في المدن العراقية، وبالذات في بغداد والبصرة. وتقوم طهران بتقديم المساعدات في عملية إعادة البناء والتعمير، كما يقوم رجال الأعمال الإيرانيين بدور بارز في كل أنحاء العراق، بما في ذلك المناطق الكردية الشمالية وعلى وجه الخصوص منطقة السليمانية.
• البعد الدبلوماسي: يقول جيفري وايت بأن الخطاب الدبلوماسي الإيراني الرسمي يركز على التنديد بالوجود الأمريكي في العراق، وعلى ضرورة مساعدة العراقيين، ويركز أيضاً على ضرورة صيانة استقلال ووحدة العراق، ولكن الباحث بعد ذلك يتحدث عن الاتصالات الدبلوماسية بين المسؤولين الإيرانيين والزعماء العراقيين، ويقول: إن هناك علاقة دبلوماسية من نوع خاص تجري بشكل غير معلن بين زعماء الحركات السياسية والفصائل الشيعية العراقية مع الزعماء والدبلوماسيين الإيرانيين، كذلك يتهم الباحث السفير الإيراني في العراق حسان كاظمي قوي بأنه من أحد كبار ضباط فيلق القدس الإيراني.
• البعد الديني: بموجب الاتفاق بين العراق وإيران فإن هناك 1500 حاج إيراني يعبرون الحدود يومياً من إيران إلى داخل العراق، ويبلغ إجمالي العدد السنوي للحجاج الإيرانيين حوالي 547500 حاج في العام، وهي نسبة تمثل أكبر مجموعة من الأجانب الذين يدخلون العراق، ولهؤلاء الحجاج حضور رئيسي في المراكز والمدن الشيعية المقدسة مثل النجف وكربلاء.. كذلك أصبحت إيران الدولة صاحبة النفوذ الرئيسي على الدوائر التعليمية الدينية الشيعية المنتشرة في العراق، وبناء على ذلك فإن هذين العاملين إضافة إلى الدعم الإيراني لرجال الدين الشيعة العراقيين أصبحت جميعاً تشكل تحدياً دينياً رئيسياً تصعب السيطرة عليه أو تجاوزه.
* القدرات الإيرانية:
يقول جيفري وايت بأن إيران تمتلك قدرات هائلة تؤهلها لفرض نفوذها وسيطرتها على العراق، ويشير إلى القدرات الإيرانية الآتية:
• التاريخ والخبرة: خلال فترة حكم الرئيس الراحل صدام حسين، اكتسبت قوات الحرس الثوري الإيراني، والجيش الإيراني، والمخابرات الإيرانية خبرة كبيرة في الشؤون العراقية، من خلال تواجدها في منطقة كردستان، وتعاونها مع الفصائل الكردية التي كانت تقاتل ضد النظام العراقي السابق، كذلك لطهران روابط وثيقة مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني الكردستاني، والاتحاد الوطني الكردستاني، إضافة إلى علاقاتها القوية مع حزب الدعوة العراقية للنظام العراقي السابق، وحالياً تشكل هذه الروابط قاعدة وخلفية تلعب دوراً هاماً في تعزيز الدور الإيراني في العراق.
• القدرات العسكرية: يقول جيفري وايت: إن البيئة السياسية العراقية الحالية غير المستقرة تمثل مناخاً ملائماً ومناسباً لفيلق القدس الإيراني والميليشيات العراقية المتحالفة مع إيران لكي تنفذ المزيد من العمليات العسكرية، وتستطيع إيران عن طريق هذه القوى رصد ومراقبة التحركات العسكرية الأمريكية وأيضاً تحركات حلفائها، كذلك تستطيع إيران تهريب السلاح والمال والعتاد العسكري إلى داخل العراق، وأيضاً تستطيع إيران بكل سهولة استقبال عناصر هذه الميليشيات عبر الحدود الإيرانية والإشراف على عمليات التدريب العسكري ومعالجة الجرحى، وتوفير الملاذ الآمن للمطلوبين بواسطة القوات الأمريكية.
• القدرات الجغرافية: يشير الكاتب إلى أن السيطرة على الحدود العراقية- الإيرانية البالغ امتدادها 89 ميلاً أي حوالي 1424 كيلومتراً، والتي تتضمن الكثير من المناطق الوعرة وبالذات في النصف الشمالي، هي سيطرة صعبة للغاية إن لم تكن مستحيلة، خاصة وأن كل الفئات السكانية الموجودة في هذه المناطق ترتبط بقوة مع المجتمع الإيراني، فالشيعة العراقيون في جنوب العراق يصعب فصلهم عن إيران، وأيضاً الأكراد العراقيين في الشمال يصعب فصلهم عن أكراد شمال إيران. ويضيف الكاتب بأن العلاقة الاجتماعية بين العراق وإيران لا تعتمد فقط على العامل الديني، بل إن شبكة المصالح التجارية أصبحت أكثر تأثيراً، وحالياً يتعامل جميع العراقيين بما في ذلك المناوئين لإيران، مع السلع الإيرانية، الأمر الذي جعل الحدود العراقية- الإيرانية تتضمن عشرات الآلاف من الطرق والمسالك البرية التي لا يمكن لا للقوات الأمريكية ولا للعراقيين أنفسهم السيطرة عليها.
• القدرات البديلة: وتتمثل –بحسب ما يقول جيفري وايت- في حزب الله اللبناني، والحركات الإسلامية المنتشرة في سائر مناطق الشرق الأوسط. ويشير الباحث إلى أن هذه الحركات إضافة إلى حزب الله اللبناني تلعب دوراً هاماً في تعزيز قوة إيران ونفوذها في المنطقة، خاصة وأن هذه الحركات تعارض بشدة الوجود الأمريكي في العراق وفي سائر أنحاء منطقة الشرق الأوسط.
• قدرة الإرادة: وتتمثل في قوة وإصرار الإيرانيين على القيام بالعمل السري الطويل الأجل في العراق. إضافة إلى قوة وإصرار النظام الإيراني من أجل تشكيل وصياغة المستقبل في إيران والمناطق المحيطة بها، وتتلازم مع قوة الإصرار هذه الرغبة القوية والأكيدة في القضاء على وجود الولايات المتحدة في المنطقة.
* التورط:
يقول جيفري وايت: إن إسرائيل تستخدم كل الوسائل الضرورية من أجل تحقيق غاياتها في العراق، وتنقسم هذه الوسائل إلى نوعين:
- وسائل معلنة: وتتمثل في الأنشطة الدبلوماسية والاقتصادية والسياسية الرسمية.
- وسائل غير معلنة: وتتمثل في العمليات والأنشطة السرية التي تقوم بها العناصر الإيرانية المتغلغلة داخل العراق.
وفي نهاية الورقة يتساءل الباحث جيفري وايت عما يتوجب على الولايات المتحدة القيام به من أجل القضاء على التدخل الإيراني في العراق، كذلك يشير جيفري وايت قائلاً بأن الولايات المتحدة لا تقوم حالياً بمحاربة إيران داخل العراق، وذلك لأن واشنطن ماتزال تركز على تحقيق أهدافها المتعلقة بالعراق وحده، ولم تتفرغ لتهتم بالتدخل الإيراني، وبالحدود الإيرانية- العراقية.
وعموماً نقول: إن ورقة جيفري وايت تمثل أطروحة وصفية نموذجية لما يدور في عقل القائمين بأمر اللوبي الإسرائيلي في أمريكا، وذلك لأنها تهدف لتوفير الذرائع والمبررات الجيوبولتيكية لإدانة إيران، وتحميلها مسؤولية العنف وعدم الاستقرار في العراق، بشكل يغلب عليه الطابع الأكاديمي.
إن إيران تجاور العراق منذ الأزل، ولم يحدث أن حاولت إيران احتلال العراق، وحتى الحرب العراقية- الإيرانية التي دارت رحاها في الماضي كانت بالأساس حرباً بتحريض أمريكي- إسرائيلي، تهدف إلى إضعاف البلدين. والآن نود أن نطرح سؤالاً على الباحث جيفري وايت: إذا كانت أمريكا تستهدف إيران بالعدوان والضربات الجوية النووية ثم أصبحت القوات الأمريكية تتمركز في العراق والخليج العربي مزودة بكافة أنواع الأسلحة الفتاكة، وذلك على بعد بضعة كيلومترات من الحدود الإيرانية.. فما الذي تتوقع من إيران أن تقوم به؟ إن من حق إيران وكل دول المنطقة متابعة ورصد الوجود العسكري والاستخباري الأمريكي- الإسرائيلي- البريطاني الموجود في العراق، لأنه يعتبر وجوداً مهدداً وفقاً لكافة مقاييس مخاطر ومهددات الأمن القومي المعروفة في العالم.
وإذا كانت المسألة الإيرانية في العراق تتعلق بالشيعة العراقيين، فإن هذا الأمر ظل أمراً عادياً على مدى مئات السنين، ولا يوجد أحد في العالم يرفض أن يتداول أهل العراق من السنة والشيعة كراسي السلطة والحكم في وطنهم.. وهو في النهاية أمر يعود ويرجع إلى التوازنات الاجتماعية داخل العراق، وللعراقيين وحدهم مطلق الحرية في التصرف في شؤونهم الوطنية.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد