الولايات المتحدة تقع في الشرك الذي نصبته في سورية
الجمل ـ ترجمة وصال صالح:
أخيراً اتضحت سياسة إدارة ترامب في سورية. مع اتخاذها قرار فصل شمال شرق سورية عن بقية أنحاء البلاد بشكل دائم، بذريعة مثيرة للسخرية حماية سورية من النفوذ الإيراني ما يعطي الولايات المتحدة صوتاً في تسوية نهائية سورية. بيد أن هذه الخطوة تفتقر إلى الاستشراف الاستراتيجي.
مع تحول عملية قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة التركيز على قتال "داعش" تقوم حالياً بتدريب قوة للحفاظ على الأمن على طول الحدود السورية. جدير بالذكر أن هذه القوة مكونة جزئياً من قدامى المقاتلين وتعمل تحت قيادة "قوات سورية الديمقراطية"، حسبما صرح الكولونيل البلجيكي توماس فيل وهوالمسؤول عن الشؤون العامة في الاتحاد الأوروبي.
يُشار إلى أن قوات التحالف تعمل بالاشتراك مع قوات سورية الديمقراطية لإنشاء وتدريب قوة جديدة (أمن الحدود). حالياً، هناك ما يقرب من 230 شخصا يتدربون في الفئة الافتتاحية لقوات حرس الحدود، مع الهدف المتمثل في حجم القوة النهائي البالغ حوالي 30 ألف، قال فيل.
وأكد فيل أن المزيد من الأكراد سيخدمون في مناطق شمال شرق سورية، في حين سيخدم المزيد من العرب في المناطق الواقعة على طول وادي نهر الفرات، وعلى طول الحدود مع العراق.
يذكر أن قوات سورية الديمقراطية والأكراد يخضعون لسيطرة حزب العمال الكردستاني pkk، وهي منظمة تعدها تركياإرهابية نظراً لقيامها بعمليات القتل والقتال اليومية تقريباً بحق القوات التركية داخل تركيا. ومن المرجح أن العرب الذين سيعملون ظاهرياً على إغلاق المنطقة عن بقية أنحاء سورية هم من القوات القبلية التي كانت في وقت سابق متحالفة مع تنظيم داعش.
قبل تحركها هذا لم تقم الولايات المتحدة باستشارة الأتراك، الممتعضون من تسليح وتدريب الولايات المتحدة ل "عصابة إرهابية" وهؤلاء سيسيطرون على امتداد طويل من حدودها الجنوبية. لذلك سيتعين على الحكومة التركية اتخاذ تدابير صارمة لمنع مثل هذا التهديد الاستراتيجي للبلد:
مثل هذه المبادرات التي تهدد أمننا القومي والسلامة الإقليمية لسورية من خلال استمرار التعاون مع حزب الاتحاد الديمقراطي pyd / ypg تتعارض مع الالتزامات والبيانات التي أدلت بها الولايات المتحدة وهي غير مقبولة. نحن ندين الإصرار على هذا النهج المعيب وأذكر مرة أخرى أن تركيا مصممة وقادرة على القضاء على أية تهديدات تستهدف أراضيها.
بدورها أشارت روسيا إلى أن هذا الاحتلال الأمريكي لا يستند إلى أي أساس قانوني:
وأكد وزير الخارجية الروسي أن هذه القرارات اخذت بدون أي أساس، أو قرار من مجلس الأمن ، أو من بعض الاتفاقيات التي تم التوصل إليها خلال المحادثات السورية في جنيف.
سورية حذرت أيضاً من أن أي سوري سيشارك في هذا التحرك سيكون في مأزق: ويعتبر خائن للدولة السورية وللشعب والجيش وسيتم التعامل معه على هذا الأساس وأن هذه الميليشيات ستعيق التوصل إلى حل سياسي للوضع في سورية.
الكونغرس الأميركي يعرب عن قلقه إزاء هذا التحرك:
خلال الإدلاء بشهادته أمام "لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ" يوم الخميس، أوجز ديفيد ساترفيلد، مساعد نائب وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، الأهداف الأميركية في سورية المتمثلة بتحقيق الاستقرار في شمال شرق سورية بعد القضاء على داعش والتصدي للنفوذ الإيراني.
فيما أكد رئيس اللجنة بوب كروكر بأن "هذا لن يحظى بالقبول".
بدوره عبر السيناتور كريس مورفي الذي كان قد سأل في البداية ساترفيلد سؤالاً رفض الأخيرالإجابة عليه، عن قلقه من أن القضاء على النفوذ الإيراني في سوريا تماماً هو أمر خداع ولا يمكن للقوات الأميركية البقاء في سورية إلى الأبد.
من جهته أعرب السيناتور بن كاردان، وهو كبير الديمقراطيين في اللجنة، عن قلقه من أنه ليس لدى إدارة ترامب الإذن القانوني اللازم من الكونغرس لإبقاء القوات الأمريكية في سورية بعد هزيمة داعش.
بالعودة شهرين فقط إلى الوراء، كان ترامب خلال مكالمة هاتفية مع الرئيس الروسي بوتين يعارض مثل هذا التحرك: وأكد الرئيسان التزامهما بسيادة سورية، ووحدتها، واستقلالها وسلامة أراضيها، وسلامتها الإقليمية وطابعها غير الطائفي حسب التعريف الوارد في قرار مجلس الأمن 2254 .
يأتي هذا التحرك الأمريكي في الوقت المناسب لسورية، حيث أسس الاتفاق الروسي والتركي والإيراني والسوري في أستانا إقامة منطقة تهدئة في محافظة ادلب مع التزام الأطراف بمواصلة المعركة ضد تنظيم القاعدة. وكان الاتفاق على وشك التعرض لخطر الانهيار مع احتجاج تركيا على العملية السورية الحالية ضد القاعدة في شرق إدلب. تركيا تتعاون مع القاعدة للإبقاء على خياراتها مفتوحة للاستيلاء على بعض الأراضي السورية. كما يساورها القلق إزاء جيب كردي شمال غربي عفرين يتمتع بحماية القوات الروسية.
غير أن التحرك الأميركي في الشرق يشكل تهديداً أكبر لتركيا مما تشكله عفرين الصغيرة. الشرق أكثر أهمية لتركيا من إدلب في الغرب. حيث يتعرض النصف الشرقي كله من تركيا للخطر الآن من قبل القوة الكردية. إن التحرك الأمريكي يزيد من حافز تركيا للحفاظ على سلامة اتفاق أستانا حول ادلب وإعادة توحدها مع سورية، وإيران وروسيا ضد التحالف الأميركي-الكردي. أردوغان، بغضبه المعتاد، كان واضحاً بأنه سيجهض التحرك الأميركي:
وقال في كلمة ألقاها في أنقرة "إن دولة تدعي أنها حليفتنا تصر على تشكيل جيش إرهابي على حدودنا"،. "ماذا يمكن أن يستهدف هذا الجيش الإرهابي إلا تركيا؟"
"إن مهمتنا خنقه قبل ولادته حتى".
ويعتقد الأكاديمي الأميركي المتخصص بشؤون الشرق الوسط جوشوا لانديس أن الولايات المتحدة قد تخلت عن تركيا كحليف لها وهي ملتزمة فقط بالقيام بالعطاءات للسعودية وإسرائيل. وهي تركز جهودها تماماً على مواجهة إيران. لكن هناك عدد قليل من القوات الإيرانية في سورية ولا يمكن لخط الإمدادات من طهران إلى دمشق عبر الجو والبحر أن يتأثر من إغلاق الجيب الكردي. وعلاوة على ذلك، فإن الوجود الأميركي في المنطقة الشمالية الشرقية ليس مستداماً.
حيث هي محاطة بتركيا من الشمال، وسورية في الغرب والجنوب، بينما في الشرق، حكومة العراق موالية لإيران، في الشرق. وليس لديها أية منافذ وعلى جميع الإمدادات الجوية عبور المجال الجوي المعادي.
على الصعيد الداخلي، تكون المنطقة من نواة كردية وفيها تقريباً من السكان العرب بعدد الأكراد. والأكراد ليسوا موحدين، والعديد منهم يعارضون حزب العمال الكردستاني ويدعمون الدولة السورية.
ربما نصف العرب في المنطقة كانوا في السابق من مقاتلي داعش والنصف الآخر موالون لدمشق. القاسم المشترك للعرب هناك هو الكراهية للأسياد الأكراد الجدد. كل هذا يشكل أرضاً خصبة لتمرد ضد الاحتلال الأمريكي وقواته بالوكالة "وحدات حماية الشعب الكردي". هم بحاجة فقط للقليل من الإغراء والدعم من دمشق أو أنقرة أو أي مكان آخر لجر الوجود الأمريكي إلى فوضى القتال من أجل بقائهم على قيد الحياة.
في تركيا حاول "السلطان اردوغان" منذ فترة طويلة اللعب مع روسيا ضد الولايات المتحدة، والعكس بالعكس. حيث أمربشراء أنظمة الدفاع الجوي الروسية التي ستمكنه من الصمود أمام هجوم جوي أمريكي. وفي الوقت نفسه سمح للسفن الأمريكية بالمرور في مضيق البوسفور في البحر الأسود لتهدد روسيا في شبه جزيرة القرم، على الرغم من أن اتفاقية مونترو تسمح له بتقييد تلك الممرات. الآن الولايات المتحدة لم تترك له أي خيار. وروسيا هي القوة الوحيدة التي يمكن أن تساعده في التعامل مع التهديدات الجديدة.
دواعي قلق حلف الناتو:
إن شعور كبار شخصيات منظمة حلف شمال الأطلسي"ناتو" في بروكسل بالعصبية والتوتر أمر مسوغ. من جهة أن لدى تركيا ثاني أكبر جيش داخل الناتو وهي تسيطر على الممر إلى البحر الأسود، ومع قاعدة انجرليك الجوية الأكثر أهمية لحلف الناتو في المجال الجنوبي الشرقي. كل هذا يعطي تركيا النفوذ الذي يمكن استخدامه من قبل روسيا ليوفر بديلاً لائقاً لعضوية الناتو.
يتساءل المرء من طور هذه الفكرة في البيت الأبيض. إنها تتعارض مع كل ما قد قاله ترامب حول مشاركة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. ويتعارض مع مصالح الحلف. ولا يوجد أي أساس قانوني لهذه الخطوة، ولا تملك سوى فرصة ضئيلة من الاستدامة.
أعتقد أن "مستشارالأمن القومي ماكماستر مدفوعاً " من قبل معلمه العام بيترايوس" هو العقل المدبر وراء هذا.إذ لطالماأثبت الرجل افتقاره بالفعل إلى أي رؤية استراتيجية من وراء تحريك الألوية العسكرية هنا وهناك. ما الذي سيفعله بعد ذلك؟ أن يأمر السي أي أية بإعادة تشغيل برنامج تسليح تنظيم القاعدة الملقب "بالمتمردين السوريين" الذين أرسلوا مبعوثيهم إلى واشنطن للتسول لتجديد الدعم؟ تركيا تحتاج إلى روسيا وروسيا تقاتل أولئك "المتمردين السوريين". لماذا ينبغي أن تسمح تركيا، التي تسيطر على الحدود مع سورية، بتمرير أسلحة جديدة من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية؟
كيف تتوقع الولايات المتحدة الحفاظ على مواقعها في شمال شرق سورية؟
من الصعب فهم لماذا تعتقد أن مثل هذا الموقع سيقدم لها أي تأثير حول مدى التزام إيران بسورية. هذه الخطوة تحرمها من أي مرونة سياسية. بل هو فخ نصبته بنفسها ولنفسها.
في النهاية سيتعين على الجيش الأميركي الانسحاب من المنطقة. وسيتعين على الأكراد الزحف إلى دمشق للتسول من أجل الغفران.إن قصر النظر الاستراتيجي للإدارة الأميركية ولقيادة وحدات حماية الشعب الكردي على حد سواء، مثير للدهشة. كيف يفكر هؤلاء الناس عندما يتخذون مثل هذه القرارات؟
عن موقع: moonofalabama.org
إضافة تعليق جديد