05-03-2018
دمشق أفشلت «طبخة عفرين» الروسية
دخل المئات من عناصر «القوات الشعبية السورية» منطقة عفرين قبل نحو أسبوعين «للانتشار على جبهات القتال وصد العدوان التركي». ظهر الخبر كأنه جزء من مشهد أكبر يُحضّر في شمال البلاد «طبَخَه» الروسي ووافق عليه جميع الأطراف المعنية. لكن عملياً، مجريات معركة «غصن الزيتون» لم تُظهر حتى الآن أي اختلاف في نسقها منذ إطلاقها في كانون الثاني الماضي. هذه «القوات» بعيدة عن خطوط التماس الأمامية والإدارة الميدانية الكاملة لـ«وحدات حماية الشعب» الكردية.
فالقوات التركية، مع فصائلها السورية، تواصل عملياتها ونجحت حتى الآن في قضم عدد كبير من القرى والنقاط الأساسية في المنطقة. وتظهر أنقرة، رغم الخسائر الكبيرة التي تمنى بها القوات المهاجمة (التركية والسورية)، أنها مصممة على التوغل أكثر نحو مدينة عفرين وتضييق الخناق لأقصى حد على مقاتلي «الوحدات» المنتشرين هناك.
ومع دخول الغزو التركي مرحلة جديدة بعد سيطرتها على كامل الشريط الحدودي بعمق يتخطى العشرة كيلومترات، يجد حُماة عفرين أنفسهم تحت وابل كبير من القذائف والصواريخ، ما يُنذر بتسعير المعركة.
لكن، لماذا لم يغيّر دخول «المقاتلين السوريين» إلى المنطقة من مجريات المعركة؟ وبعيداً عن «الثقل العسكري» ومحاولة موازنته بالآلة الحربية التركية، كان من المفترض أن يعني دخول قوات ترفع العلم السوري حاجزاً سياسياً أمام المهاجمين. فدمشق، كرّرت في محطات عدة وصفها للحراك التركي بالغزو ورفضت الرد أو التعاطي مع كل الرسائل التركية ما قبل العملية.
حقيقة ما جرى
عملياً، ما حدث لحظة بث مشاهد عشرات الآليات التي تحمل مقاتلين متوجهين نحو عفرين لمؤازرتها ضد الغزو التركي كان عبارة عن اتفاق فاشل «وجب إخراجه بطريقة ما». إذ قبل هذا اليوم، عمل الروس على اتفاق مع الكرد يقضي بدخول قوات سورية إلى المنطقة والانتشار على خطوط التماس أمام الأتراك (شبيه بعمل القوات الروسية في ريف منبج، حيث منعت المواجهة حينها بين «درع الفرات» وبين «مجلس منبج العسكري»)، ويعني ذلك توقف الحملة التركية إلى ما وصلت عليه، وأي تقدم إضافي يظهر أن القوات المهاجمة تصطدم بالقوات السورية لا بـ«ارهابيي حزب العمال» (حسب التعبير التركي). وافقت القيادة الكردية على هذا الطرح لعلمها بأن أنقرة ستواصل هجومها، غير آبهة بالخسائر البشرية التي تُلحق بها، ولأن الاتفاق يحافظ على السلطة الكردية ذاتها مع مساحة أصغر مما كانت. نقل الروس بنود الاتفاق إلى الجانب التركي، ووضعوهم أمام أمر واقع بأنّ هذا هو توجههم ليسحبوا منه الموافقة أيضاً.
وحسب المعلومات ، بعد الاتفاقين الثنائيين مع كل من أنقرة والأكراد، عمل ضباط روس في سوريا على نقل هذه التفاهمات إلى القيادة السورية والإيرانية، لكن المفاجأة التي حصلت بالنسبة إليهم أنهم جوبهوا برفض لهذا الاتفاق، فدمشق أكدت أن أي دخول إلى عفرين هو «لنمسك الأمن في المنطقة وتكون كأي منطقة سورية أخرى، ويجب تسليم السلاح الثقيل الموجود فيها». على مدى أيام، حاول ممثلو روسيا في سوريا انتزاع موافقة من دمشق، لكنها وطهران حافظتا على «الرفض القاطع». ثم نقلت القيادة السورية رسالة إلى العاصمة الروسية تستوضح منها حقيقة «العرض». وسرعان ما جاء الرد من موسكو بأن ما فعله الضباط العاملون في سوريا «غير مقبول، والتنسيق مع حلفائنا (دمشق وطهران) أساسي وضروري».
وأمام الاتفاق المسبق مع الكرد والأتراك والرفض السوري، كان على الضباط الروس إيجاد مخرجٍ يحافظون فيه على ما توصّلوا إليه، فعملوا مع الجانب الكردي في أحياء حلب على إرسال مقاتلين منها نحو عفرين تحت العلم السوري، فيما لم ترفض دمشق ذلك، طالما أنها أمّنت ما هو منتظر منذ نهاية معركة حلب عام 2015، وهو الدخول إلى أحياء الشيخ مقصود والحيدرية والأشرفية، كما لا علاقة للقوات المرسلة بلجان نبّل والزهراء أو أي قوات رسمية عسكرية سورية.
الناطق باسم «حركة المجتمع الديمقراطي» في عفرين، عبد الرحمن سلمو، وصف وجود «القوات الشعبيّة» في المدينة بـ«الرمزي». ورأى أنها جاءت «لنفي تهمة الانفصال عن الوحدات الكردية، والتأكيد على سوريتها، بالإضافة إلى أنها رسالة للدولة السورية للقيام بواجبها السيادي بالدفاع عن حدودها المنتهكة من الجيش التركي». وأكد، أيضاً، «استمرار المفاوضات مع الجانب السوري مع تلقي وعود بزيادة الدعم، لكنها لا تزال وعوداً لا ترتقي إلى مستوى حماية حدود عفرين»، متهماً «أطرافاً إقليمية ودولية بالتأثير في القرار السوري، ومنع الدولة من القيام بواجبها السيادي بحماية عفرين من الهجمات التركية». وحذر من «حصول كارثة إنسانية نتيجة موجات النزوح الكبيرة من القرى التي تتعرض للقصف باتجاه مركز مدينة عفرين، ما أدى الى تضاعف عدد سكانها ليصبح 700 ألف بعدما كان 350 ألفاً».
المصدر: إيلي حنا - الأخبار
إضافة تعليق جديد