سيناريو تفجير إيران من الداخل: هل يكون آخر العلاج الكي؟
في هذا العالمِ المجنون المملوء بالفوضى والدماء، لن نحتاج للكثيرِ من البحث لندركَ أننا نعيشُ زمنَ التناقضاتِ الساخرة التي باتت الصفةُ الغالبة لعالمٍ يحكمهُ الموتورون والأمثلة لا تعدُّ ولا تُحصى، لكن وتحديداً بما يتعلق بالحربِ على سورية لنتخيل مثلاً أن أصحاب شعار «النظام لم يُطلق رصاصة على إسرائيل» باتوا يتوسلون الإسرائيلي التدخل لإنقاذهم، علماً أن المتحدث باسم جيش الاحتلال افيخاي أدرعي أكد بعد أن أعطى متابعيهِ محاضرةً بالقيم الإنسانية لكيانٍ قام أساساً على الإجرام والسرقة أن أكثر من 4600 إرهابي من جرحى العصابات الإرهابية في سورية تم علاجهم في المشافي الإسرائيلية خلال عامين فقط.
لنتخيل أن الأردن الذي كان رأسَ الحربةِ في التآمرِ على سورية منذ انطلاقِ أول «شاهد عيان» على قنوات الفتنة الخليجية، بات اليوم يرفض دخول «النازحين» لأنهُ متأكدٌ من اندساسِ عناصرَ إرهابية بينهم، أي إن الصورةَ لديهِ انقلبت فقبلَ سنواتٍ كان هؤلاء ثواراً يرتشفونَ الحريةَ من النظام الاستبدادي، أما تسويقه لفكرة وجود عناصر مدربة أرسلها «النظام» لتنفيذ اغتيالاتٍ فالجواب عليها بسيط: إذا كان «النظام» سينفِّذ اغتيالات، فلماذا فتحَ باب المصالحات؟
المفارقة الأكثر سخريةً فهي دخول الدولة التركية صباحَ الغد رسمياً مرحلةِ الدستورِ الجديد الذي حوَّل نظامَها السياسي من برلمانيّ إلى رئاسي يضع السلطة كاملةً بيدِ الرئيس، واللافت أن الطغمةَ الحاكمةَ في تركيا ذاتها التي سعت لتحويل الإرهابي رجب طيب أردوغان إلى سلطانٍ بكامل الصلاحيات، كانت ولا تزال تنادي بضرورةِ قيامِ تحولٍ سياسيّ ديمقراطي في سورية قائمٌ على النظام البرلماني الذي لا يضع الصلاحيات كاملةً بيد الرئيس!مفارقاتٌ لا تنتهي، أساسها إغراقَ الشعوبِ في بحورِ الدماء لتعبرَ على جثثِهم قواربُ النجاة لرافعي رايةَ الإجرام والقتل، وأخيرها وليس آخرها عودة الأميركي والإسرائيلي للحديث عن «الحرص على إنقاذ الشعب الإيراني»، فما الجديد في ذلك؟
مع توالي الانتصارات التي حققها الجيش العربي السوري والحلفاء، كان واضحاً أن ارتدادات هذه الانتصارات يُسمع صداها عند العدو الصهيوني الذي حاول بشتى الوسائل اللعب على أمرين، الأول محاولةَ الاستفادة عسكرياً بالقدر الأعظم من خلال شنِّ المزيد من الهجمات على نقاطٍ عسكريةٍ سورية في محاولةٍ لاستفزاز السوريين ومن معهم للرد، أما الثاني فمواصلةَ السعي دولياً لإعادة الملف النووي الإيراني إلى الواجهة للتغطيةِ على هزيمتهِ في سورية، تحديداً إذا ما سلّمنا أن الإسرائيلي ينظر لأهدافه في سورية من بوابةٍ وحيدةٍ فقط، وهي رحيلَ كل من يمت لفعلِ المقاومة بصلةٍ، ما يعني انهيار الجيش العربي السوري وماعدا ذلك يبقى بالنسبةِ إليه هزيمة.
فشل الإسرائيلي في الأول لكنهُ ببساطةٍ لا يزال يحقق نجاحاتٍ مضطربة في الثاني من التركيز على ضرورةِ محاصرة إيران وصولاً لتعويم مصطلح خروج القوات الإيرانية من سورية، لكن هذهِ النجاحات لم تصطدم فقط بمتانةِ العلاقة بين السوريين والإيرانيين فحسب، لكنها اصطدمت بثباتٍ روسي متوقع، فالروسي عبر المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف عاد وخيبَ آمال الذين روجوا أن قمة الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي دونالد ترامب القادمة ستحمل اتفاقاً يقضي بخروج القوات الإيرانية من سورية بقوله: «أن يتباحث طرفان في شؤون طرفٍ ثالث، وأن يتخذا أي قراراتٍ بالنيابة عنه، لا يبدو أمراً واقعياً»، أي إن خروج القوات الإيرانية من سورية مرهونٌ فقط باتفاقٍ سوري إيراني على بقاءِ هذهِ القوات أو رحيلها، ومن جهةٍ ثانية فإن بقاء هذه القوات مرهونٌ بانتفاء سبب وجودها لا أكثر، إذ لا يمكن لدولٍ أن تدعم سراً وعلناً تنظيماتٍ إرهابية باعتراف مجلس الأمن نفسه ومن ثم يُطلب من دولةٍ ذات سيادة أن يكون قرار تحالفاتها مرهونٌ بما يقبله أو لا يقبلهُ أعداؤها.
هذا النفي الروسي تجاوزَ كونه تحضيراً لقمةِ بوتين مع ترامب، لأنه بذاتِ الوقت قطع الطريق على ما يمكن أن تحمله زيارة رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو إلى موسكو منتصف هذا الأسبوع، والتي قد تشهد سلسلة مطالب أقلها منع القيادة السورية من الاسترخاء في استكمال تحرير الجنوب، وأكثرها الاستفادة بالاستثمار في مصطلح «خروج القوات الإيرانية من سورية» فكيف ذلك؟
يبدو واضحاً أن إدارة الرئيس الأميركي مقتنعة بأن الاقتصاد هو المحرك الأساسي دفاعاً أم هجوماً، فحملت لواءَ الحرب الاقتصادية على كل ما يمكن أنه يضرّ بالمصالح الأميركية إن كان ذلك من صديقٍ أم حليف أو عدو، هذا الاستذءاب الأميركي في المجال الاقتصادي جعل الصين مثلاً تقول إن الولايات المتحدة أشعلت أكبر حربٍ تجارية في التاريخ الاقتصادي، ربما يبدو الكلام الصيني منطقياً وبمعزلٍ عن قدرةِ الولايات المتحدة على الصمود في هذه الحرب التي تسيرُ بها لمزيدٍ من الانعزال والانكفاء، إلا أن التجربة الترامبية أغرَت منظري البيت الأبيض لاستنساخها بما يتعلق بالملف الإيراني وبمعنى آخر:
إن ظاهر الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي مع إيران هو محاولة الضغط عليها لإجبارها على توقيعِ اتفاقٍ جديد يشمل برنامج الصواريخ الباليستية الذي تراه «إسرائيل» خطراً على وجودها، لكن باطن الأمر فإن هذا الاتفاق لا يبدو أكثر من واجهة للتعمية على الحقيقة التي يسعون لتحقيقها وهي إمكانيةَ نسف إيران من الداخل وتفجيرها، وهذا الأمر بطبيعة الحال لن يتحقق إلا بحصارٍ اقتصادي يفوق ما كان مفروضاً قبل التوقيع على الاتفاق، تحديداً أن سياسةَ فرض الغرامات على المؤسسات المخالفة للعقوبات الأميركية يُعتبر سلاحاً أميركياً فعالاً بمعزل عن التهالك الذي يصيب الاقتصاد الأميركي، إذ لا تزال المؤسسات المالية الأوربية المتوجسة الآن من عملها في إيران لأنها غير محمية بقرار أوروبي تستذكر كيف أجبرت الولايات المتحدة بنك «بي ان بي باريبا» الفرنسي على دفع غرامةٍ تقدر بثمانية مليارات دولار لانتهاكه قانون الحظر الأميركي على إيران في العام 2014 فماذا ينتظرنا؟
لم تكن التهديدات التي أطلقها قائد الحرس الثوري الإيراني محمد علي جعفري الخميس الماضي بإغلاق مضيقِ هرمز كرد على السعي الأميركي لمحاصرة إيران عبثية، هي بالنهاية جاءت كدعمٍ للقرار السياسي الإيراني الذي يمثله الرئيس حسن روحاني، لكن علينا أن نتذكر أن إيران هددت مراراً وتكراراً بذات الأمر لكنها بالنهاية لم تنفذ، واليوم فإن الهدف الأميركي الضرب تحت حزام الأمان للاقتصاد الإيراني والقضية ليست بهذه السهولة لأن إغلاق المضيق يُعتبر بالنهاية انتهاكاً للاتفاقيات الدولية، لكن بذات السياق على هذه الاتفاقات الدولية أن تحمي الجميع لا أن تكون انتقائية، كما أن القدرة الإيرانية على المناورة اقتصادياً قد تبدو حسابياً في طور التراجع عن السابق بسبب تراجع أسعار النفط وإغراق الأسواق بالنفط الخليجي، كما أن التصريحات الأخيرة للرئيس حسن روحاني بأن حزمة المقترحات الأوربية المتعلقة بإيجاد حل للتشابكات المالية والتجارية محبطة، ما يعني ببساطة أن الولايات المتحدة لا تزال قادرة اقتصادياً على إلحاق الضرر هذا دون تجاهل فرضية هامة متعلقة بالثمن الذي جعلَ رئيس النظام التركي وصديق إيران التجاري والسياسي يأخذ ما يريد من الأميركي في منبج وغيرها، فهل هناك ما يتم تجهيزه لإحكام الحلقة حول إيران؟ هل ينجح الأميركي والإسرائيلي بهذا الاستفزاز بعدما فشلوا باستفزازاتهم السابقة؟ مع العلم أن الأميركي بهذه الحالة قد يضرب عصفورين بحجرٍ واحد، الأول استمرار حصار إيران مع إمكانية نسفها من الداخل، والثاني توجيهَ صفعة قويةٍ للصين نفسها التي تعد الشريك التجاري الأول مع إيران على مستوى العالم.
بالتأكيد سيبدو إغلاق مضيق هرمز من قبل الإيرانيين أشبه بعملية عرقلةٍ للاقتصاد العالمي قد يرفضها الصديق قبل العدو، لكن ما يجب إغلاقه الآن كل ما يمكن أن يساهم بتسريبِ مالا يحمد عقباه للداخل الإيراني، ربما نثق بقدرة ووعي الشعب الإيراني، لكن بواقعيةٍ تامة ألم نكن نثق سابقاً بوعي الشعب السوري حتى خرجت ثلة هنا وهناك تستنجد بالناتو؟ لنعترف أن هذه النماذج موجودة في كل المجتمعات لأننا لا نعيش زمن المدينة الفاضلة، و ربما من يرى الصخب الإعلامي المرافق لاجتماعات ما يسمى المعارضة الإيرانية في باريس يعي تماماً أن سيناريوهات كثيرة باتت على الطاولة، من بينها إما تفجير إيران من الداخل أو تفجير كامل الجبهات، هل هو آخر العلاج الكي؟ بل أكثر من ذلك، تحديداً عندما نكون أمام عدو يتجرع الهزائم في كل الساحات.
الوطن - فراس عزيز ديب
إضافة تعليق جديد