الجولاني ماضٍ في رهاناته... و«الفيلق» شريكٌ في الحصاد
يراهن زعيم «تحرير الشام/ النصرة» أبو محمد الجولاني على نجاحه في كسب تحديات عدة، على طريق فرض «حكومة الإنقاذ» بوصفها «حاكمة بأمره» في المناطق التي «تمدّدت» إليها «الهيئة» أخيراً. فيما خرجت إلى العلن خطوات «إعادة الهيكلة» الجديدة، واضعة جزءاً من المكاسب في كفّة «فيلق الشام»
قطف «فيلق الشّام» جزءاً من ثمار «التمدد» الأخير لـ«هيئة تحرير الشّام/ جبهة النصرة»، وألحق بصفوفه معظم «الكتائب والألوية» الصغيرة العاملة في ريف حلب الغربي. وتأتي الانضمامات المتلاحقة في إطار «إعادة الهيكلة» التي دارت عجلتُها قبل أيام بإشراف تركي مباشر. وحتى وقت قريب، كانت معظم المجموعات المُلحقة بـ«الفيلق» تابعة لـ«حركة نور الدين زنكي»، قبل أن تنضم الأخيرة إلى قائمة ضحايا «جبهة النصرة»، ويتفرّق مقاتلوها ما بين منسحب إلى عفرين، ومنضمّ إلى «فيلق الشام». وعلى رغم أنّ كلّاً من المجموعات (بلغ عددها حتى مساء أمس خمس عشرة مجموعة) تضمّ في صفوفها عشرات المسلّحين فحسب، فإنّ الحصيلة النهائيّة تعني أنّ «فيلق الشام» بات الحاضر الأساسي إلى جوار «النصرة» عسكرياً في مناطق ريف حلب الغربي. وشهد ريف حماة الشمالي بدوره خطوات في إطار «إعادة الهيكلة»، إذ توافقت خمس مجموعات على «سدّ الفراغ» الذي خلّفه خروج مقاتلي «حركة أحرار الشام الإسلامية» من المنطقة بموجب اتفاق استسلامها لـ«النصرة».
ولم يصدر عن الأخيرة أي ردّ فعل بعد، وإن كانت المؤشرات المتوافرة تشي بأنّها لن تذهب نحو التصعيد حتى ولو لم تكن الخطوة قد تمّت بالتنسيق معها. وكان زعيم «الجبهة» أبو محمد الجولاني قد أكّد في لقائه الذي بُثّ أول من أمس أنّ «الساحة تضمّ عشرات المجموعات المحليّة»، وطلب ممّن «يريد الرّباط في منطقته» أن يتواصل مع «الهيئة» كي «تُسهّل له هذا الأمر».
ويواصل الجولاني العمل على إعادة ترتيب أوراق المناطق الخارجة عن سيطرة دمشق في مثلث «حلب، حماة، إدلب»، وهي مهمّة تستدعي العمل على مسارات عدّة بغية تجاوز التحديّات الأساسيّة. ويأتي على رأس تلك التحديات «ترتيب البيت الداخلي» في المقام الأول، لا سيّما في ما يخصّ موازين «القوى الشرعيّة» داخل «الهيئة». وتتسابق ثلاث تيارات تناوبت الغلبة في توجيه «البوصلة الشرعيّة» مرّات عدة، وظلّ الجولاني قادراً على ضبط الإيقاع بما ينسجم مع «متطلّبات كل مرحلة».
ويتشارك المصريّان أبو اليقظان المصري، وأبو الفتح الفرغلي تزعّم أبرز التيارات الثلاثة، ويمتلكان تأثيراً على «المهاجرين»، لا سيّما الذين انضموا إلى «الهيئة» في العامين الأخيرين. ويحظى متزعّم التيار الثاني، عبد الرحيم عطّون، بثقة كبيرة عند الجولاني، وعند معظم «القاعديين» الذين تمسّكوا براية «النصرة»، وتالياً راية «الهيئة». فيما انخفضت إلى حدّ كبير فاعلية أبو ماريّا القحطاني، غير أنّه يحتفظ بعلاقات وطيدة مع عدد من «رموز الجهاد» خارج سوريا، ما قد يخوّله لعب دور توفيقي على صعيد العلاقة بين «الهيئة» وبين التنظيمات «القاعديّة» الأخرى لا سيّما تنظيم «حرّاس الدين». وتُعد العلاقة مع الأخير ثاني التحديّات التي يخوضها الجولاني في الفترة الراهنة. وعلى رغم أنّ الوزن العسكري لـ«الهيئة» يفوق نظيرها بأشواط، فإنّ لـ«حراس الدين» حضوراً لا يستهان به في إدلب، إضافة إلى تمتّعه بعلاقات «ودية» مع المجموعات «القاعدية» الأخرى (بخاصة «جبهة أنصار الدين»). كما يحظى «الحرّاس» بـ«قبول طيب» في أوساط «مهاجري النصرة».
وربما كان التحدي الأخطر الذي يخوضه الجولاني راهناً هو ضبط إيقاع العلاقة بين جماعته المتطرّفة، وبين كلّ من الدوحة وأنقرة. ومرّت العلاقة مع الأخيرة بتقلّبات عدّة في ظاهر الأمر، لكنّها لم تصل نقطة اللّاعودة بفضل سببين أساسيين: براغماتيّة الجولاني، وحرصُ أنقرة على إبقاء الخيوط مرنة مع «النصرة»، من دون أن يترك تصنيفها إرهابيّة تأثيراً جذريّاً. وينشد الجولاني كسب التحديات المذكورة بغية الوصول إلى هدف جوهري في هذه المرحلة هو تكريس «حكومة الإنقاذ» بوصفها «إدارة أمر واقع» في المناطق الخارجة عن سيطرة دمشق (باستثناء مناطق «درع الفرات» و«غصن الزيتون» الخاضعة للهيمنة التركيّة المباشرة بطبيعة الحال). وتشكل «الإنقاذ» حجر زاوية أساسيّاً في مشروع الجولاني، لأسباب يختلط فيها «الداخلي» بـ«الخارجي».
وتأتي على رأس الأسباب الداخلية الرغبة في استعادة كسب «الحاضنة الشعبيّة» في بعض المناطق، وعدم تأزيم العلاقة مع تلك الحاضنة في مناطق أخرى (ريف حلب الغربي، والأتارب على وجه الخصوص). وتتمحور الأسباب «الخارجية» حول العلاقة مع المنظمات الأجنبية الداعمة لـ«المجتمع المحلي»، وحرص الجولاني على عدم حرمان مناطق هيمنته من ذلك الدعم، من دون الاضطرار إلى التعامل المباشر معها. وتشير معلومات إلى أنّ شرط «تمكين حكومة الإنقاذ» من إدارة المناطق كان حاضراً في سلم الشروط التي وفّرت الغطاء الإقليمي لـ«التمدد» الأخير . وما زالت خطوة «التمكين» الفعلي لـ«حكومة الإنقاذ» تمثل محور اختلاف في الرأي في الدوائر المحيطة بالجولاني. ويرى «جناحُ الفرغلي وأبو اليقظان» أنّ الخطوة «غير شرعيّة ما لم تُجاهر تلك الحكومة براية جهاديّة واضحة»، بغية الحفاظ على أولويات «هيئة تحرير الشام» في شأن «الحاكميّة». فيما يقترح «جناح عطّون» أن يتم «ربط الحكومة سرّاً بمجلس يتم استحداثه تحت اسم (مجلس أهل الحل والعقد) يتولى مراقبة عملها، والإشراف على تطبيق الشريعة».
صهيب عنجريني - الأخبار
إضافة تعليق جديد