أقنعة الخصخصة .. الخصخصة في سوريا: قولاً لا... فعلاً نعم
قد تجد الخصخصة من يدافع عنها... لكنها حتماً ستجد من يهاجمها.
وبين هذا و ذاك... يسأل المواطن ما مقدار المسافة التي تفصل بيننا وبين الخصخصة، فالخيار رسمياً أصبح اقتصاد السوق، و القطاع العام لم يعد محط اهتمام بتوسيع نشاطاته...إذاً الأمور ليست بهذا الوضوح من قبل، و علينا أن نستعد لكل مرحلة من مراحل الخصخصة، التي لا تعني عملياً تخلي الدولة تماماً عن دورها في الإشراف و التخطيط و حتى المشاركة بالإنتاج و الخدمات..
حديثي هذا ليس دعماً للخصخصة، و إنما استقراء لواقع أخذت فيه الظاهرة بالظهور تدريجياً و تحت تسميات مختلفة، لا يعيبها سوى الخجل الرسمي من الاعتراف بها..
مفاهيم مختلفة
تتضارب وجهات نظر الاقتصاديين لمفهوم الخصخصة تبعاً للفكر الإيديولوجي الذي يمثلونه، في الوقت الذي يرى فيه البعض أنها تعني الاعتماد على آليات السوق لتحديد السياسات الإنتاجية و الخدمية مع الإبقاء على الدور الحالي للقطاع الخاص، ينظر لها البعض الآخر من منظور توسيع أفق عمل القطاع الخاص في مقابل تقليص الدور الحكومي في العمل الاقتصادي و الخدمي، وأياً يكن تعريف الخصخصة، إلا أنها في جانب منها تعني بيع مؤسسات الدولة و السماح للقطاع الخاص بدخول ميدان تقديم الخدمات العامة التي كانت الدولة ترى فيها جانباً اجتماعياً يجب مراعاته حمايةً للطبقة الفقيرة ذات الدخل المتدني.
و بالتالي فإن الخصخصة و تبعاً للأدبيات الاقتصادية لا تظهر بشكلها العلني المباشر، و إنما هناك ستائر تختفي خلفها و مظاهر تبدو فيها و كأنها خطوات إصلاح و إنقاذ..
من بين تلك المظاهر التي تتجسد بها الخصخصة عمليات الاستعانة بالإدارة الأجنبية لقيادة المنشآت و الشركات العامة، وهو أول دليل على فشل الإدارة العامة و قدرة الخارج الخاص على ذلك، ونحن في بلدنا نطبق هذا النوع من الخصخصة منذ سنوات، حيث منحت الدولة لشركات إدارة عالمية مسؤولية إدارة الفنادق التي تملكها كميريديان دمشق و اللاذقية و شيراتون دمشق، و لإدارة خاصة محلية كايبلا الشام و سميراميس و امتدت منذ عامين تقريباً لتشمل معمل الورق المثقل بالخسارة.
و مكمن الخصخصة هنا هو في قيادة القطاع الخاص للمال العام واستثماره اقتصادياً دون الالتزام بالقوانين و التشريعات الإدارية التي تحكم باقي القطاع العام، و التي تسببت في تدهور مؤسساته و تزايد خسائره.
النمط الأخر من الخصخصة ظهر مع توجه حكومة العطري الأولى لطرح شركات القطاع العام الصناعي للاستثمار في المزايدة العامة مقابل رسم استثماري سنوي يحدد تبعاً للعروض المالية المقدمة من العارضين
و الدولة غالباً في هذا النوع من الاستثمار تشترط المحافظة على القوى العاملة في الشركات المطروحة للاستثمار بغية عدم إثارة القطاعات الشعبية عليها و خوفاً من مواجهة أعداد كبيرة من البطالة.
مخاوف هذه الأشكال تتبدى في أن يتحول الاستثمار التأجيري و الإدارة الخاصة إلى واقع تجبر الدولة، تحت ضغط عوامله، إلى التخلي عن ملكيتها لهذه المنشآت و الشركات تدريجياً وتحت صيغ مختلفة كطرحها كمؤسسات مساهمة يخصص للعمال فيها أسهم وسندات أو كمؤسسات مشتركة يتقاسم فيها القطاعان العام و الخاص الأرباح وفقاً لنسب معينة.
البعض له وجهة نظر خاصة بالقطاع المشترك، فهو يرى أنه الشكل المخفف من الخصخصة و هو هنا لا يبدي معارضة لدور القطاع الخاص لا معنى له سوى الارتهان لعلاقة يعهد بها القطاع الخاص بالإدارة مقابل اعتراف بعدم قدرة الإدارة العامة على قيادة مثل هذه الأنشطة.
خلف الأقنعة
البيع المباشر و هو يشكل آخر مراحل التحول الاقتصادي في النهج السائد لدولة ما، فالنتائج سواء الإيجابية منها أو السلبية للأشكال غير المباشرة للخصخصة، تقود في مرحلة لاحقة إلى طرح مؤسسات الدولة العامة للبيع في المزاد العلني، ربما يسأل البعض إذا كانت النتائج إيجابية فما الذي يبرر للدولة اعتماد خيار البيع الكامل ؟
هذه النتائج ستكون حافزاً و بمثابة اختبار ناجح لمدى جدية القطاع الخاص في الإدارة و جدوى قيادته للشركات و المؤسسات الاقتصادية، أي أن الدولة تعول في توجهها على كسب المزيد من النتائج الإيجابية و وتخفيف الأعباء المالية و الخسائر التي تنوء بها.
تشير التجارب الدولية في مجال الخصخصة المباشرة إلى أن عمليات البيع المباشر تبدأ في بداية الأمر بالمؤسسات الاقتصادية التي تقدم خدمات لا يؤثر عدد وحداتها المنتجة على احتياجات المستهلكين سواء من حيث السعر أم الجودة، لتنتهي ببيع المؤسسات الخدمية كالمياه و الطاقة و ترك القطاع الخاص يديرها،
وهذه المرحلة لا يزال المسؤولون في سوريا يعتقدون أن البلاد بعيدة عنها، لكن هناك مؤشراً ظهر مؤخراً
يشير إلى أن الحكومة أخذت تتعامل بمرونة مع دخول القطاع الخاص مسألة تقديم الخدمات إذ أعلنت وزارة النقل عن مشروع لإقامة طرق برية سريعة يديرها القطاع الخاص على غرار ما هو معمول به في الدول المجاورة خصوصاً.
بعيداً عن الأضواء
حالة الغموض التي تتعامل بها المؤسسات العامة، والحكومة عموماً مع مصير الشركات العامة الخاسرة يجعل الكثيرين يقفزون إلى خيارات، إما أنها ما تزال تشك بمدى جدواها تبعاً للظروف الحالية، أو أنها تنتظر الوقت المناسب لطرحها، وهذه الخيارات لا تخرج عن الأساليب السابقة في معالجة أزمة العلاقة بين العام و الخاص و الحدود بينهما …
وهنا أستذكر ما قاله أحد المسؤولين في جلسة خاصة كانت بعيدة عن الأضواء، إذ توقع أن تشهد سوريا خلال السنوات الخمس القادمة عمليات بيع مباشرة لمؤسسات القطاع العام الخاسرة …فهل هذا ما سوف يحصل، أم أن الأمر لا يعدو أن يكون تحت تأثير الأركيلة؟
زياد غصن
عن مجلة المال
إضافة تعليق جديد