ألعاب الكترونية ترسم العالم وتقسمه على طريقة جورج بوش
الجمل ـ د. ثائر دوري : على موقع دورية العراق http://www.iraqpatrol.com/ يوجد موضوع بعنوان " مشاريع الإمبراطورية .. ألعاب الكترونية" يتحدث عن لعبة كمبيوترية افتراضية تدعى “close combat:first to fight” تدور أحداثها في بيروت ، حيث تسيطر مجموعة أصولية على بعض مناطق بيروت مستغلة غياب رئيس الوزراء اللبناني فترد عليها مجموعة ثانية بالسيطرة على مناطق أخرى للدفاع عن الشرعية ، فتنشب حرب أهلية يليها تدخل سوري إيراني لدعم المجموعة الأصولية المتمردة على الشرعية،و هنا يتدخل المارينز لدعم الشرعية و تحرير بيروت من المحور السوري – الإيراني .و تنتهي اللعبة وفق الطريقة الأميركية “السعيدة” بأسر أو قتل المطلوبين، وانتشار الدبابات الأميركية في ساحة الشهداء.
يبلغ التطابق بين الواقع و العالم الإفتراضي في اللعبة حده الأقصى ، فاللعبة تستخدم أسماء الأماكن الواقعية مثل فرن الشباك ، و ساحة الشهداء ، أو تشير لأحداث له شبه في الواقع،مثل انقلاب قائد مجموعة مسيحية ليصير متعاوناً مع المحور السوري الإيراني !
و هذا التشابه مع الواقع يدفع للتساؤل هل هذه لعبة أم سيناريو حرب مقبلة ؟ و من هنا يصبح عنوان الموضوع كما سمته الدورية " مشاريع الإمبراطورية .. ألعاب الكترونية " مناسباً تماماً و يكاد يوصّف واقع الحال .
عندما بدأت أمريكا تعبث بأزمة دارفور صنعت ما يسمى "بالإبادة الجماعية" - على طريقتها المعهودة بتضخيم الأحداث ، و استنفار أجهزة الإعلام ، و تدخل المنظمات اليهودية ، ثم يلي ذلك ضخ إعلامي هائل و من أماكن متعددة كمنظمات حقوق الإنسان ، و منظمات الإغاثة ، و منظمات المجتمع المدني،و المنظمات التابعة للأمم المتحدة . و الأمر الذي لا يغفل عن عين أي متابع أن كل تلك المنظمات تنبع من نبع واحد و هو من يعطيها أشكالها و ألوانها و تسمياتها المختلفة ثم يطلقها لتختلق الأكاذيب أو لتضخم وقائع صغيرة لنسج أسطورة الإبادة الجماعية التي صارت طبخة معروفة المقادير و طرق المزج ، و تشكل الأكاذيب التي نسجت حول العراق و عن نظامه الوطني خلال ثلاثة عشر عاماً نموذجاً مدرسياً لمن أراد دراسة هذا النوع من تصنيع الأكاذيب و طرق صنع ما يسمى بالإبادة الجماعية- و بعد أن نضجت طبخة "الإبادة الجماعية" في دارفور كان لا بد من إضافة بعض البهارات كي يسهل ابتلاعها على من لا يهتمون بالسياسة ، و هم أغلبية الأمريكيين حيث لا يعرفون أين تقع دارفور و لا يميزون بين آسيا و افريقيا . في هذا الوقت بالذات نزلت إلى السوق لعبة الكترونية اسمها "دارفور تموت Darfur is Dying" صممتها طالبة في جامعة جنوب كاليفورنيا اسمها Susana Ruiz ، و يمدنا موقع "البي بي سي" على شبكة الانترنت بمعلومات قيمة عن كيفية ظهور هذه اللعبة و أمثالها من اللعب مما يجعلنا نكون فكرة عن كيفية إدارة الحقول الجديدة من وسائل الاتصال من القنوات الفضائية إلى ألعاب الفيديو وصولاً إلى شبكة الانترنت .
كانت الطالبة سوزانا سابقة الذكر تعمل على إنتاج لعبة فيديو عن الإبادة التي حدثت في التسعينات في رواندا لكن عندما عرضت مشروعها على بعض أساتذتها سخروا منها ، و هذا أمر متوقع لأن الصراع في رواندا و الذي كان وقوده الأفارقة هو صراع فرنسي – أمريكي ، أي داخل البيت الإمبريالي لذلك ليس من المناسب ، أو لا مصلحة لأحد بانتاج لعب فيديو عنه في الوقت الراهن لا سيما بعد أن توصل طرفا الصراع إلى تقاسم جديد للنفوذ في تلك المنطقة . و بينما كانت سوزانا تركن مشروعها على الرف أعلنت منظمة تعمل في مجال حقوق الإنسان هي " Reebok Human Rights Foundation "و مجموعة الأزمات الدولية بالتعاون مع شركة MTV عن جائزة قيمتها خمسون ألف دولار لمن يصمم لعبة فيديو عن دارفور . سمعت سوزانا بالفكرة فرجعت إلى لعبتها عن رواندا فأبدلت أسماء الشخصيات و المواقع لتدور أحداثها في دارفور و فازت بالجائزة، و اللعبة توزع بشكل مجاني على أقراص مضغوطة أو على النت، و يقول موقع الـ "بي بي سي" أنه منذ اطلاق اللعبة في الشهر الرابع من عام 2006 و حتى منتصف الشهر السابع استخدمها 700 ألف شخص .
تتبنى اللعبة الرواية الأمريكية للصراع فعلى اللاعب أن يختار دارفورياً من الموجودين في مخيمات اللاجئين ليقوده عبر الصحراء إلى بئر الماء ليملأ خزان الماء ثم يعود به إلى المعسكر. و خلال الطريق قد يتعرض للقتل أو الخطف أو الاغتصاب على يد الجنجويد .
تقسم هذه الألعاب العالم بشكل مبسط ، و على طريقة جورج بوش ،إلى أشرار و أخيار . فالأخيار هم الذين يتبنون قيمنا،أو من يعملون بخدمتنا، أو أن قضيتهم تصلح للاستخدام في استراتيجيتنا الكونية ،أما ما عدا ذلك فهم الأشرار الذين يجب أن نقضي عليهم .
و الحدود بين العالم الافتراضي الذي تبنيه ألعاب الفيديو و بين العالم الواقعي لم تعد واضحة فقد تداخل العالمان بشكل مكثف لاسيما بعد تحول الحرب الحديثة إلى ما يشبه الألعاب الإلكترونية فكل ما يفعله المقاتل ، ملاح الطائرة على سبيل المثال ، هو أن يشير إلى نقطة على شاشة الكمبيوتر ثم يضغط على زر الإطلاق فيدمرها ، كما يحدث تماماً في ألعاب الكمبيوتر ، و هذا ما عبر عنه أحد الطيارين الأمريكيين بالقول إن ذلك يشبه عملية صيد البط البري . فالحدود بين الحقيقي الواقعي و المتخيل الوهمي لم تعد واضحة و هذه ظاهرة ليست جديدة بل إن جذورها ترجع إلى الاندماج بين هوليوود و السياسة في أمريكا فهوليوود باتت تغزو عالم السياسة و تصدر للولايات الأمريكية حكاماً و سياسيين .
بدأت القصة مع رونالد ريغان . ثم ظهر جيمس جنوس الذي حكم ولاية مينسوتا أواخر التسعينات ، و قد بدأ حياته كلاعب مصارعة حرة ثم معلقاً فاحشاً على مباريات المصارعة الحرة ، ثم ممثلاً سينمائياً ، و من ثم حارس شخصي (( بودي غاد)) لفرقة رولينغ ستونز و خاض برنامج الانتخابي تحت شعارات مثل :
(( حاكمنا يبطح حاكمكم )) و هو شعار طبع بكثافة على القمصان .
و اليوم يطل علينا بطل الأفلام السينمائية من الدرجة الرابعة، أو أقل، الممثل ذي العضلات المفتولة أرنولد شوارزنجر حاكم كاليفورنيا، الذي يقال في إحصائية مرشحة للزيادة، أنه قتل في أفلامه حتى الآن 278 شخص . و أثناء حملته الانتخابية قال شوارزينجر في لقاء تلفزيوني لشبكة " سي أن أن" الأميركية مستخدماً أسلوبه الشهير في سلسلة أفلام "المدمر:
-أعرف أن في إمكاني تطهير البيت وأن أقول لغراي ديفيس ( الحاكم الحالي ) وداعا.
لم يعد الإنسان قادراً على التمييز بين الحقيقي و المتخيل و في وضع كهذا تصير حملة انتخاب حاكم لكاليفورنيا جزءاً من أفلام المدمر، و حملة انتخاب حاكم لولاية مينسوتا جولة من مباراة مصارعة حرة " حاكمنا يبطح حاكمكم " . و في عالم كهذا يصبح القتل لعبة أتاري لكن ضحاياها ليسوا افتراضيين إنما بشر من لحم و دم .
الجمل
إضافة تعليق جديد