هل يسعى الأسد لعصرنة الدولة السورية رغم تداعيات الحرب
الفكرة النمطية السائدة الآن أن سوريا خرجت من الحرب بواقع مأساوي على كافة الصعد ،وأن الأولوية الآن هي لملمة الحراج و استعادة ما تبقى من أرض الدولة من يد الجماعات المسلحة سواء في ادلب وإرياف الشمال أو في شرق الفرات حيث مشروع الولايات المتحدة لقطع جزء من الأرض السورية لصالح دويلة كردية .
إضافة إلى إعادة اللاجئين والنازحين وتأمين متطلبات الحياة اليومية .الحقيقة أن هذه الأولويات وهذه النظرة إلى سوريا قد تبدو صحيحة في العنوان العريض ، ولكن ما لا يعرفه كثيرون ربما وسبق لي أن اطلعت عليه سابقا ، ومن ثم عدت وتابعت ما وصل إليه قبل أيام خلال زيارة قصيرة الى دمشق ، هو مشروع “عصرنة الدولة” ، وهو مشروع يحظى باهتمام الرئيس السوري “بشار الأسد ” بشكل كبير ويتابعه بشكل مستمر .
ويبدو أن الأسد يقود مشروعا عميقا ، يبدأ بعملية الإصلاح الإداري ، ولا أحد يعلم أين سينتهي . وهو بنفسه اعلن قبل اكثر من عام عن اطلاق هذا المشروع ، و أنشأ وزارة باسم “وزراة التنمية الإدارية في عام 2017 ” ووضع على رأسها سيدة شابة حاصلة على درجة دكتوراه في العلوم السياسية من فرنسا وماجستير في العلاقات الدولية وماجستير في الادارة ، وتعمل وفق خطة ممنهجة بذلت جهودا مع فريق عملها عليها خلال السنوات الماضية وتطرح أفكارا من خارج صندوق الأطر البيروقراطية التقليدية وتضع آليات جادة للتنفيذ ، بعيدا عن طروحات اليأس من الواقع الحكومي السوري كما هو رائج الآن على لسان العامة والنخبة على السواء ، وبعيدا أيضا عن الاحلام المخالفة للواقع والإمكانات.
ولحسن الحظ انني من الصحفيين القلائل ربما الذين أتيح لهم الاطلاع على جزء من هذا المشروع ، فهو ليس للتداول الإعلامي حاليا . وسيكون بالطبع لاحقا مشروعا يطرح بشكل كامل وشامل على الرأي العام السوري ، ليس في إطاره النظري فقط ، أو الدعائي ، بل في سياق التنفيذ الفعلي الذي سوف يكون بداية لنقل الدولة السورية ومؤسساتها إلى طور جديد . يواكب العصر والمعايير الدولية للحوكمة .
ليس هذا فحسب إنما الأهم أن المشروع وضع آلية جدية لمكافحة الفساد والترهل الإداري والمحسوبيات ، باعتماد الية عصرية مؤسساتية تمنع فرص الفساد قبل وقوعها ، آلية تسبق نمط العقاب بعد انكشاف امر الفاسدين إلى قطع الطريق على فرص نشوء الفساد بالحد الأقصى . وهذا اذا تم بالفعل فإنه سوف يرفع من مؤشر الشفافية الحكومية في سوريا حتى على المستوى الدولي . لأن خطة عصرنة الدولة تضع كل البيانات في متناول الجميع . ولذكر مثال واحد فقط على ما اقول وهو جزء بسيط ضمن هذا المشروع الذي بدأت خطوات العمل به . هو أطلاق وزارة التنمية الإدارية تطبيق “منبر صلة وصل” لتقييم خدمات الجهات العامة، أو تقديم الشكاوى ضدها.ويتم عبر التطبيق تقييم أداء تلك الجهات عبر وضع “علامات” أو نقاط، تقيس مستوى استجابتها للشكاوى أو الإبلاغ عن حالات الفساد. وكان الرئيس الأسد قد أشار في كلمة له أمام الحكومة عن أهمية إطلاق هذا التطبيق قبل دخوله إلى الخدمة ضمن مشروع تحديث إدارات الدولة .
نعتقد أن هناك مسار ونهج يمضي نحو سوريا الجديدة رغم كل الصعوبات . ولا يمكن أن نغفل أن في المشهد الداخلي السوري الآن أن ثمة تحديات خاصة على المستوى الاقتصادي مع تراجع قيمة الليرة السورية أمام الدولار ومع حزم العقوبات الغربية التي تطال أبسط الشؤون الحياتية للإنسان السوري .
لذلك يقف مشروع الاصلاح الاداري في سوريا في إطار النهج الاستراتيجي العميق ، بينما يتطلع المواطن السوري إلى حلول إسعافية ظرفية تنقذه من واقع الحال وهو محق . الإنتقال إلى الدولة العصرية ليس مهمة سهلة وسريعة ، و معالجة الأمور الحياتية للمواطن السوري هي أولوية لا تنتظر .
ولكن نؤكد على أن الإنسان السوري أثبت انه لا يستسلم ، وكما نهض من ركام الحرب ، و خلص نفسه ووطنه من الوقوع في براثن الإرهاب والإمارات الظلامية ، فإنه بلاشك وبكل تأكيد سوف ينهض من واقع الحالي وتعود سوريا أفضل بأشواط كبيرة مما كانت عليه قبل الحرب . الشعب السوري شعب طيب و مثقف وخلاق ومبدع وسيكون المستقبل له ولاجيال سوريا المقبلة .
كمال خلف: رأي اليوم
إضافة تعليق جديد